السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة الى الرئيس سلفا كير
نشر في سودانيزاونلاين يوم 21 - 05 - 2012

السيد رئيس جمهورية جنوب السودان ، لك التحية و الاحترام . أنا احد الذين نبتت اسناني في الجنوب و نمت عظامي و اكتست لحماً هنالك . نشأت على خيرات الجنوب ، شربت مائه و استنشقت هوائه . و يهمني امره . سمعتك يا سيدي الرئيس تقول في التلفاز ، كتعقيب على المصادمات التي حدثت اخيراً بين النوير و المورلي. لقد كان كلامك يدين المورلي ، و كنت تعزي المشاكل الى اختطاف المورلي لأبناء القبائل الاخرى ، لامراض معينة يعاني منها المورلي ، و تسبب العقم عند الرجال . و هذه حقيقة ، ليست وليدة اليوم .
سيدي الرئيس انك رئيس جنوب السودان . انت رئيس الجميع . لا فرق بين اللاتوكا أو الدينكا أو الباريا أو التبوسة . في جمهورية جنوب السودان يجب ان تكون للشلك نفس الحقوق للزاندي او المورو ، البنقو أو الباندا . أنت يا سيدي رئيس الجميع .
مشكلة تضخم الخصيتين أو (الكوكا) ، كنت اشاهدها كثيراً في بلدة لكونقلي او مركز البيبور و فشلا . و كنت وقتها في الثالثة عشر من عمري و هذا في نهاية الخمسينات . و كنّا نعرف ان المورلي يبتاعون الاطفال اللقطاء من القبائل الاخرى او يسرقون ابناء الآخرين . و كانت القبائل الاخرى تعزي سبب المرض لنوع من الطين يأكله المورلي . و كنت احسب هذا نوعاً من المبالغة . و لكني سمعت هذا الأدعاء حتى في شمال أعالي النيل و ملكال وسط الشلك الذين لا يجاورون المورلي . و أظن ان أكل ذلك النوع من الطين كان بقصد العلاج ، و ليس هو المسبب لمرض تضخم الخصيتين ، الذي كان يشاهده الانسان كثيراً ، نسبة لان الجميع كانوا يمشون عراة في تلك الايام .
هنا في اسكندنافيا توجد خمسة دول و هي ايسلندا الصغيرة و النرويج و السويد و الدنمارك و الخامسة هي فنلندا التي تتمتع بلغة مختلفة من الآخرين و يختلفون عنهم في كثير من العادات . و حتى بعد التطور و المدنية يحس الفلندييون بكثير من الغبن نحو البقية . و الآخرون يبادلونهم بعض الاستهجان . ألا يماثل هذا وضع المورلي و هم يجاورون النوير و الدينكا و الانجواك .
سيدي الرئيس لقد تخوفنا منذ قديم الزمان من تغول الدينكا أو سيطرتهم على السلطة في الجنوب . و كنا نحس تخوف القبائيل الاخرى عندما كنا ننادي بحق تقرير المصير بالنسبة للجنوب . و اشارتك سيدي الرئيس للمشكلة بدون البحث عن الحل هي نوع من الأدانة للمورلي لظروف هم غير قادرين على السيطرة عليها . و عندما لا يستطيع الرجل من المورلي ان ينجب ابناً يحمل اسمه و يرث ابقاره ، فقد يجنح الى سرقة اطفال الآخرين . و أنا لا أويد هذه السرقة . و لكن على حكومة جنوب السودان ان تبذل جهداً عظيماً في استئصال تضخم الخصيتين عند المورلي . و أظن ان المجتمع الدولي سيكون سعيداً و مستعداً لأستئصال هذا الداء . و ادانة المولي او السكون عن المذابح التي يتعرضوا لها شئ خطأ .
هذا الموضوع كتبته قبل فترة و اعيد نشره مرة اخرى .

يا احفاد جانق ، تعرفون اني لكم من المحبين .
لقد اهدى منصور خالد كتابه الاخير ( اهوال الحرب .. و طموحات السللام قصة بلدين ) الى ابراهيم بدري , ستانسلاوس عبد الله بياسما , و الاستاذ محمود محمد طه . و في الاهداء كان يقول الى ابراهيم بدري الذي لم يصانع في النصيحة و خداعاً للنفس أو ارتكاناً الى العنجهية . الذي قال لأهله خذوا الذي لكم . و اعطوا الذي عليكم ان اردتم ان لا يفسد تدبيركم . أو يختل اختياركم . عزفوا عن رأيه و نسبوا الرأي و صاحبه الى الاستعمار .ثم مضوا في خداع النفس , فاغراهم بالآمال و العواطف الباطلات , و اليوم اذ يعودوا الى ما قال دون استحياء لا يذكرون الرجل و هم التابعون .
