كتب توفيق منصور أرجو الإشارة إلى صدور تقرير (التنمية الإنسانية العربية 2004) وذلك بعد أن تأخر إصداره لعدة أشهر نسبة لما مورس عليه من ضغوطات أمريكية , وذلك لتناوله للأحوال اللا إنسانية والبعيدة عن الحرية التي تُمارس من قبل أمريكا وإسرائيل في العراق والأراضى الفلسطينية ! والغريب في الأمر أن هذا التقرير الذي كادت أن تُكتم أنفاسه بواسطة (بلاد الحرية!) كان شعاره (نحو الحرية في العالم العربي) .. هذا والجدير بالذكر هو أن برنامج الأممالمتحدة الإنمائى كان قد هدد في العام الماضي بإيقاف إصدار التقرير نسبة لبعض الضغوطات وعدم الاستقلالية التي يواجهها خاصة من عدة جهات و وكالات للأمم المتحدة .. وبالرجوع للتقريرين الأول والثاني وذلك للربط والتذكير نرى بان الأول (2002) سبق أن تناول كموضوع أساسي (خلق الفرص للأجيال القادمة) , وشملت تغطيته الأوضاع الصحية والتعليمية والعلمية والتقنية والبيئية وفرص العمل والتطوير , وركز على توفير الفرص والحوافز للأجيال القادمة من خلال إصلاحات وآليات معينة .. أما الإصدار الثاني (2003) والذي جاء تحت شعار (نحو إقامة مجتمع المعرفة) فقد اتخذ (بناء المعرفة) محوراً أساسياً له نسبة لما لها من علاقة عضوية ودور هام في التنمية الإنسانية .. أما التقرير الأحدث (2004) والذي هو تحت يدنا الآن (تم الإفراج عنه قبل عدة أيام) , فقد ركز على الحريات في العالم العربي .. وللتذكير فإن هذا التقرير يصدر من خلال (برنامج الأممالمتحدة الإنمائى) بالمشاركة مع (الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي) و (برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأممالمتحدة الإنمائية) , وبالطبع فان معدي التقرير هم فئة متميزة من مفكري وواضعي السياسات في الوطن العربي .. ويقع هذا التقرير الأحدث في (245) صفحة .. وبه أربع مقدمات لها مدلولاتها .. فالمقدمة الأولى أتت بقلم المدير العام لبرنامج الأممالمتحدة (مارك براون) ثم المقدمة الثانية بقلم (ريما خلف) مساعدة الامين العام للأمم المتحدة والمديرة الإقليمية لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائى الإقليمى للدول العربية .. والمقدمة الثالثة بقلم عبد اللطيف يوسف الحمد المدير العام للصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي , ثم تقديم سمو الأمير طلال بن عبد العزيز رئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأممالمتحدة الإنمائية .. هذا وقد كان للتقرير (عدة فرق) حُشد لكل فريق منها الكثير من المفكرين على مستوى العالم العربي ومن ضمن هذه الفرق نجد .. الفريق الاستشاري برئاسة (ريما خلف) ومن المعروفين بهذا الفريق وليس الحصر نجد (فهمي هويدي) و (كلوفيس مقصود) و (عاطف قبرصي) وغيرهم , ثم الفريق المركزي برئاسة (نادر فرجاني) وعضوية (عبد الوهاب الأفندي) و(ماري روز) و(محمد نور فرحات) , ثم فريق محور الأوراق الخلفية ومنهم (عزمي بشارة) و(أمينة لمريني الوهابي) وغيرهما .. ثم فريق القراء للنسخة العربية ومنهم (عبد الكريم الإرياني) , ثم فريق القراء للنسخة الإنجليزية ومنهم (الن رتشاردز) و(زياد حافظ) , ثم فريق التحرير, وفريق منفذي مسح الحرية, وفريق الجداول الإحصائية , وفريق الترجمة وما إلى ذلك .. كل ما تقدم أسوقه لإعطاء فكرة عن الجهد