تتقاذف مجموعات تحالف المعارضة المعروفة بقوى الإجماع الوطني كرات من الطين كلٍ منها يلطّخ جلباب الآخر، بحيث بدأ المشهد مضحكاً ومبكياً فى آن واحد، حزب الأمة القومي بزعامة السيد الصادق المهدى وجّه كرة سوداء، أصابت وجه المؤتمر الشعبى، إتهمه فيها بالوقوف وراء أزمة دارفور، بل وخلقها وانشائها منذ البداية. السيدة سارة نقد الله، وبتركيز عالٍ ومُعد له إعداداً جيداً، أوردت صحيفة اتهام متكاملة ضد الشعبى دفعته فيها بالتسبُّب المباشر في الاحتراب الدائر حالياً فى اقليم دارفور، السيدة سارة، وبنبرة هادية وباردة، أغلظت الاتهام ضد الشعبى، وفصَّلت تفصيلاً بيِّناً في إبانة دوره في تفجير الأزمة عقب المفاصلة الشهيرة في العام 1999. رد الإتهام من جانبه، تولّى المسئول السياسي للشعبى المحامى كمال عمر عبدالسلام الرد على الإتهام، وكان واضحاً أن كمال – كعادته- ورغم لسان المرافعات المبين لديه لم يسعفه الموقف في إيراد مرافعة بمقياس ووزن الإتهام، ولم يجد هو الآخر القومى متهماً إيّاه بواحدٍ من أغرب الإتهامات بأنه تسبَّب في فصل الجنوب! ولّما أومن المراقبون في حيثيات الاتهام والكيفية التي يرى عمر أنها فصل عن طريقها حزب الأمة الجنوب، قال الرجل، أن حزب الأمة لم يفسح مكاناً في قيادة الحزب لأى عضو جنوبي!! ولعل الملفت للنظر هنا أن كمال وفى معرض دفاعه عن حزبه لم يفشل فقط فى رد التهمة بطريقة منطقية قابلة للإقناع فحسب، وإنما أتى بتهمة جديدة وغير مسبوقة طالت (حلفائه) في التحالف إذ أن حزب البعث بشقيّه الشورى والطرقى، لم يفسح هو الآخر مقعداً ولا كان متصوراً ان يفسح مقعداً – بحكم الأيدلوجيا والفكرة- لأعضاء جنوبين – ومن ثم فإنه وحسب منطق الأستاذ كمال فإن حزب البعث هو الآخر تسبَّب أيضاً في فصل جنوب السودان!! التحالف الهش ولعل من بديهيات مايجرى وسيجرى داخل تحالف المعارضة أن التحالف ليس هشاً فقط، وإنما قابل للإنهيار في أي لحظة ولكنه غير متصَّور على الإطلاق، أن يجتذب حلفاء جُدُد رغم إتساع الساحة السياسية واكتظاظها بالأحزاب المعارضة أو البعيدة عن الحكومة، وذلك لأن المنهج الإبتدائى للتحالف، وكونه قائم على التساوى بين الحلفاء في كل شئ، ووجود قادة ليسوا قادة لأحزاب وغير معروفين الإنتماء . كل هذا يجعل من التحالف جسماً بلا حراك. ومن الغريب أن كل جريرة حزب الأمة القومي أنه يطالب (بإعادة هيكلة التحالف)، ويشير كمال عمر دون حياء إلى أن الأمة يطحح لرئاسة التحالف! ووجه الغرابة هنا أن التحالف مادام ينتهج نهجاً ديمقراطياً-كما يزعم- ومادام أنه قائم على برنامج موحّد -كما يدّعى- في الغضاضة في أن ترُاعى الأوزان السياسية لكل حزب وسبقه السياسي وتاريخه ومدى فعاليته السياسية ومقدار جماهيريته، ذلك أن التناقض المباشر الناجم عن هذا الوضع، أن التحالف (حريص كل الحرص) قولاً وعملاً على أن يظل الأمة القومى جزءاً منه، وفى الوقت نفسه حريص كل الحرص على أن يظل الأمة القومى في المقاعد الخلفية أو (المساطب الوسطى)!! وما من أحد يدرى العّلة وراء المخاوف التي تنتاب قادة التحالف إذا ما أتيح للسيد الصادق المهدى ترؤس التحالف، بل أن الشعبى على وجه الخصوص سيكون الأكثر فائدة إذا ما تسنى للأمة القومى قيادة التحالف، بإعتبار أن الشعبى مهما بدا وتظاهر بما يتظاهر به لن يخرج عن إطار مايطرحه الأمة القومى تماماً، كما هو الحال بالنسبة للإثنين معاً – الشعبى القومى تماماً كما هو الحال بالنسبة للإثنين معاً – الشعبى والأمة – وتماثل أطروحاتهما مع الوطنى. التنسيق مع المتمردين وعلى الجانب الآخر فإن كمال عمر أفسد ردَّه على الأمة القومى حين إسترسل بطريقته (المجاّنية) وتبرعاته السياسية متحدثاً عن صلة التحالف صلة مباشرة عبر التنسيق مع الجبهة الثورية، ففى ثنايا هذا الإصرار على الخلط بين (السياسة والسلاح) إصرار على الوجود في (ذيل) قطار الثورية تماماً كما أشار السيد الصادق المهدى قبل أيام حين شبّه علاقة التحالف بالثورية بأنه بمثابة (الترلة) بالنسبة لها!. كمال تفادى الرد على المهدى ولكنه أعاد تأكيد تشبيه المهدى بما يعنى أن الشعبى واحد من الأحزاب التي تنقاد للثورية وتصغى إليها تماماً كما هو الحال بالنسبة لقادة التحالف وإرتماء الشعبى في أحضاء قادتها؟ المشهد بأسره يبدو شديد السريالية، فنحن حيال تحالف ليست لديه خارطة طريق (داخلية) تتيح له رؤية موضع قدميه، في الطريق الحالك الظلام الذى يسير فيه وفى ذات الوقت لدينا قيادات معارضة تعيد إلصاق التهُم واحدة تلو الأخرى بنفسها وبإصرار عجيب دون أن تدرك أن قلم التاريخ تسّجل كل هذه الإتهامات بأحرف غير قابلة للمحو والكشط وأن هذا وفي القريب العاجل بمثابة (سجل سوابق) مهلك للقوى المتحالفة حين يحين أوان محاسبتها جماهيرياً عبر صناديق الإقتراع. يأس شعبى ويبدو أن الشعبى يائس، ولا نقول بائس الحال فقط، حيث أوكل مهمة حراسة مرماه للمحامى كمال عمر الذى ما تصدَّى لأمر أو وقف مدافعاً في محفل إلاّ وأدان في البدء نفسه، وحزبه وجَّردها من أى فضيلة، ووجّه كل جهده بإتجاه سب وشتم خصومه، فالحزب الذى ينتهج نهجاً كهذا بلا شك لايتطلع إلى مستقبل أو ينظر إلى الغد هو ينظر في أقصى ركنٍ مظلم، يرى فيه خصمه اللدود الوطني وقد إنزاح عن السلطة، تلك هى أمنيات الحزب القبلية، ولهذا ليس مهّماً عنده كسبه الشعبى والجماهيرى ولا أدبياته السياسية ولا لسانه السياسي، فتلك أمور فارقها الحزب منذ أن أصبحت مهّمته الوحيدة هى إسقاط رفقاء الأمس حتى ولو بهدم كامل المعبد على الرؤوس كافة!!