د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    تحولات الحرب في السودان وفضيحة أمريكا    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة البحث عن السلام

عشرون عاما من الاقتتال تنهيها الإنقاذ قبل عيدها ال17 الثورة أوفت ما وعدت وبحثت عن السلام في كل صقاع الدنيا حتى تحقق في نيفاشا أديس أبابا أولى محطات التفاوض مع الحركة الشعبية والقاهرة آخر محطات قطار التجمع المتحرك الى الخرطوم الإنقاذ منذ أيامها الأولى وضعت خطة استراتيجية ركزت على الحوار مع الحركة الشعبية والإعداد لمؤتمر السلام ملف السلام في السودان ظل يتأرجح تبعا لعوامل غذتها الحزبية والإنقاذ حسمتها بالجدية في وقف الحرب بالجنوب أول مشكلة واجهت الإنقاذ في حل مشكلة الجنوب هي من هو الممثل الحقيقي الذي تفاوضه الحكومة!! إن مشكلة جنوب السودان التي بدأت بتمرد الفرقة الإستوائية في 1955م كانت إفرازاً طبيعياً لسياسة الإدارة البريطانية تجاه جنوب السودان، والتي إتَبعت سياسات انفصالية للمجموعة الإثنية الجنوبية، والمجموعات الأخرى، وذلك بإثارتها لمسألة الرق والإتجار فيه، بهدف خلق قطيعة نفسية بين الشمال والجنوب . وقد نجح الاستعمار البريطاني في ذلك من خلال فتح الجنوب أمام البعثات التبشيرية والكنسية، التي عمقت التشكيك والكراهية تجاه الشمال في أذهان الجنوبيين ، أما من الجانب الآخر فقد أهملت الإدارة البريطانية إحداث تنمية أو خلق مشاريع تنموية في الجنوب على عكس ما حصل في الشمال الأوسط من السودان . حيث أنشأت الإدارة الاستعمارية مشاريع الجزيرة وخزان سنار وربطت معظم شمال السودان بخط سكك حديدية وتعليم وصناعة حديثة ، وقد أصبحت هذه المشاريع تمثل البنية التحتية للاقتصاد السوداني ، كما أنها أصبحت تشكِل مصدر قلق أو تحد للوحدة الوطنية، وخاصة بعد نيل السودان لاستقلاله، إذ ظهرت الأصوات المطالبة بضرورة إحداث تنمية متوازنة والتقسيم العادل للثروة القومية . كما أن مشكلة جنوب السودان كانت أيضاً إفرازاً لفشل الحكومات المتعاقبة على الحكم منذ الاستقلال، في معالجة قضايا التنوع السوداني، بسبب حداثتها وقلة تجربتها من جهة، ومن جهة أخرى بسبب خوفها من مصير تفكك الدولة السودانية ، ولذلك عارضت هذه النخب الحاكمة ومنذ الاستقلال مطالبة المجموعات الجنوبية المتعلقة بإقامة نظام فدرالي.باعتبار أن هذا المطلب (الفدرالية) هو الطريق إلى الانفصال، الشئ الذي أدى إلى تعميق المشكلة واتخاذها أبعاداً أخرى . وقد أفرزت هذه المشكلة آثاراً واضحة تمثلت فى : أنها عقدت مسألة الوحدة الوطنية ومسألة الهوية بسبب تنامي الصراع وبالتالي عدم الاستقرار السياسي . كما قادت إلى دخول الأطراف الخارجية (دول الجوار – إسرائيل – الغرب) وفق استراتيجيته فى القضية السودانية . بجانب الإفرازات الاجتماعية والاقتصادية (نزوح – لجوء – تشريد – دمار – إنهاك الميزانيات الحكومية). و بروز نخب سياسية جنوبية متباينة بنفس درجة تباين الأقليم الجنوبي ، والذي قد يتبادر إلى الذهن بأنه يشكل وحده متحدة . فالواقع أن الإقليم الجنوبي يحتوى على مجموعات متباينة فى لغاتها وثقافاتها وفى دينها ، حيث يذخر الجنوب بقبائل عدة ربطت فقط بينها اللغة العربية الدارجة كلغة تخاطب فيما بينها . وألقت كل هذه العوامل والتباينات الجنوبية بظلالها على المشروع السياسي الذي تنادى به هذه النخب الجنوبية . أن مشكلة جنوب السودان هي إفراز لسياسة الإدارة الاستعمارية في السودان نتيجة لفشل الحكومات المتعاقبة على الحكم في معالجة المشكلة . ولدور النخب السياسية الشمالية والجنوبية على حد سواء إضافة للمؤثرات الخارجية . وأن حرباً استمرت قرابة نصف قرن من الزمان (أطول الحروب الأهلية في إفريقيا) وإن عملية الوصول إلى حل سلمى لها لاشك أنه طريق شائك ومعقد . خاصة وأن التفاوض الجاد حولها استمر منذ مؤتمر المائدة المستديرة عام 1965م ثم اتفاقية أديس أبابا عام 1972م التي رسخت فكرة نقض المواثيق والعهود لدى الأخوة الجنوبيين ، كما وأن الحل العسكري قد أثبت فشله أيضاً وبناء على ذلك برز تساؤل مهم وهو . من هو الممثل الحقيقي للجنوب الذي يمكن أن تفاوضه الحكومة (الإنقاذ) وتصل معه إلى سلام ؟ فواحدة مثلاً من الأسباب الأساسية وراء توقيع اتفاقية أديس أبابا عام 1972م هي توحد القوى الجنوبية خلف جوزيف لاقو زعيم حركة تحرير جنوب السودان . وإذا كانت الفصائل المسلحة فى الفترة قبل اتفاقية أديس أبابا تمثل فصيلين فإنها بعد 1990م تعددت حتى صارت أكثر من سبعة فصائل بحلول عام 1997م وبجانب التيارات السياسية الجنوبية المتباينة فى الطرح . و نلحظ إن ملف السلام في السودان ظل يتأرجح تبعاً لهذه العوامل من جملة أوضاع وأحوال إذاها في الفترة قبل الإنقاذ التناول الحزبي أو النقابي المنفرد لهذه المشكلة في وقت كانت القوات المسلحة تعانى الضعف وعدم الإستعداد للحرب . لكل هذه العوامل وحرصاً منها على تحقيق السلام أبدت قيادة ثورة الإنقاذ الوطني منذ تسلمها السلطة في 30 يونيو 1989م جدية لوقف الحرب والدمار وإحلال السلام العادل والشامل الدائم الذي يعالج المشكل من جذوره . وذلك في إطار الدوافع نفسها التى قادت هذه القيادة إلى التغيير الثوري . وهى إنقاذ البلاد من التدهور الأمني والاقتصادي الذي كان يتهدد وجودها وسيادتها . وكانت استراتيجية الثورة ومنذ أيامها الأولى هي وضع خطة استراتيجية تكون هادية لها في سعيها نحو السلام عبر الحوار المفتوح، وبخاصة إذا كان حواراً سودانياً خالصاً بمنأى عن تأثير القوى الخارجية، التي مهما كانت دوافعها فهي لها أجندتها ومصالحها الخاصة . وطالما أن عملية الإعداد لمؤتمر قومي لمناقشة قضية هي من أعقد القضايا وهى قضية (الحرب) .. رأت الإنقاذ في أيامها الأولى ضرورة التفاوض مع الحركة الشعبية فوراً وفى نفس الوقت الإعداد لمؤتمر السلام ... وقد كان ذلك ... وكانت بداية المشوار . لقاء أديس أبابا (19-20 أغسطس 1989م) كان أول جولة من هذه المفاوضات بين وفدى الحكومة والحركة الشعبية بعد أسابيع من قيام الثورة . وقدم وفد الحكومة مشروعاً لوقف الحرب والتمهيد للسلام وكان أبرز عناصره :- وقف إطلاق النار . وضمان استمرار عمليات الإغاثة وخاصة شريان الحياة . ووقف الحملات الإعلامية بين الطرفين . الى جانب تأمين وسيلة اتصال سريعة ومضمونة بين الجانبين لتبادل وجهات النظر أو أي مفاوضات أخرى يتفق عليها الطرفان . مؤتمر الحوار الوطني حول قضايا السلام: (9 سبتمبر – 21 أكتوبر 1989م) : ومن ثم كانت عبقرية الإنقاذ وهى في