[email protected] لم يجف دمع رحيل الفنان القامة محمد وردي عن هذه الدنيا، ولم يتثنى لنا أن نفوق من الصدمة التي تسبب رحيله في إدخالنا فيها، حتى فجعت البلاد اليوم 20/3/2012م برحيل أحد أضخم الشعراء معنى ورمزية في تاريخ السودان الحديث، إثر حادث حركة أليم بشارع شريان الشمال، فلقد رحل الشاعر محمد الحسن سالم " حميد" عن دنيانا في يوم أسود على أهل السودان، الذين قدر لهم أن يواجهوا الصدمات بالصبر وحسن العزاء. وبرحيله أنكسر "مرق" الشعر السوداني الأصيل. رحل حميد" دخري الحوبة"، ومازال يحلم كالطفل الرضيع ببناء هذا الوطن الشامخ الذي ظل حاضراً في كل تفاصيل حياته التي وهبها إلى هذا العنوان " السودان الوطن الواحد"، عاش هذا العنوان أو العبارة السابقة بكل صدق وعنفوان، ظل شاهراً سلاح الشعر في وجه كل متربص بتراب هذا الوطن الجميل، عاش حياة الكفاف، إنحدر من أرض الشمال الحبيبة وتشبع بتراثها العميق لينطلق مها إلى كل السودان، وتوسد قلوب الملايين شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً، جمع بين كل أهل السودان ولم يُفرق... ساوى بين الناس، ظل حاضراً في كل المناسبات الوطنية، محتفلاً مع الناس بالداخل والخارج، شاعراً فذاً عميق الكلمات والعبارات.. كيف لا وهو " حميد السودان".. عاش الفقيد مناضلاً جسوراً غير هياب في قول كلمة الحق في وجه الجائرين. أزدانت عباراته بعشق تراب هذا الوطن، فحبب الله فيه الناس جميعاً .. رحيله فاجعة ليس فقط لأبناء جنسه من الشعراء والأدباء، بل لكل سوداني أصيل عاصر تجربته الثرة التي أثجلت صدور الكادحين والمناضلين. لكل الكتابة في مثل هذه المناسبات لا توازي صعود روحه الطاهر إلى الرفيق الأعلى ومغزى الفقد الجلل ولا توازي أيضاً ما قدمه "حميد" من تجربة ثرة جديرة بالوقوف أمامها وإلقاء " تعظيم سلام" على ما أنتجته من أشعار ظلت في وجداناً علماً ونبراساً وهادياً لطريق الملايين من الناس، الذين يعشقون هذه اللونية التي تفرد بها الفقيد .. وأذكر بأننا حينما كانا طلاباً بالجامعة كانت قصائده عصير وفاكهة منابر نقاشنا السياسية، فلونيته وأشعاره كانت تجذب الكثيرين من طلاب الجامعات، فضلاً عن أنها عطاء ثراً ورصيداً نضالياً للحركة الطلابية السودانية التي ظل الفقيد ملازماً لها في مناسباتها الطلابية والوطنية والقومية. حميد وغيره ممن رحلوا عن دنيانا الفانيه سطروا بمداد من نور تاريخاً وتراث شعرياً ضخماً وإضافة نوعية للشعر والكلمة ونموها وتطورها، وأصبحوا مقاييس وعناوين يسعى كل سالك لهذا الدرب إلى أن ينهل من هذا النهر العذب الخالد. فمحمد الحسن سالم حميد ليس بالإنسان العادي و فقده ورحيله المفاجئ، شكل صدمة كبيرة للشعر السوداني سيما الوطني أو النضالي، وكذا للشعب السوداني الذي ظل الفقيد يتربع صدره دون منافس، كيف لا وهو الإنسان الذي يسحرك بجمال كلماته وجميل تعابيره. لعل الأسى والحسرة ومرارة الفقد هي سيد الموقف في لحظات الكتابة عن من فأجئنا رحيلهم والبلاد تودع أحد رموزها التاريخيين، فقد قدر لقبيلة المبدعين في السودان أن تواري الثرى في كل برهة وساعة أحد الذين سكنت أرواحهم وجدان هذا الشعب، متوجهين إلى المولى عز وجل بأن يتقلبه في الدار الأخر وأن يلهم الناس الصبر السلوان في مصابهم الجلل، ولعلها وحدها سنة الحياة، أن الموت هو القدر المحبب لبني الإنسان، فالعين دائماً تدمع والقلب يحزن ولكن إرادة الله هي الغالبة ونعم المصير. وأخيراً أقتبس هذه الكلمات من الراحل : قَدْر اليشيلو الشيلة في لكِن ظروفن هل تفي ؟ تحتاج جماعة من الرجال الليها كنت براك تقل دارت قبيلة من الحبال الكان يقيله فرد حبل ... الخوف قلوبنا التشتهيك .. تنشك في ذاته وتنقفل من بعد ما اتوحدنا فيك ننفك قبائل وتنكتل