أريقت مدادا كثيرة في شان محاربة الفساد ، هذا الفساد الذى أصبح دولة داخل دولة لها منفذوها وقادتها وشرطتها وهلمجرا..... ما عاد الفساد في هذه البلاد يخفي نفسه بل يخرج لسانه ساخراً ويتحدي الجميع وذهبت الحكومة تتحدث عنها باستحياء مخففة من وطأتها وتأثيرها ، بل ذهبت الحكومة تطالب الناس بتقديم الأدلة علي الفساد وبالفعل تقدم الناس مباشرة وعبر الصحف وكل وسائط الاتصال علي تقديم الأدلة القاطعة علي الفساد المؤسس والممنهج ومن قمة السلطة والمؤسسات ، فاضطرت الحكومة علي استحداث آلية لمحاربة الفساد ( مفوضية محاربة الفساد) ولا ندري أن كانت هذه المفوضية التابعة لرئاسة الجمهورية قد أكملت استعداداتها وتسلحت بكل الأسلحة الثقيلة والخفيفة لخوض معركتها مع الفساد وأغلب الظن أن هذه المفوضية سوف تعجز عن مواجهة خيل الفساد فضلاً عن هزيمته ، ولان الفساد يتحدي الجميع فقد أطل برأسه في مؤسسة يفترض أنها معنية بالدرجة الأولي في محاربة الفساد وهي وزارة العدل ، فقضية المستشار مدحت أثارت كثير من اللغط فسارعت الوزارة إلي تكوين لجنة للتحقيق من داخل الوزارة ولم تحالف الوزارة الحظ في تكوين هذه اللجنة والتي جاءت مخالفة لا بسط قواعد التحقيق وفقاً لقانون التحقيق وهي أن يكون رئيس اللجنة أعلي درجة من المطلوب التحقيق معه وكان هذا مثار دهشة لا سيما أن وزارة العدل مثقلة بالكوادر والمؤهلات ثم ما لبثت القضية أن تدحرجت نحو القضائية بناءاً علي طلب السيد/وزير العدل في ظاهرة قليلة الحدوث فالتقط السيد رئيس القضاء القفاز مكوناً لجنة من قضاة المحكمة العليا للتحقيق مع المستشار مدحت ، وفي رأينا المتواضع أن هذا التصرف من السلطة القضائية ليس له سند في القانون (قانون الهيئة القضائية لسنة 1986م ) فكان علي القضائية أن تنأى بنفسها عن هذا الامر تماما , مع أن وزارة العدل أستخدمت قانون تنظيم وزارة العدل لسنة 1983م والذى أجاز لوزير العدل الاستعانة بالخبرة القانونية من خارج الوزارة متى ما رأي ذلك ضرورياً فلم تجد الوزارة الا القضائية ، علي أية حال توصلت لجنة القضائية إلي أن المستشار مدحت لم يرتكب ما يوجب مساءلته جنائياً فقط هنالك تجاوزات أدارية ومخالفات للوائح وبهذه الخلاصة انتهي الفصل الاول من هذه القضية مخلفة تساؤلات كثيرة ، العجيب الغريب أن براءة هذا المستشار الهمام من الاهمية بمكان بحيث تطلب أن يعقد السيد وزير العدل مؤتمراً صحفياً لإعلان براءة المستشار مدحت ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أن منتسبي الوزارة تظاهروا أبتهاجا ببراءة المستشار مدحت وقاموا بتوزيع الحلوى ( حقا الاختشوا ماتوا ). هذه الدراما ألقت بظلال كثيفة علي مقدرة ورغبة المؤسسات العدلية في محاربة الفساد ، السلطة القضائية حشرت نفسها في أمر لا يعنيها ، ماذا لو قدم هذا المستشار للمحاكمة ووصلت القضية الي المحكمة العليا بالطعن ووضعت الأوراق أمام ذات القضاة الذين حققوا مع