شهورها الأولى وفى ظل تحديات داخلية وخارجية كبيرة مع بداية العام 1990م . وهو عام التحولات الكبيرة على المستوى الدولي بعد انهيار المعسكر الشرقي ، وانفراد المعسكر الغربي وخاصة الولايات المتحدة بمجريات الأمور على المستوى الدولي . وعلى المستوى الإقليمى إنتهاء نظام التفرقة العنصرية فى جنوب إفريقيا . والتحولات في النظام الأثيوبي والأريتري . وبروز شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان والحرية وغير ذلك من الشعارات التي أصبحت عامل ضغط من قبل الحكومات الغربية . في ظل هذه التحولات، أن عقدت الإنقاذ مؤتمراً قومياً للحوار الديمقراطي الحر المفتوح حول قضايا السلام . شاركت فيه كل القوى الوطنية في الشمال والجنوب . استمر الحوار لأكثر من شهر ليبحث فى : الأسباب الجذرية والخلفية التاريخية للنزاع في الجنوب . وآثار الحرب في الجنوب . والمعالجات السابقة .خيارات الحلول . وخرج المؤتمر بتوصيات جامعة أصبحت استراتيجية تتبعها الحكومة في معالجة قضية الحرب والسلام . فحسمت القضايا مثار الجدل الجوهري غير الإجرائي مع الطرف الآخر (الحركة الشعبية لتحرير السودان ) على أساس أن إرادة الشعب في الشمال والجنوب هي قاعدة السلام. وقد أصدر مجلس قيادة الثورة في اجتماع مشترك مع مجلس الوزراء بتاريخ نوفمبر 1989م أن مقررات ذلك المؤتمر هي أساس السياسة العامة للدولة . حيث أوصى المؤتمر باعتماد النظام الفدرالي (الاتِحادي) محدداً لتوزيع السلطات والاختصاصات بين الأجهزة الاتحادية والولائية . كما قام المؤتمر بتقسيم الدخل القومي بين السلطة الاتحادية والسلطة الولائية بما يحقق التنمية المتوازنة والعدالة فى توزيع الثروة . رأى المؤتمر أن التنوع الثقافي واللغوي والتاريخي والبيئي إنما يخصب خصائص الوحدة بأكثر مما يضعفها، على أن توفر له الدولة كل ظروف التعبير الحر العادل عبر الخطط التربوية والإعلامية والثقافية . وامن المؤتمر على ان العروبة والأفريقية بكل ثقافاتهما يشكلان جذور التركيبة العرقية للسودان ، ويعطيانه وضعاً حيوياً في المحيطين العربي والافريقي . وخلص المؤتمر لحقيقة مفادها أن السودان أمة واحدة تجمع بين أبنائها علاقة المواطنة ويشكل الدين عنصراً أساسيا في تكوينهم وثقافتهم . وعلى ذلك تكفل الدولة حرية العقيدة والعبادة لكل السودانيين (لا إكراه في الدين) . ومن حق كل مواطن أن يسعى للتعبير الكامل عن دينه بغير تعدى على حقوق الآخرين . كما تكفل حرية الدعوة والتبشير للجميع. وأرسى المؤتمر القاعدة التشريعية : الشريعة الإسلامية والعرف هما المصدران الرئيسيان للتشريع . فالقوانين المدنية والجنائية قومية المنشأ والتطبيق . على أن تراعى أعراف المجتمعات الإقليمية . وللولايات الحق في إصدار التشريعات فى حدود اختصاصاتها، ويجوز للولاية إستثناء نفسها من المواد التشريعية ذات الصيغة الدينية . مفاوضات نيروبى الأولى : (30/11-5/12/1989م) : و بوساطة من الرئيس الأمريكى الأسبق جيمىي كارتر وبرعاية الرئيس الكيني دانيال أراب موي ، وعلى ضوء توصيات ومقررات مؤتمر الحوار الوطني حول قضايا السلام والتي صارت استراتيجية حكومية معتمدة ، جاءت مفاوضات نيروبي الأولى بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان