[email protected] عندما نشرت (السوداني) خبر وفاة (3) مرضى بمستشفى حوادث بحري نتيجة لنقص الأوكسجين، وأثارت القضية – التي أصبحت قضية رأي عام - ونشرت العديد من الوثائق وقدمت البراهين التي تؤكد ذلك، كنا نعتقد أن وزارة الصحة بولاية الخرطوم ستقوم باتخاذ خطوات سريعة وحاسمة، لمعاقبة المسؤول وتجنب تكرار حدوث الحادثة في المستقبل. لكن انظروا معي ماذا فعلت الوزارة حيال ذلك: أصدر مدير المستشفى د. أحمد يعقوب قراراً إدارياً بتكوين لجنة للتحقيق في الحادثة، مكونة من 3 أطباء... حيثيات تقرير هذه اللجنة لم ير النور – وأعتقد أنه لن يراه أبد الدهر – لأنه يعتقد بانه يدين إدارة مستشفى بحري بالقصور، وبرأ مستشفى الحوادث من التقصير، حسب المعلومات المسربة. مساعد المدير العام للطوارئ د. محمد عثمان دقنو تقدم باستقالته، لأنه طالب في مرات عديدة بتوفير متطلبات العمل، وأنه يجد معوقات إدارية عديدة تمنعه من تسيير أعباء المستشفى، وأقر بالنقص الحاد بالأوكسجين في المستشفى... مدير المستشفى أصدر قراراً بتعيين مساعد له في الطوارئ... وزارة الصحة شكلت لجنة تحقيق ثانية لتقصي الحقائق والتي جاء تقريرها (فطيراً جداً) حيث نفت فيه وفاة المرضى نتيجة لانقطاع الأوكسجين، وبأنه لا يوجد انقطاع للأوكسجين بالمستشفى في اليوم المعني 9-1-2012. بعدها نشرنا في (السوداني) المزيد من المستندات التي تنسف تقرير لجنة الصحة الموقرة، وحسب ما أوردته وثائق المحاضر الرسمية بالمستشفى، والتي جاء فيها في ليلة وفاة المرضى: "لا توجد مشاكل سوى مشكلة عدم توفر الأوكسجين، ظللنا طوال الليل نحرك الأوكسجين من مريض إلى آخر، ومن عنبر إلى عنبر... وهناك مريضة “O2 dependant” – أي تعتمد كلياً على الأوكسجين - ما عندها أسطوانة أوكسجين".... أي أن النقص الحاد في الأوكسجين موجود وموثق بالمستندات الرسمية... وأقرت كذلك الوثائق على أن موت المرضى الثلاثة كان بسبب نقص الأوكسجين، حسب إفادات د. مزمل أخصائي ال ER. وأوصت مضابط المستشفى بضرورة تحديد المسؤول عن عدم توفر الأوكسجين، حتى لا يتكرر هذا الخطأ مرة أخرى. عقب تفنيدنا لقرارات اللجنة، أصدر وزير الصحة بالخرطوم بروفيسور مأمون حميدة قراراً بتشكيل لجنة تحقيق جديدة – ودي اللجنة نمرة 3، وعندنا في السودان طرفة تقول "إذا أردت أن تقتل أمراً فشكل له لجنة" – لكن الغريب في الأمر أن اللجنة ضمت (6) صحفيين في عضويتها، ولا أدري حقيقة علاقة الصحفيين بالبحث الطبي - اللهم إلا إذا كان حديث بروف حميدة في فعاليات الطب الشرعي والذي أكد فيه على دعمه لتطوير الطب الشرعي بالسودان، كان يعني دعمهم بالصحفيين – فهؤلاء الصحفيون ال(6) من المنطق والمعقول أن نجدهم في لجنة لمناقشة رسالة الماجستير في الصحافة أو يضعون امتحانات (القيد الصحفي)، لكن لجنة بحث لتحديد سبب الوفاة فهذا ليس اختصاصهم، وحسناً ما فعله اتحاد الصحفيين عندما أصدر بياناً طالب فيه بعدم إقحام الصحافة في لجان للتحقيق ذات الطابع الفني والمتخصص تحقيقاً للعدالة والشفافية والموضوعية، لأن الصحافة مؤسسة رقابية ناقدة وظيفتها التنبيه بوجود الخلل وفق معلومات تتحصل عليها، فلا علاقة للصحافة بالشؤون التنفيذية والمهنية للمؤسسات. يحمد للزميل الطاهر ساتي أنه رفض الانضمام للجنة منذ البداية لعدم الاختصاص كما قال، وبعده انسحب عادل سيد أحمد رئيس تحرير (الوطن) من اللجنة التي وصفها بسيئة الذكر وعدم الحياد والنزاهة، كذلك انسحبت بالأمس الزميلة هويدا سر الختم مدير تحرير (التيار) لأن اللجنة لم تملك الصحفيين جميع المستندات ولأنها طالبت باستدعاء أسر المتوفين ولم يتم الاستجابة للطلب رغم أن الطلب خضع للتصويت وكسب، وهي ترى أن الصحفيين جلبوا كي يمضوا ويشهدوا على