بسم الله الرحمن الرحيم http://www.tewfikmansour.net قبل أيام حضرت يوماً تعريفياً نظمته شركة (سي تي سي) وجهات أخرى عن زراعة الطماطم بواسطة شتول يتم إنباتها في بيوت محمية، ومن ثم يمكن زراعتها حقلياً أو في بيوت محمية .. هذا وقد شمل النقاش البذور المحسنة أجنبية كانت أم محلية، وارتفعت بعض الأصوات الواعية لتؤكد على أهمية إنتاج بذورنا المحسنة محلياً، والترويج لها، بدلاً من المستوردة ذات الأبعاد الخطيرة . ولأن الموضوع قد أثارني وأنا الزراعي القديم والمزارع بعد المعاش، رأيت أن أكتب بعض السطور المفزعة عن البذور المستوردة لعلني أخيف متخذي القرار في هذا الشأن حتى تسلك قراراتهم الآنية والمستقبلية الطريق الصحيح كي لا تندم أجيالنا القادمة فتلعننا !!.. زمان على سبيل المثال كنا نأكل (بطيخاً) ممتازاً من تقاوينا الطبيعية .. ثم أتانا شيطان التقاوي المستوردة، ففقدنا تقاوينا الأصلية واتجهنا لل(شارلستون) و(الروثمان) الذي تُزرع تقاويه لمرة واحدة فقط !! .. العلبة كانت غالية، أي بخمسين جنيهاً .. بعض مُزارعينا حاولوا أن يجمعوا التقاوي من نتاج المستورد، حتى يوفروا على أنفسهم الخمسين جنيهاً، فكانت الطامة الأكبر حيث كان المحصول شبيهاً بالروثمان والشارلستون شكلاً ولكن خصائص البطيخة من الداخل اختلفت (بيضا قرعة ومسيخه) .. بعدها وجد المزارع نفسه في وضع حرج، فإما الاعتماد دوماً على التقاوي المستوردة غالية الثمن، أو اللجوء للغش أي استعمال تقاوي يجمعها من المستورد الذي يقود لبطيخ غير مرغوب !. وفقدنا للأبد بطيخنا الحلو المذاق والصحي والطبيعي وفقدنا للأبد تقاويه .. وهكذا الأمر لمحاصيل أخرى !!. بخصوص مصيبة البذور المحسنة المستوردة، انعقدت العديد من المؤتمرات، وألفت عدة مجلدات، تناولت جميعها أبعادها المرعبة اقتصادياً وصحياً .. والجميع أجمعوا على خطورتها، الأمر الذي جعل البعض على مستوى القارة الأفريقية وفي مؤتمرات رسمية ينادي بحظر دخولها لإفريقيا . وذهبت بعض الدول لأبعد من ذلك مثل زامبيا التي منعت دخولها لأراضيها بشكل قاطع ورسمي رغم ضغوط أصحاب المصالح .. هذا وقد عانى المغرب الشقيق من تقاوي بطاطس كانت مصابة بأمراض تؤثر على الجلد ومصابة بالذبابة البيضاء، واخذ الأمر زهاء الثلاث سنوات لإصلاح الأمر .. يقول (خوزيه ألميدا) مدير صحيفة (المياه الخضراء) البرازيلية، نحن لسنا ضد العلم والتطور، ولكننا ضد توظيفهما لأغراض خبيثة تضر بالإنسانية والعالم الفقير .. البذور المحسنة المستوردة تطورت صناعتها، وتعددت أهدافها، واحتكرتها الدول المتقدمة، فشكلت استعماراً واحتكاراً من نوعٍ خطيرٍ لشعوب العالم النامي الذي انقرضت تقاويه الطبيعية بعد انجرافه نحو المستورد .. وأمر وفنيات المستوردة معقد، ويكفي بأن إجراءات خطواتها تتم في سرية تامة، وتراقبها ثلاثة أقمار اصطناعية !. هذا وأنها لا شك تشكل قرصنة اقتصادية وتقنية، تدفعنا كدول نامية إلى أن نتخلى عن بذورنا الأصلية أو تطويرها ونعتمد على المستوردة !.. احد خبراء الدراسات الإستراتيجية يشير إلى أن احتكار البذور المحسنة يطال الأرض والنبات والهواء والإنسان والحيوان، أي المحيط بكل أبعاده، وأن البذور المحسنة تمثل مفارقة خطيرة بكل المقاييس، تهدف إلى تدمير القاعدة الغذائية في دول العالم النامي .. وهناك علامات استفهام خطيرة على البذور المحسنة المعدلة جينياً والتي تدخل في بعضها جينات حيوانية، وربما جينات خنزير والشرح يطول !!. فهذه لا تُنتج عن طريق الانتخاب ولكن بإدخال جينات حيوانية أو إنزيمات معينة لأجل مقاومة الأملاح أو درجات الحرارة العالية أو المنخفضة، وذلك ربما يقود للعقم والسرطانات، لان التركيب الجيني أو الوراثي يترتب عليه إفراز النبات لهرمونات تقود لأمراض خطيرة، وربما نواجَه مستقبلا بأمراض مستحدثة خطيرة، وليس ببعيد منا جنون البقر والانفلونزات المختلفة من طيور وخنزير ..! ويستشهد احد خبراء (الفاو) بأمر خطير، تمثل في شراء شركات المبيدات والأسمدة العالمية لستمائة (600) شركة تنتج البذور المحسنة، وذلك للانفراد بوضع (فترة صلاحيات محددة) لكيماوياتهم تتماشى مع استعمال البذور المحسنة لمرة واحدة وتنتهي صلاحيات المبيدات في فترة وجيزة حتى تكثر مبيعاتهم !. أخيراً ندق ناقوس الخطر ونقول بأنه آن الأوان للانتباه الكامل (فعلاً وليس قولاً) لبذورنا الطبيعية، وأن نعمل على تطويرها وانتخابها من خلال محطات وأجهزة وأبحاث إكثار بذورنا، وأن ندعم تلك الأجهزة، وأن نعمل على تطوير كوادرها، لأننا إن لم ننتج بذورنا ونحتفظ بأصولها فالكارثة قادمة لا محالة .. هناك حقيقة فرق كبير ومخيف ما بين البذور التي تنتجها مراكز بحوثنا وتلك التي نستوردها والمعدلة وراثيا والتي تستعمل لمرة واحدة ويتم هندستها لصالح المنتج الأجنبي من حيث الاحتكار والربح الكبير، وآثارها قد تشمل صحة الإنسان والحيوان وغلاء الأسعار، وأن بعضها به كيماويات ممنوع استعمالها في حقول الدول المنتجة لها !. هذا وكخاتمة أشير لتصريح الدكتور عبد الرحمن عثمان الأمين العام لاتحاد المهندسين الزراعيين الأفارقة والذي أشار فيه في احد المؤتمرات الخاصة بالبذور المحسنة إلى أن احد علمائنا سبق أن أنتج نوعاً من الذرة ذات إنتاجية عالية ما زالت تؤدي اللازم في السودان وإثيوبيا واريتريا .. كذلك أشير إلى أن أجهزة أبحاثنا سبق أن أنتجت بذوراً ناجحة في مجال الطماطم، ولكننا عندما نذهب لشرائها نجدها غير متوفرة لدى تجار البذور الذين يحتفظون دوماً بعلب الطماطم الأجنبية ذات الألوان الجميلة والأسعار الرهيبة والأبعاد الخطيرة .. توفيق عبد الرحيم منصور (أبو مي) http://www.tewfikmansour.net