[email protected] مما لا جدال حوله هو أن الربيع العربي أوجد شعورا جارفا لدى شعوب المنطقة قاطبة بضرورة التحرر من الانظمة الديكتاتورية وكسرحاجز الخوف وفتح الطريق واسعا أمام هذه الشعوب للتحكم في شؤون بلادها وادارتها بنفسها دون أن يكون هناك من ينصب نفسه وصيا عليها أو متحكما في مسار حياتها وشكل ملبسها ومأكلها ومشربها وموزعا على من يختاره من أفرادها صكوك غفران أو شهادات حسن سير وسلوك والوطنية . ولكن الأكثر صحة هو أن الشعب السوداني - الذي تأخر ربيعه الى حين - كان هو الأولى باطلاق شرارة هذا الربيع الزاحف الآن بقوة ذلك لتوفركافة الأسباب الموضوعية التي كانت سببا في انطلاقه وهو يواصل مسيره ويبتلع بلدا تلو آخر وإن إستعصى بعضها عليه ولكنه حتما سينتصر في نهاية المطاف لسبب واحد هو أنه يستمد قوته من شرعية الشعوب وارادتها التي لا تقهر .. وللحقيقة والتاريخ فان شعب السودان هو الرائد في صناعة الثورات الشعبية في المنطقة واقتلاع الأنظمة المستبدة وله في هذا السياق ثلاث تجارب سابقة لن ينساها التارخ وإن تجاهلها العرب دون أن يذكرها أحد منهم في غمرة انتصارات ربيعهم الحالي وهي : 17 نوفمير 1958 و 21 اكتوبر 1964 ثم 6 ابريل 1985. والشاهد أن المشفقين على السودان يرددون القول بأن هذا البلد الذي ابتلي بنظام عسكري /عقائدي / انقلابي/ اسلاموي /كريه يحكم قبضته عليه منذ العام 1989 وتربعه على أنقاض حكم ديمقراطي انما هو اليوم بحاجة ماسة وعاجلة لقيادة / رشيدة /جديدة/ وواعية تستوعب مستجدات العصر وحاجات انسانه الملحة لسياسات تطلق طاقاته السجينة التي تراجعت كثيرا إثر نهج عقيم ومتخلف اتبعه النظام و يقوم على الاقصاء والتقليل من شأن الآخر والتحكم في مصيره والاستيلاء القسري على امكانات وطنه ( السودان) وموارده المتعددة التي تزخر بها أرضه سطحا وجوفا . وقد رأينا كيف ان عصابة الانقاذ قد فرطت في السودان ودفعت بربع شعبه الى محرقة الانفصال مرفقا بثلث مساحته المليونية .. فيما يعيش ربع آخر من سكانه اليوم خارج حدوده ( 8 ملايين ) ويعاني أهلنا في الداخل ويلات المجاعة وسوء الحال تحت وطأة اقتصاد ضاغط المرفهون فيه هم هذه العصابة الانقلابية والموالين لها من الرأسمالية الطفيلية والنفعيين والأصوليين وأصحاب المصالح الشخصية ممن يعيشون على أموال السحت واليتامى والأرامل والثكالى . عشرات القضايا والفتن والمشاكل التي مرت بالسودان كانت كل واحدة منها كفيلة بخروج الملايين واسقاط النظام والرمي به في مذبلة التاريخ .. وتعد قضية هجليج واحدة من تلك القضايا الآنية التي يستجدي فيها النظام الناس والشباب للاستنفار و الوقوف ولوإعلاميا معه . و(هجليج) كانت نتيجة طبيعية لما ظللنا نحذر منه منذ توقيع نيفاشا في التاسع من يناير العام 2005 من تأجيل كثير من متعلقات الاتفاقية وترحيلها لمراحل لاحقة .. وهذا ماكررته خلال مشاركتي في برنامج ( فجر الحرية ) الثلاثاء الماضي بفضائية ( ايه . ان . ان ) الذي دار حول ( هجليج ) وما يمكن ان يترتب على ماجرى هناك . ولكن يظل السؤال الأكثر الحاحا هنا : حتى لو ( تحررت ) هجليج اليوم أو غدا فمن سيحررنا من عصابة الانقاذ الانقلابية في الشمال ياترى ؟ . أخيرا : يا وطن ... مهما كتير نغيب عنك شال في الغربة لافحنك وتاج في رؤوسنا لابسنك عز في قلوبنا شايلنك وهرم في علالي شايفنك ومهما كبرت في سنك شباب في عيونا راجنك كتاب في عمرنا حافظنك سليل أمجادنا عارفنك ومهما نغيب كتير عنك تغيب من بالنا ما ظنك .