بعد ان رقص البشير و تشنج و شتم ، فلنتحدث بعقل و عقلانية . فأهل الانقاذ وجدوها فرصة لكي يستثيروا الشعور الوطني عند أهل الشمال . و وقف الجميع و أدانوا التغول الجنوبي . و دعوا للثأر . و طالبوا بأخذ القصاص ممن دنسوا أرض السودان الطاهرة ، من الحشرات و العبيد . جميع أهل الشمال اذا اعطوهم بوصلة والكثير من الزاد و الماء و طلبوا منهم ان يصلوا الى بانتاو- هجليج لما وصلوها . و لم تكن المنطقة ذات اي اهمية لأهل الشمال . و لو لم يوجد البترول لهمشوها كما همشوا النوبيين في المديرية الشمالية و أهل الشرق الذي يطحنهم السل و الفقر . بل لقد همشوا المواطن في الخرطوم و أمدرمان . و البشير و وزرائه لا يضعوا اقدامهم في اطراف امبده و دار السلام . لقد عشنا في أعالي النيل . و حتى في منتصف الستينات كنا نجوب هذه المناطق في رحلات للصيد . و نذهب الى الليريي في جبال النوبة و المقينص . و لم نشاهد اي اضان حمراء في هذه المنطقة . و لم يكن هنالك اي وجود للشمالييين سوى بعض التجار هنا و هنالك . و بانتاو تبعد عن بانتيو مسيرة يوم واحد . يقطعها الدينكا و النوير بدون مشقة . يأتون الى بانتيو التي هي المركز و يقضون حوائجهم و يعودون مشياً على الأقدام . لم نسمع بأسم هجليج إلّا في الاعلام ، و بعد اكتشاف البترول . هذه أرض الدينكا و النوير . حتى إذا صدق زعم الشمال بأن هذه الأرض تابعة لجبال النوبة ، أين هم النوبة الآن ؟ . أليس النوبة هم الذين يسكنون شقوق الجبال و الأخاديد و الكهوف ، خوفاً من قذف الطائرات التي دفع ثمنها بفلوس البترول الذي استخرج من بانتاو . أليس من المحن السودانية أن المستفيدين من هذا البترول هم أهل الانقاذ ؟. و صار ملكاً خاصاً لقبيلة الجاز و بطانته . و النوبة يموتون و تندلق احشائهم و تتقطع اوصلاهم بمدفعية الشمال . و إذا كان الانقاذ تقول على رؤوس الاشهاد ان البترول ليس بترول الدينكا و النوير بل يتبع للنوبة . أليس هذه علمية نهب مسلح ؟ . فالانقاذ تقرطع في هذا البترول و لم يعطوا النوبة و لا ( دلق أو دحلوب ) من باب رد الفضل الى أهله . ماذا استفاد أهل المنطقة من هذا البترول الذي جرى لأكثر من عشرين عاماً ؟ . أليس في جسم رجال الانقاذ أي ذرة من الأنسانية لكي يحسوا بألم أهل المنطقة ، كما في كل مرة تخشخش الاساور و الغويشات في يد زوجاتهم و بناتهم و تشتعل المحركات القوية في سياراتهم الفارهة ، أو عندما يتلمظون الأكل الشهي ، و يديرون المكيفات . إلّا يفكرون في حق الآخرين و ان هذا البترول مسروق ؟ بغض النظر اذا كان يخص النوبة أو الدينكا أو النوير . بانتيو أرتبطت بذهني بالعم مكي و الذي كان أكبر تجار بانتيو . و أذكر صديقه و زميله قمر الدين و بقية تجار بانتيو من الشمالييين . و العم مكي هو زوج خالتي فاطمة أبو القاسم من بيت المال فريق السيد علي . و أبنائهم ربيع و فاروق و شرف ، اللذين كانوا زملاء طفولتي و كان لهم بيت في ملكال و آخر في بانتيو . و لقد سكنت عندهم لفترة الاجازة المدرسية في سنة 1958. و بانتيو هي أحد مراكز النوير الثلاثة أكوبوا ، ناصر و فنقاق غرب النوير . و يشاركهم الانجواك في الناصر . و تقارب الاسم بانتيو و بانتاو يؤكد الصلة بين المنطقتين . أنا شمالي اباً و اماً و لكني على ايمان ان بانتاو تابعة للجنوب . و اذا كنت مخطئاً التحكيم سيعيدها الى حضن الشمال . فلماذا الاقتتال ؟ و لكن السؤال هنا هل سيكون البترول لأهله في جبال النوبة ؟ أم سيتحول الى مباني شاهقة و عمارات و فلل في دبي و أرصدة متخمة في ماليزيا . أليس من الظلم أن النوبة يعيشون في كل ذلك الفقر و الجهل و المرض في كل هذه السنين و البترول يجري تحت اقدامهم ؟. و النوبة الى الآن يقومون بالاعمال الوضيعة في الشمال . منها حمل المخلفات البشرية على رؤوسهم . انا أقول هذا الكلام لكي أرضى ضميري . و سيسألني الله عن هذا يوم الحساب . و إذا اراد احد ان يصفني بأنني عميل اسرائيلي أو انني اتلقى المنح و الهبات من الغربيين و من أهل جنوب السودان ، فليكن . التحية ع. س. شوقي بدري .