برئاسة د. لام أكول . وقد خلصت هذه الجولة إلى : عقد مؤتمر دستوري ليضع دستوراً جديداً للسودان على أن يضم مختلف قطاعات الشعب، ويشمل ذلك النقابات والمثقفين ومن يعتقدون فلسفات سياسية مختلفة . الى جانب عرض الدستور الذي يضعه المؤتمرون على الشعب للموافقة عليه وفق مقررات المؤتمر الدستوريى. حيث اعترف وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان بأن مقررات مؤتمر الحوار الوطني حول قضايا السلام تمثل أساسا بنَاءا لحل مشكلة الجنوب . رغم وضوح الطرح الحكومي الذي جاء معبراً لتوصيات ومقررات مؤتمر الحوار الوطني حول قضايا السلام ورغم الخلاف حول قضايا أساسية مع وفد الحركة حول وضع الدستور والمؤتمر الدستوري ، إلا أن طريق السلام أصبح بعد 1990م أكثر صعوبة نتيجة لانشقاق الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى فصيلين فى العام 1990م . حيث أصبحت هناك مجموعة الناصر ومجموعة توريت. والكل له أطروحاته لمعالجة الحرب . ورغماً عن ذلك استمرت الحكومة تبحث عن السلام. ولم تتأثر به طاولة المفاوضات، والتي لابد من دعمها بوسائل أخرى سياسية دبلوماسية وعسكرية . ولذلك جاء الدفاع الشعبي وزاد المجاهد وبدأت الحملات الدبلوماسية لتوضيح مقررات مؤتمر الحوار الوطني حول قضايا السلام مفاوضات فرانكفورت : (23-25 يناير 1992م) : انعقدت هذه المفاوضات في مدينة فرانكفورت الألمانية بين وفدى الحكومة برئاسة د. على الحاج محمد والحركة الشعبية لتحرير السودان فصيل الناصر برئاسة د. لام أكول . وقد أمَن الطرفان على الحل السلمي لقضية الجنوب ، وإجراء استفتاء، إذ تبلورت أفكار مجموعة الناصر في مطالبتها بحق تقرير المصير لحل المشكلة عن طريق الاستفتاء حول الوضع السياسي والعلاقة الدستورية مع الشمال، كما اعترفت بحق الشمال في تطبيق الشريعة في الشمال . مفاوضات أبوجا الأولى : (26 مايو – 4 يونيو 1992م) : بمبادرة من الرئيس النيجيري الأسبق ابراهيم بابنجيدا الذي كان وقتها رئيس منظمة الوحدة الأفريقية ، عقدت مفاوضات أبوجا الأولى من ثلاثة وفود يمثلون الحكومة ورئيس وفدها محمد الأمين خليفة ووفد الحركة الشعبية (مجموعة توريت) ورئيس وفدها وليم نون ووفد الحركة الشعبية (مجموعة الناصر) ورئيس وفدها د. لام أكول . وكادت هذه المفاوضات أن تفشل بسبب الصراع بين المجموعتين (توريت – الناصر) وذلك لرفض جون قرنق مشاركة مجموعة الناصر فى هذه المفاوضات. وقد تمخضت جهود نيجيريا أخيراً عن نجاح تم بموجبه عقد المفاوضات، بعد أن ترأست نيجيريا نفسها الجلسات، وذلك لأن مجموعة توريت كانت تخشى أن ترأسها مجموعة الناصر، خاصة بعد أن قدم مشروعاً لرئاسة الجلسات بالتناوب بين الوفود المشاركة .
ولكن بالرغم من ذلك حدث تطور فى جانب وفدى الحركة، إذ حدثت وحدة بينهما حول برنامج وموقف سياسى موحد لأغراض المفاوضات . ولذلك طالب وفد الحكومة أن تحدد الحركة وفدها بعد أن توحدت ليصبح (9) أشخاص بدلاً عن (18) شخص حتى يكون العدد مكافئاً للوفد الحكومي . وهكذا جاء الوفد الجديد كما يلي :- وجاء البيان المشترك بعد هذه المفاوضات معترفاً بالتباين والتعدد السوداني ، مؤكداً على ضرورة حل النزاع عبر المفاوضات ، والاقتسام العادل للثروة القومية ، والاعتراف بآثار