و ابراهيم بدري الذي كان شمالياً بالميلاد و المنشأ , و جنوبياً بالأختيار لانه قد قضى ثلاثين سنة بالجنوب . و هو الذي وضع قواعد لغة الدينكا و كان يدرسها و يمتحن الادرايين في كلية غردون . و كان اسمه الدينكاوي , ماريل . الرجل كان يخاطب اهله الشماليين و ينادي بالحكم الذاتي للجنوب و تكوين ثلاثة برلمانات في واو و ملكال و جوبا و حكم فدرالي , و برلمان مركزي في الخرطوم . و لم يسمع الناس ,و لم يقبل ساسة الشمال .
انا لا اخاطبكم بأسم الدينكا , لأنه ليس هنالك قبيلة اسمها الدينكا . و لكن الشماليون كان يطلقون على ابناء جانق اسم ناس دينق كاك و يقصدون السلطان دينق كاك شمال اعالي النيل . و من سلالته سلطان لول الذي كان سلطاناً على شمال النيل الي 1959 , حيث صار الاخ الحبيب يوسف نقور جوك سلطاناً الى يومنا هذا . و المسيريه و أهل جنوب كردفان و جنوب دارفور يطلقون على الدينكا أسم جانقي . و أشتهر العجيل الجنقاوي من المسيرية الذي اعدمته المهدية في الأبيض .
لقد لمسنا منذ عشرات السنين ان كثيراً من الجنوبيين يتخوفون من تغول الدينكا . و كان البعض يقول بصريح العبارة , بأن استعمار الجلابة سيكون خيراً من استعمار الدينكا . عندما اتى مصطفى عثمان اسماعيل يوم الاحد 12 ديسمبر 1994 الى كوبنهاجن مصحوباً بعدد من رجال الانقاذ و رجل أمن , تحدثت انا عن حق الجنوبيين في تقرير المصير, و حقهم في تكوين دولة مستقلة . لأن هذا ما كنت ادعوا له طيلة حياتي . و قال السيد انجلوا بيدا و هو نائب رئيس البرلمان السوداني وقتها , و الذي كان مرافقاً للوفد , انه لا يؤمن بأستقلال الجنوب . فقلت له امام الجميع , كيف ادعوا انا الشمالي بحق تقرير المصير , و تعارض انت الجنوبي؟. فقال لي بصريح العبارة نحن نفضل الجبهة الاسلامية , و الجلابة على حكم الدينكا .
هذا الأمر كان صدمة بالنسبه لي , خاصة ً و انني قد عشت جزءأً من طفولتي وسط الزاندي و المورو . و أعرف ان الزاندي قبيلة اكبر من الدينكا , إلا انهم موزعون في الكنغو و افريقيا الوسطى . و أن الزاندي يعتزون بأنفسهم و أن كلمة زاندي تعني ( ناس ) . و أنجلو بيدا الذي هو من الزاندي , قال بصريح العبارة في ذلك الاجتماع ( اذا استلم الدينكا السلطة فسننضم الى الكنغو و لن ننتظر).
في ذلك الاجتماع كانت الاخت العزيزة اقنس لوكودو والي جوبا وقتها , و كانت لها تحفظات كذلك . و اقنس هي من الباريا , و الباريا هم القبائل المحيطة بجوبا و منهم اللوكوجا و الذين يرتبطون بالباريا و يشاركونهم اللغة.
في عدة مرات حاولت ان اشير الى تخوف القبائل الاخرى من سيطرة الدينكا , الذين هم الاغلبية . و في اجتماع جامعة لند في نهاية التسعينات و الذي ضم ممثلين من كثير من الجاليات الأفريقية ,و وفد كبير من جنوب السودان , وكثير من السويديين ، اشرت ان اغلبية الحضور من الجنوب كانوا من الدينكا . و اغضب هذا من لم يعرفني من أبناء الدينكا . و دافع عني البروفيسور بيتر نجوت كوك و فيليب دينق و مارتن مجاك . و ربما لأنهم كانوا من الاقر , دينكا رومبيك . فنحن قد ارتبطنا برومبيك . و ابراهيم بدري كان متزوجاً من احدى بنات رومبيك , وهي منقلا ابنة السلطان عمر مرجان , و والدة عمر ابراهيم بدري . و ما اتمناه ألا يكرر الدينكا غلطة الشماليين في الهيمنة و السيطرة و فرض ارائهم و معتقداتهم و تصورهم للأشياء.
