خبر وتحليل: من صالح محمد عبدالله من المنتظر استئناف المحادثات بين الحكومة السودانية وحكومة جنوب السودان اليوم فى اديس ابابا بعد حسب ما اعلنت اللجنة الرباعية فى وقت سابق بعد انهيار المحادثات السابقة فى اواخر يناير الفات بسبب تلطيف الاجواء بعض ما رفض سلفاكر التوقيع على الاتفاق بحجة ان لا يوجد ضمانات لتنفيذ الاتفاق . وكان الامين العام للامم المتحدة بان كى مون قال قبل انهيار المباحثات بين الطرفين فى اديس ابابا ان الرئيسان البشير وسلفاكير لا يملكا الادارة السياسية لحل القضايا العالقة الامر الذى يهدد المنطقة بالتوتر الاستقرار الامنى . وبعد اسبوع من انهيار المحادثات بشان رسوم عبور النفط عبر الاراضى السودانية الى منياء بورتسودان ، أقر الرئيس السوداني عمر البشير على الملاء بتردي العلاقات بين السودان و دولة جنوب السودان الوليدة ، وحمل البشير حكومة جنوب السودان مسؤلية التوتر القائم فى فضاء البلدين ، فى اشارة الى ان الوضع الراهن بات اقرب الى الحرب من السلام ، خاصة بعد اغلاق حكومة جنوب السودان انابيب النفط وقفل ضخ البترول الامر الذى قد يؤدى الى حرب استنزاف بين البلدين . واصبح الشارع السياسى فى الخرطوموجوبا مكهرب بالتصريحات النارية ، والاجواء الملبدة بالغيوم ، وبات صناع القرار فى البلدين فى حيرة من امرهم ، فى الوقت الذى بروز فى الافق السنت اللهب ، وتصاعدت المخاوف بين المدنيين من احتمال نشوب حرب ، فى ظل التهديدات بدق طبول الحرب . فالسؤال المباشر الذى يتبادر الى ذهن المواطن العادى ، هل ستندلع الحرب مجددا بين الخرطوموجوبا بعد أستقلال الجنوب ، أم أن ما يدور من حرب كلامية وتهديدات من الطرفين هو للاستهلاك السياسي الداخلي ؟. قديما قال الحكماء أن الحرب أولها كلام ، لكن المتابع للتصعيد والخطاب الاعلامى بين الخرطوموجوبا ، يصل الى نقطة واحدة ان الطرفين فقدتا البوصلة ، وان الواقع الراهن ينبئ بعواقب وخيمة قد تقود لحرب ضروس فى المستقبل القريب اذا لم يتم تدارك المواقف بحنكة ودبلوماسية عالية . ولكن السؤال المطروح ، هل الطرفان المؤتمر الوطنى ، والحركة الشعبية لتحرير السودان جاهزان لخوض الحرب بالرغم من التواترات الامنية فى كلتا البلدين ، فمثلا فى السودان الشمالى نجد اطرافه مشدودة بسبب التوترات فى ولايتى النيل الازرق وجنوب كردفان و دارفور ، بجانب الاذمة الاقتصادية التى تلوح فى الافق بين الحين والاخر . فلماذا لم يتدخل العقلاء من المؤتمر الوطنى لكبح جماع الحرب الكلامية حتى لا تنطلق شرارة الحرب و تقضئ على الاخضر واليابس ؟ وهل سينتظر اصحاب المذكرة التصحيحية فى المؤتمر الوطنى ويتفرجوا على الحرب الكلامية لغاية ما يقوم الصقور فى المؤتمر الوطنى بتنفيذ الخطة [ ب ] بحجة ان صبر الحزب الحاكم تجاه دولة الجنوب الوليدة قد بدأ ينفذ ، وانه اذا دعا الداعى فان جوبا ليس ببعيدة ، وان الحكومة لن تقف مكتوفة الايدى .. الراى العام المحلى والاقليمى والعالمى يلاحظ تهديدات الخرطوم باستدعاء كتائب صيف العبور والدبابين وتعبئة القوات المسلحة السودانية استعداد ا لكل الاحتمالات . هذا تؤكد بما لايدع مجالا للشك أن جميع السياسات التى اتبعتها الخرطوم تجاه الجنوب قد فشلت ، بل ارتدت بعضها عليها ليس في شكل تمرد جديد فى جنوب كردفان ، النيل الازرق وإنما في أهم ما تملكه حكومة السودان وهوالنفط الذى يبدو أن الخرطوم لاتزال لا تعترف بأنه نفط جنوبي وأنها تملك فقط 115 ألف برميل تنتجها آبار الشمال يوميًا