فى الاتفاق الاخير الذى تم بين الحزبين الكبيرين و تحالف الجبهة الثورية المعارض يرى المرأ من خلاله فوضوية هذين الحزبين فى تعاملهما مع القوى السياسية و تناولهما لتطورات ما يستجد على ساحة الحراك السياسى , وهذه الفوضوية يعكسها التناقض الواضح بين ما اقدما عليه من مشاركة صريحة للمؤتمر الوطنى فى الحكم بموقعين فى مؤسسة الرئاسة اختارا لهما ابنى السيدين , ان مواقف كل من حزب الامة و الاتحادى قيادة الميرغنى شابها التردد وعدم الوضوح فى الرؤية , لقد استطاع الحزب الحاكم ان يروض قيادتى هذين الحزبين الى درجة انهما اصبحا لا يؤثران على مجريات الامور فى ساحة العمل المعارض بشكل جاد و باتفاقهما مع الجبهة الثورية لا اظن ان الاخيرة ستكسب من هذه الديناصورات شئ لانها عاشت حالة بيات شتوى و صيفى مدة طويلة و لم تستطع تجديد الدماء فى عروقها و لم تتمكن من نقل ممارستها التنظيمية لكى تواكب تطلعات اجيالنا المعاصرة , ينطبق على هذه الخطوة التى قام بها ممثلوا الحزبين فى التوقيع على هذا الاتفاق المثل الدارفورى القائل: (جقلو ولا مشى اورجا) بمعنى الارض غير المستوية والتى بها مطبات لا يستطيع الاعرج السير عليها والاعرج هنا يمثل هذه الاهرامات التى لا تصلح الا ان توضع فى متحف للآثار لتحكى عن حقب مضت من حقب التخلف و اهمال الوطن حتى آل الى ما آل اليه اليوم , وايضاً هذا الالتقاء يضع الجبهة الثورية فى حرج امام عين المراقب المهمش الداعم و المساند لها لانه سيصاب بضبابية فى الرؤية عندما يرى ابن الامام الصادق ساعداً ايمناً للرئيس و فى ذات الوقت يقوم الامام بممارسة الهرولة نحو التنظيم الهادف الى تغيير النظام الذى شارك فيه مشاركة فاعلة و زج بنجله فى قمة الهرم الادارى لذات النظام , ان تحديات الانسان المهمش والمقصى فى اطراف البلاد لا يستطيع ورثة الحكم المرتكز على اكتاف ابائه وجدوده ان يقدموا له الضماد الشافى للجراح التى انهكته , لن يجدى هذا المهمش ما يدلى به حفيد المهدى ولا حفيد التعائشى الذى عاش فى كنف مدينة امدرمان البعيدة عن ام دافوق والجنينة بيئياً و اجتماعياً فهذا الابن المدلل لا يعرف عن مياه الحفائر شئ وكيف ان فى بعض المناطق فى دارفور تشرب البهائم والانسان من ذات مياه الحفيرة , ان الفوارق الاجتماعية التى احدثها غياب التنمية المتوازنة هو واحد من اسباب التهميش وعنصر اساسى فى تبنى انسان الهامش مبدأ ان يحك جلده بظفره وان لا يثق فى الاظافر اللينة والهينة التى تدللت بالمسوحات المرطبة للبشرة. فى حوار مع احد الاصدقاء حول هذه الخطوة التى خطاها الحزبان الاشيبان سألته ما هو وصفك لمثل هذه الخطوة فقال لى ان ادق ما توصف به (انها قلة أدب وقلة حياء) وقد صدق صديقى فى ما ذهب اليه من وصف دقيق , ان الصراع الدائر بين كل من الذين حملوا السلاح واولئك الذين يمسكون بتلابيب السلطة هو صراع رؤيتين و ايدلوجيتين معلومتى الملامح لذلك سوف تموت الحشائش تحت اقدام صراع الفيلة هذا و لن تصمد هذه الحشائش لانها اعتادت على النمو فى بيئة رغدة العيش لا تسمح بأكل الفتة الا وهى باردة غير ذات سخونة