نتيجة معروفة ومجهزة مسبقاً... أما رئيس تحرير (آخر لحظة) مصطفى أبو العزائم، والكاتب الصحفي عثمان شبونة، فلم يحضرا أي اجتماع للجنة... أما الكارثة الكبرى فهي تتمثل في رئيس لجنة التقصي الأستاذ أشرف السراج/ المحامي، فقد اتضح أنه يعمل مستشاراً قانونياً خاصاً للبروفيسور مأمون حميدة في مستشفياته ومؤسساته الطبية الخاصة، وقد وقف في قضايا ضد الصحفيين والصحافة لصالح مأمون حميدة ومؤسساته... إذن من حقنا أن نطرح التساؤلات التالية، لماذا تم تعيين الأستاذ أشرف السراج/ المحامي دون غيره؟... ولماذا أتى السيد الوزير بمستشاره الخاص كي يتقصى في الشأن العام؟... ولماذا لم يستعن بالوزير بوزارة العدل؟... وأين المستشار القانوني لوزارة الصحة؟... ولماذا لم يستعن به في هذه القضية؟.. وماذا تريد الوزارة من هذه المماطلات والتعقيدات المطولة؟... كل الأسباب أعلاه تطعن في حيادية ونزاهة واستقلالية اللجنة، وكفيلة بأن تشطبها وتلغيها من الوجود... وللمزيد من التوضيح والدقة أقول: إن اللجنة باطلة من الأساس لأنها لم تتقيد ب(قانون لجان التحقيق لسنة 1954) الذي تم تعديله ويسرى حتى تاريخ اليوم... القانون يجوز لأي وزير مختص أن يصدر أمراً ويعين لجنة لتقصي الحقائق في أي حادث أو موضوع يرى أن الصالح العام يقتضي إجراء التحقيق فيه، فيما يقع داخل حدود اختصاص وزارته... وتقول الفقرة (6) "يجب على كل عضو لجنة يعين بمقتضى أحكام هذا القانون أن يؤدي اليمين حسب ديانته أو معتقداته بأنه سوف يؤدي جميع ما تسنده إليه اللجنة من واجبات وبإخلاص وحيدة باذلاً أقصى طاقته"... إذن هذه الفقرة وبالقانون تنسف اللجنة وتكوينها من الأساس، لأنه لم يخضع أي عضو فيها لأداء القسم... وهنا أتساءل: هل عدم خضوع أعضاء اللجنة لأداء القسم كان (بقصد) أم (دون قصد)؟؟... وإذا كانت النتيجة (بقصد) فما هو المقصود من وراء هذه الخطوة؟... وإذا كانت (دون قصد) فهل يجهل مستشار السيد الوزير الملم بالقوانين، هذه الخطوة المهمة؟... أعتقد أن النتيجة لا تخرج من أحد هذين الأمرين: إما أن الوزارة تجهل هذا الإجراء؟... أو أن الوزارة تتجاهله؟... (وأي واحد من الأمرين، أمر من التاني)!!!. بالأمس كتب الأستاذ نبيل أديب/ المحامي في "السوداني" حول هذه القضية - وهو قانوني ضليع غني عن التعريف – قائلاً: (التحقيق فى أسباب وفاة شخص لاتقوم به غير النيابة العمومية، والقرار في مسئولية أي شخص عن تلك الوفاة لا يقررها إلا القضاء. وبعض القوانين لأهمية المسألة تقصر التحقيق فيها على القضاء، فالقانون الإنجليزي عند وفاة أي شخص بشكل فجائي، أو عن طريق العنف، أو في ظروف مريبة، أو عند وفاة أي شخص حدثت وفاته في السجن، يوجب أن يتم التحقيق حولها بواسطة قاضي CORONER فى تحقيق قضائي INQUEST، ليقرر في نهايته القاضي سبب الوفاة.... مجمل القول هو أن الوفاة في الظروف الطبيعية يحدد سببها الطبيب، وفي غير الظروف الطبيعية فإن القرار في المسألة يكون مركباً، ففي حين يقرر الطبيب المختص عندنا، أو القضاء لدى غيرنا، السبب الذي أودى بحياة الشخص من الناحية المادية البحتة، أي تعرضه لضربة بآلة حادة، أو رصاصة، أو نقص في الأوكسجين مثلاً، فإن النيابة العمومية، هي التي تقرر بصفة مبدئية مسئولية أي شخص عن ذلك. وهذا هو ما يجعل قرار السيد وزير الصحة بتفويض اللجنة بالتوصل لقرار حول مسؤولية أي شخص عن وفاة أي شخص، هو تفويض ممن لا يملك، لأن وزير الصحة نفسه لا يستطيع أن يحدد مسؤولية أي شخص عن وفاة أي شخص آخر، وإنما يحددها القضاء وفق إجراءات محددة). انتهى. من هنا ندعو السيد وزير العدل محمد بشارة دوسة، للنظر في هذه القضية، واتخاذ كافة التدابير القانونية اللازمة، حيالها. (ألا هل بلغت اللهم فأشهد)... //