المتأمل فى واقع السودان الآن,لا بد ان تستولى عليه الدهشة والحيرة ويتملكه الأسى والحزن,لما يرى من شرور ومفاسد وصراعات ومظالم,تدفع اليها الضغائن والأحقاد,أو المطامع والأهواء,أو الرغبة فى التسلط والاستعلاء. أصل الداء: يقف العقلاء والحكماء أمام هذا الواقع المطرب ليحللوا أسبابه أو يشخصوا داءه,فيصلون فى كثير من الأحيان الى الأسباب المباشرة (وهى ظاهرية سطحية غالباّ) فاذا مد المرء بصره وعمق فكره فانه سيقع على أصل الداء وأساس البلاء المتمثل فى (أزمة الأخلاق) ومن ثم فينبغى أن يبدأ منها العلاج. ان البشر قد يختلفون فى الجنس والعرق واللون والثقافة واللغة والعقيدة,ولكنهم يتفقون على القيم الخلقية,فالتصرفات والتعاملات التى تنم عن الصدق والصراحة أو الكرم والجود والأمانة والعدل,أو الرحمة والرأفة أو الشهامة والمروءة أو الشجاعة والاقدام أو الحلم والأناة....الخ,هذه كلها تثير بلاشك فى نفوس من يشاهدها أو يسمع عنها الاعجاب بها والتقدير والاحترام لأصحابها,وهكذا يكون الحال مع سائر الأخلاق الانسانية. بناء الأمم وبقاءها وازدهار حضارتها انما يكفل لها ما بقيت الأخلاق فيها,فاذا سقطت الاخلاق سقطت الأمة,وما أحكم قول شوقى: وانما الأمم اللأخلاق ما بقيت **** فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ماذا تتوقع لأمة سادت فبها قيم العدل والمساواة والحرية,وتعامل أبنائها فيما بينهم بقيم التآخى والتراحم والتعاون؟! انها بلاشك أمة قوية ناهضة مستقرة آمنة,والعكس صحيح,ان الله يقيم الدولة العادلة وان كانت كافرة,ولايقيم الدولة الظالمة وان كانت مسلمة. رأينا ما للأخلاق من آثار عظيمة وثمار طيبة حين تحكم واقع الناس وتوجه سلوكهم,فاذا ما ضاعت الأخلاق استطار الشر وظهر الفساد فى شتى مجالات الحياة السياسية والأعلامية والأقتصادية وغيرها. أصحاب القرار فى دولة السودان قد أستكبروا فى الأرض بغير حق,وتسلطوا على شعبهم ينتهكون حرمة البيوت ويروعون الآمنين وقتلهم كما فعلوا بالشهيدة (عوضية عجبنا )عندما قتلوها أمام منزلها وأهلها,ويصادرون الممتلكات والمال العام ويلقون بالشرفاء والصلحاء فى غياهب السجون(بيوت الأشباح) ويروجون الترهات ويكممون الأفواه,متنكرين فى ذلك كله لوعودهم بالاصلاح,مستمرين فى طريق الفساد والاستبداد بنظرية الجمهورية الثانية زات الطابع العنصرى الجهوى. نعم قد مات الدكتور المقيم و مؤسس مبدأ السودان الجديد (جون قرنق دى ميبيور) ولكنه حى يرزق فى قلوب محبى السلام والوئام بفكره ونظريته التى تدعوا الى التغيير الجزرى الشامل للدستور السودانى القديم, الى دستور جديد يجمع كل أبناء الوطن فى بوتقة واحدة فى وطن أسمه السودان, وان يتبنى الدستور الجديد البنود الآتية : · انشاء دولة ديمقراطية علمانية تسع للجميع,بمعنى عيسى بدينه وموسى بدينه والكجور بدينه,وأوربا والغرب لن تتحرر وتتطور الى بعد فصل الدين عن الدولة. · المساواة والعدل فى الحقوق والواجبات,بمعنى الناس سواسية كأسنان المشط ليس هناك بالجلابى أوالمهمش,والخيار واحد,أما كلنا جلابا أو كلنا مهمشون. · أعطاء الحريات وأحترام ثقافة الآخرين فى العادات والتقاليد,بمعنى من الحقوق ان تمارس سبر النتل(الكونجار) أوالخيل عند النوبة, أوعزف( الطمبور) فى الشمال, أو رقص (المردوم وأبرة ودرت) فى الغرب,أو مبارزة السيوف فى الشرق. · أقتسام السلطة والثروة بالتساوى,بمعنى لايجب هيمنة المركز على السلطة والثروة لوحده بل يجب ان تتوزع لبقية الأطراف. هل الخريف القادم نهاية النظام وبداية السودان الجديد؟ بعد أشتعال الحرب فى جنوب كردفان(جبال النوبة) فى 5 يونيو 2011 أعلن الفريق القائد عبدالعزيز آدم الحلو نائب رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال دعوته الحارة (الشعب يريد اسقاط النظام),وكانت تلك الدعوة موجهة للاْحزاب السودانية والحركات المسلحة لانشاء تحالف مدنى عسكرى ضد النظام الحاكم,وسرعان ما لبت حركات دارفورية للنداء, ومنها حركة تحرير السودان جناح أركو مناوى, وحركة تحرير السودان جناح محمد عبدالواحد, فى أغسطس من نفس العام كانت الملحمة التاريخية بانشاء تحالف كاودة(الجبهة الثورية) بجبال النوبة,والتحقت أخيراّ حركة العدل والمساواة بعد مشاورة طويلة بقيادة الراحل المقيم الدكتور خليل ابراهيم فى 11 نوفمبر, ,وكان الباب مفتوحاّ حتى أنضم الحزب الاتحادى المتمثل فى شخصية التوم هجو,وجبهة بجا عنهم سيد أبوآمنة,ونصرالدين الهادى عن حزب الأمة. كل المعطيات والتحاليل تشير الى بدأ النظام فى العد التنازلى,بعد ما أستفحلت قوات الحركة الشعبية(ش) والجبهة الثورية فى ميادين القتال والحاق الهزائم الكبيرة لجيش البشير وميليشياته,وفقدان النظام أكثر من 80% من مساحة جنوب كردفان(جبال النوبة),وأيضاّ الحصار المحكم للمدن الرئيسية كتلودى وكادوقلى والدلنج, اذ هى أصبحت على قاب قوسين أو أدنى من مرمى أهداف الجبهة الثورية و السقوط, اذاّ النظام فى مأزق حقيقى.سقوط تلك المدن تعنى انهيار النظام عسكرياّ ومن ثم يصبح الطريق الى وصول الخرطوم أقل صعوبة لأن ثلاث أرباع جيش النظام متمركز فى جنوب كردفان(جبال النوبة) .أما اقتصادياّ: فان النظام خاوى على عرشه بعد أن ذهب أكثر من الثلثين من انتاج النفط الذى يعتبر العمود الفقرى للدولة, مما أدى الى تهاوى الجنيه السودانى أمام العملات الأخرى وفقدان قيمته من ناحية,معظم السلع الاستهلاكية تأتى من الخارج بالعملة الصعبة, ناهيك عن شراء السلاح, ومواد البناء, والدواء, والدارسين بالخارج وأيضاّ الذاهبين للعلاج بالخارج وهذه كلها, أدت الى شح العملة فى خزينة البنك المركزى. فشل المفاوضات بين دولتى السودان بخصوص سعر نقل نفط جنوب السودان عبر الاراضى السودانية حتى موانى التصدير كان له الأثر الاكبر على تدهور الاقتصاد,كان من الممكن ان يساهم رسوم عبور البترول فى توفير بعض العملة الصعبة للخزينة مما قد يطول فى عمر النظام الأفتراضى ولكن هيهات,هيهات.قد أعلنت الجبهة الثورية فى وقت سابق بانها سوف تغلق كل حقول البترول فى جنوب كردفان(جبال النوبة) ودارفور,وهذا يعتبر مؤشر خطير للغاية اذا أقبلت على تلك خطوة وانما هى النهاية الحقيقية للنظام. لقد هاج وماج السودان ومعه العالم, عندما سقطت مدينة الهجليج وآبار نفطه من قبل الجيش الشعبى لدولة جنوب السودان فى يوم 10 أبريل من هذا العام,ودحر جيش ومليشيلت البشير منها على طريقة البكاء على الأطلال,وكان المقصود من تلك الخطوة أيصال بعض الرسائل الى البشير وجماعته فى الآتى: الرسالة الأولى: رد الصاع صاعين للنظام الفاشل فى دولة السودان, لقيامه بالأستفزازات العسكرية من حين الى آخر بانتهاك حرمة آراضى جنوب السودان, بضرب مدن وقرى حدودية بطائرات الأنتنوف داخل العمق الجنوبى. الرسالة الثانية: ان البشير لايملك جيش حقيقى فى أرض الواقع, وانما جيش ضعيف ومتهالك فى خدمة النظام وليس الدولة. الرسالة الثالثة: الخلافات السياسية لاتحل بالعمليات العسكرية,وانما بالتفاوض والحوار. الرسالة الرابعة: تستطيع دولة جنوب السودان ان تدمر الحقول والمنشآت النفطية داخل شمال حدود 56,ولن يستطيع النظام الحاكم فى السودان ان يدمر شريان اقتصاد دولة الجنوب. الرسالة الخامسة: لايستطيع البشير وزمرته المطالبون دولياّ بان يحتلوا جوبا وارجاعها الى حظيرة الجمهورية الثانية. الرسالة السادسة: جوبا أصبحت عاصمة دولة ذات سيادة, لها عضويتها التامة, برفرفة علمها فى مقر الأممالمتحدة. يريد النظام ان يعيد هجليج بالقوة العسكرية بدل البحث عن الطرق السلمية بأعتبار جنوب السودان أستولى على الهجلج بالقوة ولن ترد الى بالقوة,وهذا يعنى فتح جبهة قتالية أخرى فى مكان آخر من جنوب كردفان(جنوب كردفان).هل الظروف مواتية للنظام بأتخاذ ذلك الأجراء؟ وبأى جيش يريد النظام خوض المعركة؟ وهل أستطاع النظام حسم المعركة مع الجبهة الثورية طيلة العشرة أشهر؟ هذه الأسئلة متروكة لمجرب الحرب عبدالرحيم حسين وصحاف السودان الصوارمى للاجابة عليها. وأخيراّ, توفرت كل الأسباب والمسببات لسقوط النظام فى غضون الخريف القادم,وعلى الجبهة الثورية الاستعداد الى ما بعد سقوط النظام لادارة شئون الوطن. مع تحياتى والسلام [email protected]