حتى لا تحرق الانامل الغضة , فعندما يقوم صاحب الحاجة الى حاجته لا يفيد حارق البخور بخوره ولا ماسح الجوخ مسحه للجوخ, ومن لا يعطى اعتبار لسنة الحياة فى التجديد والتجدد سوف يتجاوزه الزمن و سوف لن يتوقف القطار لسيادته حتى يعتليه لان القطار سيصبح قطاراً للكل بكل عدل وتساوى بينهم لا قائد ولا مقود ولا سيد و لا مسود , لقد ذهب زمان الاقطاع الى غير رجعة و فشلت نظرية (متر فى الارض مترين فى الجنة ) و لم يعد فى الاذهان سوى العمل من اجل ان يتمتع كل فرد بما يتمتع به الآخر بصرف النظر عن جغرافية ووجود هذا الاخر و عرقه ولونه و لسانه و دينه , وذهب معه ايضاً هيمنة الفكر والفهم الواحد و اصبح منهل المعرفة متاح للكل و ليس حكراً على ابن نبيل من النبلاء. ان تيار التغيير فى عصرنا هذا تقوده الافكار المبتكرة و له ادواته المستحدثة التى لا يستطيع (جيل سيدى) ان يواكبها , لقد واجه الجيل المعاصر تحديات لم تكن بحجم تحديات الجيل الذى قاد التغيير فى منتصف ستينيات القرن الماضى حيث انه اصطدم بكل اخطاء من سبقوه فى جرعة تراكمية لا يقوى على هضمها الا هو , لم تستطع الديمقراطيات الثلاث ولا الانقلابات الثلاثة ان تضع منهاجاً شافياً لكيفية حكم السودان يستوعب التركيبة السكانية للبلاد بكل خصائصها وتداخلاتها وتنوعها , لذلك تجد ان الدكتور الراحل جون قرنق تعامل مع هذه الاحزاب الرجعية بطريقة تتناسب و فهمها وحجمها و صيرورتها , لم يكن التجمع الوطنى ذا تأثير بالغ فى رؤية الحركة الشعبية وملهم فكرها التجديدى بل كان تمومة جرتق و مثله مثل الذى حصد حصاد الهشيم, لقد وضح هذا عندما بدأت مفاوضات السلام التى افضت الى نيفاشا حيث وجد اعضاء هذا التجمع الشائخ انفسهم مجرد ديكور زينت به مراسم التوقيع النهائى لاتفاقية السلام الشامل , أن هذه الطائفية هى التى اورثت شعوبنا السودانية التهميش و العيش فى كنف رحمة الاقطاعيين منها وتريد ان تورث هذه التبعية الى ابنائها تماماً كالنظم الملكية والاميرية التى فى شرقنا , هذ الحراك السياسى الذى بدأ منذ المفاصلة الشهيرة بين شركاء الحكم انذاك هو الذى فرض هذا الواقع المرير الذى تبعثرت شظايا ضحاياه فى جنوبى كردفان والنيل الازرق ودارفور والذى ايضاً سيفرض الحل النهائى لهذا التدافع مهما علت صيحات المنادين بالرجعية و حكم الطائفة و البيت والاسرة الواحدة , من المؤكد ان قادة الجبهة الثورية لا يفوت على فطنتهم هبالة خطط هذه الطائفية الراجعة و لابد انهم قادرون على التمييز بين من هو قادر على المسير فى الدرب الى نهايته وبين ذلك الواهم الذى ما زال يرى فى اهل الهامش مجرد تبع يساقون كالانعام لكى يتكسب من اصواتهم فى زخم اى انتخابات قومية حتى تؤدى الى وصول السيد الى موقعه الموروث سواء كان هذا الموقع مجلس راس الدولة او رئاسة مجلس الوزراء , انها خطط مكشوفة لذلك وصفناها بالهبل و السذاجة و لا اظن ان هنالك احد لم يعى الدرس من ابناء اطراف وهامش البلاد الذين ينطق لسان حالهم بالطرفة السودانية ذائعة الصيت (الكلام دة قولو للما عندو حديدة). اسماعيل عبد الله [email protected]