هناك (اخوان مسلمون) يشغلون الساحة ، اليوم، بالمقالات المدبجة فى نقد لاذع للحكومة، ولاعضاء الحزب الحاكم، وهذه ظاهرة تتطلب النظر بامعان. خاصة وانهم لم ياتوا بجديد، فهم يكررون نفس العبارات التى توحى بالتدين والتقوى، والتى ظل يكررها الترابى وتلاميذه (الذين هم منهم) منذ اكثر من خمسين سنة. فهم ينتقدون اخوان الامس الذين نجحوا فى تحقيق اغراضهم الاساسية من وراء مظاهر الدين والتقى، فأثروا، وتسلطوا، وابتنوا الدور الفخمة، وامتلكوا الاثاث الفاخر، والسيارات الفارهة، والملابس الغالية، وكرروا كل ذلك بزواجهم المثنى والثلاث والرباع. اما هؤلاء المنتقدون، من امثال الدكتور عبد الوهاب الافندى والدكتور الطيب زين العابدين ، الذين يتسابقون اليوم فى كتابة المقالات التى تتلقفها الصحف السيارة ويسير بها الناس، فانهم ما زالوا يرددون نفس العبارات عن الدين والتقى والدفاع عن الاسلام، ولكن من غير ان يتطرقوا لاى ضمانات، او طريقة مجربة، تجعل الشعب يطمئن بأنهم ليسوا ترابى آخر، او على عثمان آخر، او سيد خطيب آخر، او غازى صلاح دين آخر، او عوض جاز آخر. كما انهم لم يتطرقوا لاى ضمانات، او طريقة معروفة ومتبعة، تجعل الشعب يطمئن انهم لن يتخذوا بطانات تتسلط على الناس وتتحكم فى مصائرهم بالارهاب والتعذيب فى نفس الوقت الذى ينشغلون فيه بتحقيق رغبات شهواتهم الحبيسة بالسلطة والثروة والجاه. فهاهو الافندى يقول فى آخر مقال له (كما لم يعد يكفي أن يتبرأ الإسلاميون من التجاوزات، بل لا بد من تحرك إيجابي للضرب على من تولى كبر هذه التجاوزات ويستمر اليوم في استدامتها والدفاع عنها، فقد أصبح هذا الواجب اليوم هو خط الدفاع الأول عن الإسلام مما لحق به من تشويه واستغلال) اذن، فالافندى مشغول بخط الدفاع الاول عن بيضة الاسلام. ولكن كيف؟ لا احد يدرى. هو مشغول بالدفاع عن دين الله الذى تعهد الله بحمايته، هو غير مشغول بمشاكلنا، ومشاكل ابناءنا، والجوع والخوف والمرض المنتشر فى السودان، هو مشغول بخط الدفاع الاول عن الاسلام. كما ان الافندى لم يقل اكثر من (التحرك الايجابى للضرب على من تولى كبر هذه التجاوزات)، مجرد عبارات لمداعبة عواطف البسطاء. ثم، ماهى هذه التجاوزات التى يفاخرنا السيد الافندى بانه كتب عنها عام 94؟ وهل يا ترى كتب عنها فى الصحف آنذاك، كما يجب ان يكون فى ظل الديمقراطية وحكم القانون؟ ام انها كانت (ونسة) مع احد الاخوان المسلمين الذين لم يستطيع الافندى من ان يذكر اسمه؟ اليس عدم ذكر الاسم نفسه يدل على ان الشخص المعنى ما زال مسئولا؟ او على اقل تقدير ان الاخ الافندى يحاول ان يحميه؟ اول التجاوزات التى رآها الافندى عام 94 هى ان اخوانه المسئولين لم يلتفتوا لحقيقة ان 99% من الشماليين يريدون الانفصال، تخيلوا!!! الافندى يقول ان اخوانهم اخطأوا اذ تجاهلوا هذه الحقيقة، هل هذه حقيقة اصلا، ولدرجة تجعل تجاوزها ذنبا يقتضى (الضرب على من تولى هذه التجاوزات)؟. اما التجاوز الآخر الذى يفخر الافندى بانه اكتشفه منذ عام 94 فلقد كان هو انشغال اخوانه المسلمين بالصرف البذخى والاسراف المذموم. لاحظوا: لم يقل نهب المال العام، وانما الصرف البذخى. ونحن نقول للاخ الافندى: وما هى الضمانات ان يكون هو والطيب زين العابدين زاهدين فى الدنيا ومتقشفين فى صرفهم على انفسهم وعلى اسرهم؟ وانهم لن ينشغلوا بالصرف البذخى والاسراف المذموم؟ ثم، هل مشكلة السودان هى اسراف بعض الذين تسنموا المناصب فى الحكومة ، ام انها مصيبة اكبر من ذلك بكثير؟ مصيبة تماثل ان تستولى عصابة على دولة، وتنشغل بتحصيل الثروة من خلال قتل الابرياء، واستغلال حوجتهم للعدس، والدقيق، والمدراس للاطفال، والدواء للمرضى، فيحتكرون كل ذلك لجمع الاموال؟ نحن نسأل الاخ الافندى ومعه الاخ الطيب زين العابدين، متجاوزين عن جهلهم بطبيعة المشكلة، هل لديكم طريقة تمكننا من سرعة اكتشاف الفساد، وتضمن لنا سرعة محاسبة المسئولين الذين يتورطون فيه؟ ام انكم ما زلتم على طريقة الاخوان المسلمين المعروفة، الدفاع عن بيضة الاسلام، و لحية، وتشدق بآيات قرآنية، وعبارات من شاكلة يا شيخنا، وجزاك الله خير، لكى يطمئن البسطاء فيسلمونكم امور دنياهم؟ الواضح ان الاخ الافندى لم يتعلم بعد ان تدبير امور معاش الناس له طرق معروفة، ومجربة، وقد دفعت البشرية ثمنا غاليا لمعرفة هذه الطرق، وقدمت تضحيات بالارواح، والدماء، والاموال، والعذابات، والدموع، لتصل الى انسب الطرق لتدبير حياة الشعوب. ونقول للدكتور الافندى ان طرق تدبير معاش امور الشعوب ليست بالبساطة بحيث يمكن معالجتها بخطابات عتاب سرية، وانما تقتضى الاعلان، والذيوع بين الشعب، والوضوح، والمصادمة، والاستعداد لتقديم التضحيات. باختصار: تقتضى الديمقراطية وتقتضى حكم القانون. ونقول للاخ الافندى ان مشاورة من تزعم بانهم اهل الحل والعقد ليست ديمقراطية، كما أن تكرارك لكلمة الشورى، وارسالك خطابات (العتاب) لاخوانك المسلمين الذين حققوا اهدافهم (العنصرية، والاسراف) ، ليس محاسبة و ليس حكم قانون . و هذا الذى فى عقلك انما هو تكرار للكارثة التى المت بالسودان منذ عام 1989 والتى ما زالت مستمرة. . ابوبكر بشير الخليفة 25 مارس 2012