الحرب وعلى مواصلة الجهود الرامية إلى التوصل إلى التسوية السياسية الشاملة. وضرورة خلق جو إيجابي للمفاوضات . وكانت ردة الفعل عند جون قرنق تجاه هذا البيان، أن عقد مؤتمراً صحفياً في كمبالا أعلن فيه تنصله عن الاتفاق الذي تمَ ، وقال أن من أوفدهم خرجوا على ما كان متفقاً عليه . وأنه لا يعترف بتوقيعهم على البيان المشترك، كما أن وليم نون رئيس وفده تجاوز التفويض الممنوح له . وكانت نتيجة هذا المؤتمر الصحفي أن انشق وليم نون من الحركة الشعبية فصيل توريت . وقد تزامن ذلك الانشقاق مع خروج كاربينو كوانبن وأروك طون أروك* من سجون قرنق في 1993م . وقد انضم هؤلاء إلى مجموعة الناصر التى تم تغيير اسمها في 1993م إلى الحركة الشعبية والجيش الشعبي (الفصيل المتحد) الذى أصبح يضم ثلاثة من الفصائل المنشقة من قرنق وهى: مجموعة الناصر . مجموعة وليم نون . الحركة الشعبية لتحرير السودان (فصيل بحر الغزال) تحت قيادة كاربينو . بعد انشقاق الحركة اصبحت هناك صعوبة وتعقُد في التفاوض (مع من يتم التفاوض؟ ومع من يتم الاتفاق؟) ، وبالرغم من هذه الوحدة التي حدثت فىي 1993م وتكوين الفصيل المتحد ، إلا أنه وبحلول عام 1994م أي بعد عام حدثت انشقاقات عميقة وسط هذا الفصيل أفرزت الفصائل الآتية ، بجانب الحركة الشعبية والجيش الشعبى (فصيل توريت بقيادة قرنق) : حركة إستقلال جنوب السودان ، بقيادة رياك مشار . الحركة الشعبية لتحرير السودان (الفصيل المتحد) بقيادة د. لام أكول . الحركة الشعبية لتحرير السودان (مجموعة بحر الغزال) تحت قيادة كاربينو . تجمع أبناء بور تحت قيادة أروك طون أروك . الحركة المستقلة لجنوب السودان تحت قيادة مكواج مكوى . قوة دفاع الإستوائية تحت قيادة توبلو لوس اوتنيانق . قوات الأنانيا (ج) أو القوات الصديقة تحت قيادة فاولينو ماتيب . مفاوضات عنتبى: (23 و24فبراير 1993م) : بدعوة من الحكومة اليوغندية عقدت هذه المفاوضات بين وفدى الحكومة برئاسة د. على الحاج ووفد الحركة الشعبية لتحرير السودان (فصيل توريت- قرنق) برئاسة جون قرنق نفسه . وقد تمخضت تلك المفاوضات عن المسائل الإجرائية التالية : اعتبار فصيل جون قرنق مستعداً وراغباً فى الذهاب لمفاوضات أبوجا الثانية دون شروط مسبقة . وان الحكومة السودانية أيضاً مستعدة للذهاب لمفاوضات أبوجا الثانية ولكن بعد عقد مباحثات أولية مع التيار الآخر فى الحركة الشعبية لتحرير السودان . بجانب أن تكون المباحثات القادمة بدون شروط مسبقة . اجتماع نيروبى الثانى: (23 أبريل 1993م) : عقد هذا الاجتماع فى العاصمة الكينية نيروبى بين وفدى الحكومة برئاسة السيد على عثمان محمد طه ووفد الحركة الشعبية (الفصيل المتحد) برئاسة كاربينو كوانين – وجاء فى البيان الختامى ( أن المباحثات هدفت لبحث سبل تحقيق السلام وحل مشكلة الصراع الحالى فى السودان) .. وجدد الجانبان تأكيد التزامهما بالمبادئ التى طرحت فى مفاوضات أبوجا فى مايو ويونيو 1992م باعتبارها الإصلاحات للوصول إلى سلام دائم فى السودان . مفاوضات أبوجا الثانية: (26 أبريل – 17 مايو 1993م) : استمراراً ومواصلة لمفاوضات أبوجا الأولى وتأكيداً لاجتماعات عنتبى بين الحكومة والحركة الشعبية (فصيل توريت)، واجتماع نيروبى الثانى بين وفدى الحكومة