المستشار وتوصلوا إلي براءته من أي تهمة جنائية !! علماً بأن هنالك تهمة في مواجهة المستشار بإقدامه علي إدخال اسمه ضمن قائمة القضاة المرشحون للحج باعتباره قاضياً!!! أما وقائع الفصل الثاني فقد بدأ بقرار وزير العدل إحالة المستشار للمحاسبة وتبع ذلك إيقافه عن مباشرة عمله إلي حين الانتهاء من التحقيق معه ، نحن نتوقع في الفصل الثالث أن يقدم المستشار استقالته لتحفظ الأوراق هذا يحفظ له ماء الوجه أن بقي شئ منه . أما قضية الأقطان فحدث و لا حرج تطاول الفساد في تلك الشركة علي مدى عشرين عاماً وهي تحت قيادة الربان الماهر (د.محمد علي عابدين) وهذا وحده يثبت أن التطاول في الوظيفة مدعاة للفساد ، تفاصيل هذه المسألة أصبحت متاحة للناس عبر صحيفة التيار ولكن الذي يحتاج إلي إضاءة هي التدابير التي اتخذت حيال هذه المسألة ، كل الذي رشح حتى الآن أن كبار الضالعين في هذه القضية رهن الاعتقال لدى جهاز الأمن الوطني ؟ ولم يفتح أي إجراءات أمام الجهات المختصة (النيابة – الشرطة) لماذا تدخل الجهاز في هذه المرحلة !! ولماذا لم تحول الأوراق إلي النيابة المختصة (نيابة المال العام) أين وزارة العدل والتي تطالب بتمليكها أي وثائق تشير إلي وجود الفساد ، فمستندات هذه الشركة منشورة علي الملأ فلماذا تراخت الوزارة في التدخل وهي المعنية عبر نيابتها المتخصصة في موالاة السير في الإجراءات هذه القضية تمثل واحدة من العناوين الرئيسية لاستشراء الفساد في مؤسسات الدولة لا سيما أن هذه الشركة مرتبطة باهم قطاع في البلاد ، قطاع الزراعة ومدخلاتها ، فكل المجهودات التي بذلت للنهوض بالزراعة تكسرت عند هذه الشركة فشلت النفرة الخضراء وتبعتها نفرات أخرى (النهضة الزراعية) ذهبت سدى ، هذه القضية طازة فلماذا لجأت السلطة إلي دهاليز الأمن التي لا يعلم كنها أحد من العالمين حتى القرارات الإدارية التي تبعت هذه القضية جاءت فطيرة ومتضاربة وزير الزراعة المعني مسئولية أصدر قرار عبر مجلس إدارة الشركة تعيين شخص مديراً مكلفاً ، وما لبث أن أصدر السيد/ رئيس الجمهورية قراراً بحل مجلس الإدارة وإلغاء قرار وزير الزراعة وتعيين مدير آخر للشركة ، كان الظن أن تقدم الجهة المختصة غلي تكويين لجنة تحقيق أدارية لكل أعمال الشركة خلال إدارة المدير (عابدين) وهذه اللجنة تكون معنية بإدارة الشركة خلال فترة التحقيق وذلك بغرض الوقوف علي كل التجاوزات التي تمت داخل الشركة والجهات الخارجية التي تعاملت معها الشركة والشخصيات العامة التي ساعدت الشركة وأعانتها في ارتكاب الجرائم. والسؤال الذي يطرح نفسه أين الآلية التي كونت لمحاربة الفساد من هذا الأمر لا سيما أن رئيسها قد ورد اسمه ضمن قائمة من تراخوا في التعامل مع تجاوزات هذه الشركة الأمر كله يحتاج إلي شفافية وإلي الإجراءات السليمة التي حتما سوف تساعد في الحد من الفساد الممنهج في المؤسسات العامة ... نخشي أن تتم معالجات خارج الاطر القانونية أعمالاً لفقه السترة