[email protected] استقالة بسبب السكر أشاد كل الذين تناولوا استقالة وزير الصناعة السيد عبد الوهاب محمد عثمان بموقفة لأنه كان شجاعاً في تحمل المسئولية وترسيخ أدب الاستقالة حين فوجئ قبل يوم واحد من الموعد المحدد لافتتاح مصنع سكر النيل الأبيض بعدم قدرته على الدوران لغياب التقنية المشغلة أو تعثر فك شفرتها التي قيل أنها في يد من يفرض علينا عقوبات ومقاطعات اقتصادية، مما أدى إلى حرج كبير خاصة بعد دعوة الضيوف والمساهمين وتهيئة البلاد كلها بإضافة أربعمائة وخمسين ألف طن من السكر كان المأمول أن يصب صافي ريعها في خزينة الدولة المتطلعة للمزيد من البدائل تعويضاً لإيرادات البترول التي غيبها الإنفصال0 ويبدو أن عدم قبول الاستقالة بواسطة السيد رئيس الجمهورية يعتبر تفويضاً جديداً ومضاعفاً للوزير لكي يسهم بحسه الرفيع وشفافيته الواضحة وغيرته العالية في معالجة الأمر إذا كان سبب الإخفاق يعود لممارسات الفنيين أو تهاون المتعاقدين، أما إذا صح بأن الشركة الاسترالية جلبت تقنية تشغيل أمريكية وفيما بعد بيعت الشركة الاسترالية ذاتها لأخرى أمريكية ملتزمة بالمقاطعة، فإن منطق الأجاويد لن يفلح في رفعها إلا إذا كان ضمن شروط بيعها ما يلزم المشتري باحترام تعاقداتها من عملائها السابقين، فحتى شركات السيارات حين تشتري مثيلاتها تكون ملزمة بتصنيع قطع سيارات الشركة القديمة حتى لا يتضرر العملاء0 ويبدو أن هذه الاستقالة ومسبباتها جعلت جميع المواطنين العاديين يتعاطفون أيضاً مع موقف الوزير وينظرون بعين الشفقة للمصنع رغم أنهم لم يكونوا أصلاً يتوقعون تخفيضاً في سعر هذه السلعة أو تذوق طعمها بيسر0 ومع أننا توسعنا في صناعة السكر منذ عهود سابقة فقد كانت الحكومات تتشدق بعبارات الاكتفاء الذاتي وتمزيق فاتورة الاستيراد، ولكن ما أن يتم افتتاح إي مصنع جديد حتى تهل علينا إضافة جديدة في سعر سلعة السكر وربما ندرته، لذلك لم يتحسر المواطن على كون ماكينة المصنع فشلت في الدوران أو أنها ستدور في القريب العاجل حسبما علمنا من تواتر الأنباء، لكن سبب حسرته الأساسي هو ضياع الجهد المبذول منذ أن كان المشروع فكرة ونجحنا في استقطاب الممولين له، ربما بشق الأنفس، إلى أن اكتملت جوانبه ووقف شامخا0ً فلا يعقل هنا أن يضيع هذا الجهد هدراً لخطأ فني يتعلق بالتقنية المشغلة بحسبان انتسابها لغير دولة التعاقد0 لا شك أن معالجة الخطأ بدأت تنقب في مختلف الاتجاهات ولن تغمض عين للمسئولين السابقين عند بدء المشروع والمعاصرين عند اكتماله قبل تصحيح الخطأ، غير أن مرور أي يوم دون أن يفلح المصنع في تجفيف عيدان القصب المتكدسة والراضية بمصيرها سيضاعف حجم الخسران0 وعوداً لأدب الاستقالة الذي نراه شائعاً في الدول المتقدمة ويلجأ إليه كل من يتصدى للمسئولية عن خطأ أو إخفاق لأي فرد من مرؤوسيه مع إنه لم يكن المتسبب فيه مباشرة، فإننا لا زلنا بعيدين عن السير في هذا الطريق الذي لم يطرقه خلال عهود طويلة إلا عدد يحسب بأصابع اليد الواحدة – مع أن الأخطاء على قفا من يشيل - وأذكر منهم على سبيل المثال المرحوم البروفيسور محمد هاشم عوض الذي رفض زيادة سعر السكر عندما كان وزيراً للتجارة في عهد مايو وكذلك محمد يوسف أبو حريرة وكان أيضاً وزيراً للتجارة في الديمقراطية الثالثة إذ استقال حين تقاطعت أفكاره مع توازنات الحكومة الائتلافية، وفي العهد الحالي الدكتور الصيدلي ياسر ميرغني الأمين العام لاتحاد الصيدلة على خلفية قضية الدواء الفاسد0