المبذول في هذا التقرير الذي اختلفنا معه أم اتفقنا يظل من أحد أهم الوثائق على مستوى عالمنا العربي .. بقي أن نعرف بأن هذا التقرير قد تناول فيما تناول تطورات التنمية الإنسانية بالعالم العربي للفترة منذ صدور إصداره الأول , وكذلك حال الحرية والحكم , والبنى المعوقة للحرية , والبنية القانونية في العالم العربي , وإهدار بنيان الدولة العراقية , والإرهاب , واكتساب المعرفة , وتكبيل الحريات , وتقييد حرية منظمات المجتمع المدني , وتقييد وسائل الإعلام , وتمكين المرأة , و حظيت دارفور وبالاسم على ركنٍ خاص جاء تحت عنوان (حقوق الجماعات الفرعية : دارفور) و كذلك شمل التقرير مواضيع متفرقة أخرى .. هذا ويأمل معدو التقرير بأن تذكي محتوياته الحوار المجتمعي في البلدان العربية فيما يخص سبل توسيع الحرية وإقامة الحكم الصالح والعمل على منع محاولات التدخل الخارجي بإتباع السبل الناجعة , ويشير التقرير إلى تحديات التنمية بسبب التطورات الإقليمية وكذلك للانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطيني , وينوه التقرير أيضاً إلى أنه وفي ظل الاحتلال الأمريكى للعراق قد تدهور أمن المواطن العراقي واستبيحت حياته من مختلف أوجهها .. ويتطرق التقرير أيضاً لمعاناة الصحفيين في العالم العربي ويقول أنها الأقسى على الإطلاق ويشير كذلك إلى الحريات الصحفية المكبوتة وإلى أن وسائل الإعلام عانت من تشديد القيود عليها وإلى أن المراسلين الصحفيين قد تعرضوا للقتل في المنطقة العربية وبخاصة على أيدي قوات الاحتلال الأمريكية في العراق وكذلك من قبل قوات الاحتلال الصهيونية .. هذا ويركز التقرير في أحد عناوينه لما اسماه النواقص الثلاثة في العالم العربي وهي المعرفة والحرية وتمكين المرأة .. ختاماً أقول .. ما قصدته من هذا الطرح السريع لتقرير (التنمية الإنسانية العربية) هو التعريف بهذه الوثيقة الهامة والتي يسهل الحصول عليها .. كذلك أنبه إلى أن الكثيرين يخلطون ما بين (تقرير التنمية البشرية) الذي يصدره برنامج الأممالمتحدة للعالم ككل و (تقرير التنمية الإنسانية العربية) الذي يختلف عن الآخر في الطرح والمضمون ! .. وأذكر هنا بما سبق أن أشار إليه الدكتور نادر فرجاني رئيس الفريق المركزي لتحرير التقرير عن اختيار (التنمية الإنسانية) كعنوان للتقرير وهو الشيء الذي أثار بعض اللغط بعد صدور عدده الأول في عام (2002) , فقد أشار فرجاني إلى أن مفهوم (التنمية الإنسانية) هو أفضل من مفهوم (التنمية البشرية) التي انفرد بعنوانها التقرير العالمي لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائى الذي بدأ إصداره منذ عام (1990) , فالمعنى كما يقول فرجاني واحد في اللغة الإنجليزية ولكن لغتنا العربية تفرق ما بين (البشرية) كمجموعة من المخلوقات والكائنات وبين (الإنسانية) كحالة راقية من الوجود البشري , ولإعطاء نفس عربي حقيقي كما يقول فرجاني تم إعطاء التقرير عنوان (التنمية الإنسانية العربية) منذ أول إصدار له .. وهنا أود أن أوضح نقطة هامة ألا وهي أن التعامل التوثيقي و المرجعي للوثائق الهامة يجب أن يتم على ضوء استعمال العنوان الحقيقي لأي مرجع كان .. وإلى لقاء مع مراجعة شاملة وناقدة لتقرير (التنمية الإنسانية العربية 2004) .. توفيق منصور الرباط : المملكة المغربية [email protected]