وهي لا تكفي الاستهلاك المحلي ولذلك فهي تسعى بكل جهدها للاستحواذ على نفط الجنوب تارة بالتهديد بالحرب وتارة بمصادرة النفط الموجود بالأنابيب وتارة ثالثة بمصادرة بواخر محملة .. فالخرطوم كانت تراهن على أن الجنوب لن يجرؤ على إغلاق آبار نفطها بسبب اعتمادها الأساسي على إيرادات النفط باعتبارها لا تملك أي بدائل أخرى خاصة أن الإيرادات السنوية لصادرات نفطها عبر الشمال تبلغ 12 مليار دولار ، ولكن وضح أن خيارات الجنوب في هذه الأزمة كثيرة ومتنوعة ما بين إقليمية ودولية ولذلك مرت الكرة الى ملعب الخرطوم التى لم تجد الدخول في تهديدات علنية ومبطنة خرجت في شكل حرب كلامية . لكن ما زاد الطين بلة حديث سلفاكير فى جوبا امام سفراء الدول الاجانب جاء زى فلق الصبح المبين ، حيث قال: ان قرار ايقاف انتاج النفط هو قرار يتعلق بالسياده للوصول الى الاستقلال الحقيقي ، فلايمكن ان تقول انا بلد مستقل وهناك بلد اخر يتحكم في اقتصادك ، لهذا علينا ان نتحمل بعض الصعوبات لعام واحد فنحن عشنا طوال سنوات الحرب بدون بترول . وفند سلفاكير دواعى اتخاذ قرار اغلاق ابار النفط بان منذ اجاز السودان قرارا في المجلس الوطني باخذ رسوم العبور بشكل عينى انه اتصلت برؤساء دول شرق افريقيا جميعهم وطلبت منهم التحدث للبشير بالتراجع عن هذه الخطوة ولكن البشر نفذ قراره واضطرينا نتخذ هذا القرار لاننا دولة ذات سيادة ولازم نحافظ على ثروتنا ، وستقوم الحكومة ببناء مصفاة للبترول خلال هذا العام بجانب خط الانابيب ليصل الجنوب الى الاستقلال الحقيقي بعد عام . فهل المباحثات المنتظر ان تنطلق اليوم فى اديس ابابا حسب ما تم اعلانها فى وقت سابق قد تزيل فتيل الاذمة بين الخرطوموجوبا ؟ ، هل سيكتب النجاح او الفشل لهذه المباحثات ؟ ، خاصة ان سلفاكير قال ان الاسباب التى ادت الى فشل المحادثات التى جرت في اثيبوبيا فى اواخر يناير الفات يعود الى عدم وجود ضمانات لتنفيذ الاتفاق بين الخرطوموجوبا . دعم سلفاكير قوله : عندما طلب منى الدخول الى غرفة تضم الرؤساء الاربعة الذين كانوا فى انتظارى وجدت البشير وتحدث معه بشكل مرح وبعد قليل قدموا لنا وثيقة الاتفاق ولكننى بعد أن اطلعت عليها طلبت منهم ان تعرض هذا الاتفاق على اللجنة التى توجد بها باقان امون ممثل وفد حكومة الجنوب، وادريس عبدالقادر ممثل حكومة السودان لان هذه المقترحات يجب ان تناقش في هذه اللجنة اولا قبل ان نتخذ فيها قرارا بهدف الوصول الى اتفاق شامل حول ابيي والحدود والمناطق المختلف على تبعيتها حتى لاتحدث مشاكل في المستقبل . . واشار سلفاكير بعد حديث البشير باعلان الحرب ، بانه قامت باستدعاء كل السفراء الاجانب الموجودين في جوبا وقدم لهم تفاصيل كاملة عن الاوضاع وتهديدات البشير لحكومة جنوب مافيهم سفير حكومة البشير فى جوبا . واضاف سلفاكير اذا هم قرروا الحرب سيجدونا امامهم في جودة- على الحدود مع النيل الابيض- وهم حاولوا ذلك من قبل لكنهم فشلوا , وهو لا يستطيع ان ياتى لنا عن طريق الحدود مع النيل الازرق ولا جبال النوبه فمن الافضل للبشير ان يجد حلول لمشاكله في الشمال بدلا من ان يفتح جبهة حرب جديدة مع الجنوب . ونصح الرئيس سلفا كير البشير بتسليم نفسه للمحكمة الجنائية الدوليه ليدافع عن نفسه بدلا من ان يدخل بلده في مشاكل مع المجتمع الدولى ، بقوله :[ انا زرت مقر المحكمة واطلعت على نظام عملها كما شاهدت مركز الاعتقال فهو مكان جيد به تلفزيون وباسكت بول ومكتبة ] . من المهم أن يدرك الخرطوم أن