فى صحف الخرطوم هذه الايام طفح على السطح مصطلح ما يسمى بالتضامن النيلى الذى هو امتداد طبيعى لما سبقه من مصطلحات اخرى كالتجمع العربى و دولة الزغاوة الكبرى و التى عمقت من الجراحات بين مكونات الشعب السودانى المتعددة و رفعت من وتيرة النزعات العرقية والعنصرية ما ادى الى تفسير كل الظواهر فى الحراك السياسى من منطلقات اثنية و جهوية وهذا بدوره افقد الانسان فى بلاد السودان النزعة القومية والوطنية , لا يعلم كثير من الكتاب و الصحفيين خطورة ما يتناولونه من قضايا و ما يسببه تناولهم هذا من تأثير سالب على مجريات الاحداث , لقد ذهب كاتب المقال الى ان تضامن النيليين هو الاصلب والاقوى والذى تتكسر عليه اى صخرة قادمة من اطراف السودان و من بيوتات السودان الدينية والصوفية و قد ضرب من طرح هذه الفكرة مثالين للذين لم يستطيعا المضى قدما فى حكم السودان بسبب صلابة هذا التضامن وكان المثالان هما الدكتور حسن الترابى و الصادق المهدى امام الانصار ورئيس حزب الامة , ان من اهم الوقائع التى يشهد بها التاريخ السودانى والتى تؤكد مساهمة كل حضارات وممالك السودان القديم فى تأسيس نواة ما يسمى بالسودان اليوم و كان الانصهار الذى شاركت فيه كل اثنيات الجهات الاربع من السودان شرق وغرب و شمال وجنوب و حتى الانسان النيلى الذى هو عبارة عن خلطة من هذه الجهات بل من جهة خامسة وهى القادمون عبر مجرى نهر النيل لاستعمار السودان , هذا الحديث ينطبق على الذين يطالبون بالدولة الاثنية والجهوية ومنهم كما اسلفنا الباحثين عن مجد تأسيس الامبراطورية الكبرى للزغاوة و المنادين بتجمع عربى صرف لا يعترف بالسكان المحليين لغرب السودان والمتضامنون نيلياً , ان كل هذه الدعاوى هى دعاوى جاهلية لا تخدم عيش الناس فى ظل وطن واحد يستشعرون فيه انتمائهم دونما احساس بتهميش ولا شعور بدونية . ان من ارادوا ان يروجوا لهذه الفكرة من خلال صحف الداخل السودانى التى هى المصدر الاقرب لانسان الداخل لاستقاء المعلومة يعملون على اشاعة فكرة تمجد مجموعة سكانية دون اخرى و تسوق لمفهوم صفوية النيليين و هذا سوف يعمل على تعميق الهوة بينهم و المكونات الاخرى التى سوف يؤول بها المآل الى ان تطالب بحقها فى تقرير مصيرها لانها سوف لن تقبل بالعيش مع اخوة لها لا يريدون لها التمتع بذاتيتها و خصوصيتها و حقها فى ان تكون مختلفة فى اللون والشكل واللهجة , ان التعامل مع قضايا سكان السودان بهذه النظرة الاقصائية و الاستعلائية لن يجدى المتضامنين نيلياً لان تضامنهم هذا لن تكون له جدوى لو ان جهات القطر الثلاث الاخرى خلقت لها تضامنات على ذات النسق و سوف لن يساوى التضامن النيلى جناح بعوضة باهمال كل من كردفان ودارفور وشرق السودان , لقد فقد السودان الشمالى شقيقه الجنوبى نتيجة لتجذر فكرة التضامن ضد الاخر , حيث انه لا توجد اى ضرورة لوجود فوبيا الخطر القادم من أى من بنى جلدتنا , لماذا يتضامن النيليون ضد مكونات السودان الاخرى ؟ ما هى الحكمة من وراء هذا التحالف ؟ وهل من يتحالفون ضدهم هم اناس قادمون من خارج اطار الوطن و يريدون ذبحنا و قتلنا و تحقيق احلامهم من فوق اجسادنا ؟ لا اظن ان هذا هو المهدد الذى يجعلنا نخاف من بنى وطننا اوان نصل الى هذه المرحلة من كراهية بعضنا بعضا و لا يمكن لاى عاقل كان ان يقول بمثل هذا الحديث , ان هذه التحالفات التى طرأت على ساحة العمل العام ما هى الا واجهات واجندات لجهات لا علاقة لها بمستقبل البلاد ولا رفاهية شعبها لان مستقبل هذا الشعب رهين بتكتله مع بعضه بعضا وتضامنه مع مكوناته الزنجية والعربية وثقافاته الكثيرة والغنية و المميزة والمعبرة عن تفرده و المحفزة له لريادة الشعوب العربية والافريقية , يجب علينا ان لا ننساق وراء كتابات اصحاب الغرض لاننا سودانيون اجمعين لا فرق بين شرقاوى و غرباوى ولا بين نيلى شمالى و نيلى جنوبى , اذا كنا نطلق كلمة ابن النيل ربطاً لعلاقتنا باخواننا الفراعنة الذين يجمعنا بهم النيل العظيم لماذا نستخسر ربط اخوتنا من منابع النيل بذات العلاقة ؟ من ما يحزن له ان هذه المصطلحات المكرسة للعنصرية و الكراهية جائت مع مجئ الحكم الاسلامى فى السودان , وهذا يجعل المرأ فى حيرة من امره !! هل جاء هؤلاء الاسلاميين لتغطية اجندة بنى صهيون حتى يخلقوا جفوة بين المسلم و عقيدته و قيمه التى تحرم العنصرية والقبلية والجهوية و التصنيف على اساس الانتماء الجغرافى سواء كانت هذه الجغرافيا نيل يجرى فى مساحات طويلة كنيلنا هذا ام سهول مترامية الاطراف ومكتسية بالمراعى و الخيران و الاشجار الكثيفة كغربنا وشرقنا , انها دعوة الجاهلية فلا تعيروها انتباها و يكفينا يقينا ما قاله الله جل وعلا : (انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ). صدق سبحانه , فبأى حديث بعد منطوق هذه الاية الكريمة والواضحة الدلالة تجادلون فى هذا نيلى وهذا جبلى , فاليضيق الناس على كتابات من جندوا اقلامهم للفتنة العرقية و الاختلافات الجهوية بالردود الدينية التى لا تؤسس لمنطق هزيل يجعل الناس يدورون فى فلك الشيطان الذى هو لهم عدو مبين , لقد قالها رسولكم الصادق الامين (دعوها فانها منتنة) أى القبلية و التفاخر بالانساب , فلا يجدى اى تضامن او تحالف ما لم يكن من اجل تحقيق القيم السامية و محاربة المثبطات و موروثات الجاهلية. اسماعيل عبد الله [email protected]