والحركة الشعبية (الفصيل المتحد) ، عقدت مفاوضات أبوجا الثانية بين وفدى الحركة الشعبية (توريت – الفصيل المتحد) ووفد الحكومة ، وتوصلت الأطراف المشاركة إلى مبادئ عامة يمكن إجمالها في: أن يتم حل المشكلة بالوسائل السلمية في إطار السودان القطر المتعدد الثقافات والأعراق والأديان . وتوزيع الثروة واقتسام السلطة بعدالة بجانب إعادة تعمير ما دمرته الحرب وإعادة توطين النازحين و استمرار الإغاثة إلى المتضررين . و أعرب المشاركون فى المفاوضات عن نية متبادلة من أجل إقامة السودان الواحد الذى تكون فيه المواطنة والعلاقات الأخوية هى أساس المشاركة فى السلطة والثروة . وأن يكون النظام الديمقراطى مؤسساً على المشاركة فى المؤتمرات الشعبية والنظام السياسى للحركة الشعبية . واعتبار المواطنة هى أساس الوحدة الوطنية وأساس المشاركة فى العمل الاقتصادى والاجتماعى دون تميز على أساس الدين أو العرق أو الجنس . مع التاكيد على أن تعمل الأجهزة الحكومية على إبراز كل الأوجه الثقافية والعرقية المتعددة وإتاحة الفرصة لها للتعبير عن ذاتها دون تعصب أو محاباة . و كفالة حق الاعتقاد والعبادة مع حرية تربية النشء وفقاً للقيم . أما المسائل التى تم الفصل فيها فهى :- أكدت الأطراف المتفاوضة تمسكها بوحدة الأراضى السودانية وأن يتم حكم السودان فى الفترة الانتقالية بنظام لا مركزى . و على تضييق هوة الصراع وبناء الثقة بينهم، والعمل من أجل أن تتم إدارة السودان جماعياً أثناء الفترة الانتقالية على أساس السلام المرتقب . تعيين لجنة لتوزيع الدخل فى الفترة الانتقالية وإقامة مفوضية للتعمير . اتفق الأطراف على توزيع السلطات بين الأجهزة الاتحادية والولائية فحددت السلطات الاتحادية والسلطات المشتركة . أما المسائل التى لم يتم الاتفاق عليها فهى : المسائل المتعلقة بالموارد المائية . و الوضع القانونى للجنوب خلال الفترة الانتقالية من حيث الترتيبات الأمنية والعسكرية . 1. القضاء . 2. السيادة على السلطات المشتركة فى حالة النزاع . 3. قوانين الشريعة الإسلامية . 4. الاستفتاء . 5. دستور الحكومة الاتحادية خلال الفترة الانتقالية . 6. فترة الفترة الانتقالية . وبالرغم من أن هذه المفاوضات استمرت خلال ثلاثة أسابيع بين هذه الوفود، وتم التأكيد والاتفاق حول أغلب الأجندة، إلا أن جون قرنق جاء إلى أبوجا من واشنطن رافضاً التوقيع على الاتفاق منهياً كل هذا المجهود . ورغماً عن ذلك واصلت الحكومة مجهودها فى البحث عن السلام . مبادرة الإيقاد : جولة الإيقاد الأولى والثانية : أبدى رؤساء الدول الافريقية المكونة (للإيقاد) رغبتهم فى إنهاء الحرب فى جنوب السودان .. وفعلاً تمت جولة الإيقاد الأولى فى 17 مارس 1994م والتى لم تتمخض عن شئ ذي بال بين وفدى الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان ، أعقب ذلك جولة ثانية للإيقاد فى 17-20 مايو 1994م . إعلان المبادئ : يقوم إعلان المبادئ بين الحكومة والحركة ، الذى توصل إليه فى جولة الإيقاد الثانية إلى المبادئ الآتية : (1) أن الحل العسكرى لن يحقق سلاماً دائماً فى البلاد . (2) أن يكون الحل السلمى السياسى العادل هو العامل المشترك للطرفين . (3) تأكيد حق مواطن جنوب السودان فى تقرير مصيرهم عبر الإستفتاء . (4) المحافظة على وحدة السودان كأولوية . (5) أن السودان بلد متعدد الأعراق والأجناس والأديان والثقافات وان يتم الاعتراف بذلك . (6) القسمة العادلة للثروة بين جميع المواطنين وكذلك قسمة السلطة . جاءت بعد ذلك جولة ثالثة ورابعة فى إطار مبادرة الإيقاد . إتفاقية الخرطوم للسلام (أبريل 1997م) : توصلت الحكومة إلى إتفاقية الخرطوم للسلام بين المجموعات الأربعة المنشقة عن حركة قرنق والحكومة ، إتفق بينهما على شكل الدين والدولة ، والضمانات الدستورية والحريات ، والحقوق الأساسية ، والقضاء والديمقراطية وإقتسام السلطة وإقتسام الثروة . بروتوكول مشاكوس 18-20 يوليو 2002م : لقد اندفعت عجلة السلام بقوة فى إتجاه الوصول إلى حل للنزاع فى جنوب السودان حتى تكلل ذلك بالتوقيع على بروتوكول مشاكوس فى كينيا فى 20 يوليو بين حكومة السودان والحركة الشعبية و توصلتا فيه للآتى : ان وحدة السودان تقوم على الإرادة والحرية لشعبه والحكم الديمقراطى والمساواة والإحترام والعدالى لجميع مواطنى السودان ستظل الأولوية بالنسبة للطرفين . شعب جنوب السودان له الحق فى رقابة وحكم شئون اقليمه والمشاركة بصورة عادلة فى الحكومة القومية . شعب جنوب السودان له الحق فى تقرير المصير وذلك عن طريق إستفتاء لتحديد وضعه مستقبلاً . إقامة نظام ديمقراطى لحكم يأخذ فى الحسبان التنوع الثقافى والعرقى والدينى والجنسى واللغة والمساواة بين الجنسين لدى شعب السودان . التفاوض حول وقف شامل لإطلاق النار مع صياغة خطة لعودة اللاجئين . تخطيط وتنفيذ إتفاقية السلام بغية جعل وحدة السودان خياراً جاذباً وبصفة خاصة لشعب جنوب السودان . إتفاق السلام الشامل فى نيفاشا : هذا وتتويجاً لهذه الجهود وقعت حكومة السودان والحركة إتفاقاً شاملاً للسلام فى نيفاشا بكينيا فى 26 مايو 2005م توصلت فيه ، لإرساء دعائم سلام مستدام يقوم على مبادئ هامة : الإقتسام العادل للسلطة . الاقتسام العادل للثروة . وقف إطلاق النار . معالجة أوضاع المناطق التى تشابه جنوب السودان مثل أبيي وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبة . وهكذا توصلت الإنقاذ إلى إتفاق سلام شامل فى جنوب السودان أنهى عشرين سنة من الحرب .. وقد حافظ الاتفاق على وحدة السودان ، وأبقى على الشريعة الإسلامية ، وتجربة الحكم الاتحادى ، وترسم وضعاً ديمقراطياً يشارك فيه السودانيين تنتقل فيه السلطة سليماً وفق إنتخابات حرة . وهكذا أوفت الإنقاذ بما وعدت فى تحقيق السلام فى جنوب البلاد . وفي 18 يونيو واستمرار لجهودها في تحقيق السلام بالبلاد فقد شهدت القاهرة توقيع اتفاق المصالحة بين الحكومة والتجمع الوطني الديمقراطي والذي شارك بموجبه التجمع في مفوضية الدستور مع مشاركته في الحكومة الطوعية حسب النسب المقررة وتبدل الإنقاذ جهودا مقدرة في ابوجا حيث جولة المفاوضات بين وفد الحكومة والحركات المسلحة بدارفور للوصول لتسوية لازمة وكذا التحرك المحموم لإنهاء الأزمة بالشرق ...وتأمل الإنقاذ وبنهاية منتصف العام ودخول عامها السابع عشر ان تكون قد طوت صفحة الحروب والخلافات والصراعات وان يعود أبناء السودان للداخل من اجل العمل سويا على تنمية وتطور البلاد.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.