المجتمع الدولي الضامن لاتفاقية نيفاشا لن يسمح بحرب جديدة بين الشمال والجنوب و الدليل على ذلك أن وزارة الدفاع الامريكية البنتاجون اعلنت بانها ستحرك قاعدة عسكرية عائمة على البحر الاحمر فى المنطقة الجنوبى للسودان ومصر بهدف تأمين تصدير النفط ومكافحة الارهاب على مداخل اليمن . فالمراقب السياسى الحصيف يستطيع استنتاج ما بين السطور فى تصريحات وزيرالخارجية السودانى على كرتى القائل : ان تدخل امريكا فى الازمة الحالية بين الخرطوموجوبا من المتوقع تكون بصورة كبيرة ، خاصة أن الأزمة ستكون محل مزايدات سياسية في سوق المنافسة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وأن واشنطن التى هي أصلاً لديها شكوك ومخاوف من الخرطوم ستقود المجتمع الدولي للتدخل بحجة وقف الحرب ، وأن مساع امريكيا الحالية بخصوص ما طرحته من جهود لإغاثة المتأثرين بالحرب في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ما هو إلا البداية للتدخل في ساحتي الخرطوموجوبا. فالجنوب ليس مثل دارفور وأمريكا التى سمحت للمجتمع الدولي بالاعتراف بالانتخابات السودانية من أجل عيون دولة الجنوب لن تسمح للخرطوم بغزو جوبا أو احتلال آبار نفط الجنوب، فأزمة النفط الحالية أكبر من الطرفين وما الصمت الصيني تجاهها إلا دليل على ذلك وعلى صعيد آخر تقدم تحالف دولى لمنظمات حقوق الانسان بمذكرة الى مجلس الامن الدولى عبر سفيرة الولاياتالمتحدة لدى الاممالمتحدة سوزان رايس بطالب فيه بالضغط على حكومة الخرطوم فى حربها ضد متمردي "الحركة الشعبية لتحرير السودان- الشمالية" فى ولاية جنوب كردفان وولاية جنوب النيل الأزرق بوقف مهاجمة المدنيين وقذفت التجمعات السكانية بالقنابل واستخدمت التجويع كسلاح من أسلحتها الفتاكة، فى اشارة الى ان نتيجة هذا التصرفات ادت الى تدهور الأوضاع الانسانية الذي قد يؤدي الى المجاعة فى الشهور القلية القادمة. هذا الكلام يتطابق مع تقرير شبكة نظام الانذار المبكر ضد المجاعة الذى يشير الى أن الأوضاع فى الولايتين من المتوقع أن تصل الي مستوى حالة الطوارئ بحلول شهر مارس القادم. وهذا هو المستوي الأول من المجاعة ، فإن الرئيس البشير المطلوب بواسطة المحكمة الجنائية الدولية لجرائم الابادة فى دارفور هو المسئول عن ما يجري فى الولايتين، ونحن لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي والناس يموتون بسبب المجاعة والمرض نتيجة للكوارث التي صنعها البشير . وخلاصة القول يبدو أن الخرطوم لا تريد أن تبدأ حرباً مفتوحة مع الجنوب لتجنب مواجهة مع المجتمع الدولي، لكنها ستلجأ إلى استخدام «أوراق ضغط» في يدها من أجل توجيه رسائل قوية إلى الجنوب. وأبرز هذه الأوراق دعم الميليشيات الجنوبية المتمردة على حكومة جوبا بهدف تهديد حكم سلفاكير، وكذلك طرد مئات الآلاف من الجنوبيين المقيمين في الشمال، وخنق نصف ولايات الجنوب المتاخمة للشمال اقتصادياً كونها تعتمد على الشمال في الغذاء والدواء والمحروقات .. المراقبون يقولون من يبدأ الحرب ستحرق يدها قبل أن تحرق أيدي الآخرين. غير أن كلتا الدولتين لم يكشفا ما هي أوراق الضغط في ايديهما . فهل التوترات والتجاذبات التهديدات بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم ودولة الجنوب الوليدة وتململ وسط الاسلاميين والمعارضة التي تهدد بثورة لإطاحة نظام الحكم فى الخرطوم قد تكون بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير ؟ . ما من شك أن مسارعة الحكومة إلى المبادرة بإتخاذ خطوة بإتجاه تخفيف موقفها بشأن دور دولي في عمليات الإغاثة الإنسانية بعد أيام قليلة من تواتر التصريحات المهددة من قبل مسؤولين أمريكيين تشير إلى أنها بدأت تستشعر خطورة جدية من توجه واشنطن لتنفيذ تدخل فعلي, خاصة وأنه سبق التصريحات المعلنة أن الإدارة الأمريكية أرسلت ما يشبه التحذير إلى الخرطوم عبر إنذار صريح أبلغته مباشرة إلى شخصية قريبة من دوائر الحكم في السودان. ولكن السؤال المطروح ، إلى اى مدى ستسهم الإجراءات التي أعلنتها الخرطوم في نزع فتيل الأزمة؟. من الصعب تصور أن تكون الخطوة السودانية كافية لإثناء واشنطن عن المضي قدماً في ما اعتزمته, فهذه الإجراءات وإن بدت ظاهرياً تراجعاً عن موقف الخرطوم الرافض لعمليات إنسانية في الولايتين بعيداً عن إشرافها المباشر, إلا أنها في الواقع لم تنتقل إلى مربع جديد تماماً إذ لا تزال تطالب وفق (الموجهات الخاصة) أن يتم تنفيذ عمليات الإغاثة عبر مفوضية العون الإنساني, وهو أمر لا يلبي المطالب الأمريكية وستعتبر ذلك من نوع المناورات والمماطلات التي ظلت تتهم الخرطوم بانتهاجها, وبالتالي فمن غير المتوقع أن تأخذ الخطوة السودانية باعتبارها إجراءات جدية كافية تجعلها تصرف النظر عن المضي قدماً في إتجاه التدخل المباشر .. المثل بقول النار بتحرق الواطيها ، الحكومة السودانية قد تقع في خطأ كبير إن ظنت أن بوسعها تلافي حدوث تدخل دولي بإتخاذ بضعة إجراءات تكتيكية على خلفية تطورات الأوضاع في ولايتي جنوب كردفان, والنيل الأزرق. إذ ليس مهماً الدفوعات التي ترفعها في مواجهة المطالب بالتدخل بقدر أهمية وجاهة المبررات في نظر القوى الفاعلة في الساحة الدولية. ومن المفترض أن التجربة الذاتية لنظام الحكم الحالي كافية لإدراك قواعد لعبة التدخل الدولي, فقد ظلت الخرطوم تمارس حالة إنكار إزاء أزمة تطورات أزمة دارفور, فقد مارست التهوين من شأن ما جرى, وعندما حاولت التعاطي مع الضغوط الدولية بمناورات شراء الوقت لم يسعفها ذلك في دفع عواقبه الوخيمة .. فالتدخل العسكري الدولي المباشر حدث من أوسع أبوابه فالعملية التي كان مقدراً لها أن تكون إفريقية خالصة من باب أن ضرر التدخل الإقليمي أخف وطأة من التدخل الدولي تحولت بامتياز إلى عملية دولية كاملة تحت عهدة الأممالمتحدة وإن ارتدت مسوحاً إقليمية لم تغير من جوهر طبيعتها, فقرار دور وتفويض قوات اليوناميد بات بيد مجلس الأمن الدولي, ولا أحد يعرف على وجه التحديد حدود التفويض وأجل بقاء هذه القوات الأممية التي تعد واحدة من أكبر عمليات حفظ السلام التي تقودها المنظمة الدولية . ورأينا كيف أن الخرطوم حاولت مقاومة قرار تمديد أجل مهمة يوناميد فى دارفور دون أن تفلح وقد ذهبت اعتراضاتها إدراج الرياح, كما أن مطالبها بتخفيض حجم القوات أيضاً لا يجد آذاناً ضاغية في مجلس الأمن . صحيح أن الخرطوم نجحت في التعايش والتطبيع مع الوجود الدولي وتدخلاته غير المسبوقة في السودان غير أن ذلك يأتي بالطبع على حساب موقفها الأخلاقي من شعاراتها الداعية لاستقلال القرار, وخصماً على إدعاءات المحافظة على السيادة الوطنية, فإن كان ذلك ممكناً في السابق بغير تكلفة باهظة تكلف الحكم سيطرته على السلطة فقد كان لأسباب وقتية ارتبطت بمعادلات ورغبة المجتمع الدولي في تمرير عملية السلام وضمان تقسيم السودان, وتحقيق استقلال الجنوب بدون عوائق, أما الآن فقد تغيرت قواعد اللعبة ولم تعد تلك المعادلة التي حققت حماية وقتية للحكم في الخرطوم سارية بعد انفصال الجنوب .