قبل سنتين كان هنالك مشاجرة . و كان هنالك احتداد و نقاش و معارك على الأرض كذلك ، راح ضحيتها الكثيرون . و كان بعض الدينكا يقول أن ملكال أو ( ما كال ) كما نعرف . هي مدينة دينكاوية . و أن الشلك يتواجدون غرب النيل فقط . و لقد ادليت بدلوي وقتها و قلت أن لغة الشارع في ملكال كانت لغة الشلك . ما كنا نسمعه في الصباح هو ان الناس يحيون بعضهم قائلين ايبي جالدونق , ايبي نجان , ايبي نجاندينق أو اهلا يا شيخ اهلا يا رجل اهلا يا سيدة اهلا يا بنت. و الجلابة ينادون على العيش المفروش في اكوام كبيرة (بيار ود اديونق) و تعني عشرة زائد ثلاثة . و اديونق هي ثلاثة بلغة الشلك . و ديونق بدون الالف لغة النوير . ففي الحساب يسقط النوير الألف . و حتى الدينكا المقيمين و النوير و الجميع من فلاتا و نوبا و شماليون يتخاطبون بلغة الشلك في ملكال . و لكن بما أن ملكال عاصمة فأنها ليست من المفروض ان تتبع لأي قبيلة . و أن ما كال عرفت كل الوقت بأنها امتداد لبلدة التوفيقية على مصب نهر السوباط , و أن هذه ارض الشلك .
و أنا لا اقول هذا لأن ابنائي يحملون دماء الشلك . و لكن لأن ماكال هي العاصمة الآن . فأمدرمان هي العاصمة الوطنية و هي اكبر مدينة في السودان . و لكن لا يصح الحديث عن لمن تتبع امدرمان . فحتى الجموعية و الجميعاب , أهل امدرمان الاصليين , لا يطالبون بأخراج الاخرين منها . و كان لكثير من الدينكا احسن المنازل في امدرمان و كانوا من أروع الاسر الامدرمانية التي يشار اليها بالبنان .
في حديثي البارحة على الاسكايب مع احد ابناء الدينكا في جوبا , طلبت منه أن يبلغ تحياتي للأخ الحبيب عيسى عبد الرحمن سولي أبن العم عبد الرحمن سولي احد زعماء الباريا و خال الاخت اقنس لكودو والي جوبا , و عيسى كان جاري في الفصل , و سريره يجاور سريري في عنبر الداخلية و كنا لا نفترق فى فترة الصبا . و في محادثة البارحة تطرقنا الى المشاكل التي ظهرت في جوبا الآن, و الاحتكاكات القبلية . و الاخ الدينكاوي كان يقول ان جوبا ليست تابعة للباريا , لأنها قد انشأت في بداية التركية على ايدي جنود من قبائل مختلفة اهمهم الدينكا و النوبة .
جوبا تقع في منطقة ذبابة التسي تسي , و لا يمكن ان يكون للدينكا وجود في جوبا قديماً لأن الدينكا رعاة بقر , و الابقار لا تعيش في منطقة الذبابة . و تواجد الدينكا انحصر في جنوب بور . و لم يبلغ حتى تركاكا التي هي في شمال جوبا .
من الاشياء المؤلمة كذلك , أنه في انتفاضة الجنوب في سنة 1955 , و بالرغم من الدينكا ساعدوا في استتباب الامن خاصة في بحر الغزال , ألا ان الجنود و صف الضباط من الدينكا رفضوا تقبل الاوامر ممن كان أعلى رتبة منهم , لأنه من الجور . و كلمة جور تعني الغريب . و هذه كلمة اقصائية . و بعض الدنيكا كانوا يقولون ان البشر ينقسمون الى اثنين , الناس الطوال مثل الدينكا و الآخرون . أو من يمتلكون الابقار مثل الدينكا و من يمتلكون الاغنام و يزرعون سفوح الجبال و المرتفعات مثل الجور . هذه الأفكار عتيقة و يجب محاربتها .انا اقول هذا لاننى تعلمت الصدق والامانه وقول الحق من الدينكا . ولا اتوقع مكافأه او ثناءً من احد . .
في حديثي مع احد الاخوة الاطباءمن الاخوة الدينكا قبل شهور , و هو مدير مستشفى يرول , قلت له مازحاً أن دينكا قوقريال كانوا يمازحون أهل يرول بأنهم ليسوا بدينكا اصليين نسبة لأختلاطهم . و لقد احببت يرول في صغري فلقد كنا نمر بها باللواري في طريقنا الى الباخرة من رومبيك . و كنا نتوقف في سوقها العامر . و في دكان العم الزبير صالح . و كانت بلدة منفتحة تضم كل قبائل الجنوب .
حتى بعض الدينكا كانوا يقولون ان دينكا بور ليسوا بدينكا اصيلين , لأنهم لا يلتزمون بالشلوخ او نزع الاسنان الامامية . و لكن هذا الاحساس تغير الان . فمع الزمن عرف الناس أن نزع الاسنان الامامية خطأ . مثل الشلوخ و ختان الاناث الذي لا نزال نعاني منه في الشمال . فمشكلة الدول الافريقية جميعاً هو اننا لم نفشل فقط في ان نطور بلادنا , بل أن نحافظ على ما ورثناه , من استقرار و معقولية بعد الاستقلال . الحصول على الاستقلال اسهل من المحافظه عليه وتنميه البلد . .
حتى الاخوة النوير , الذين يعيشون ككتلة واحدة و لا تفصلهم أي قبائل اخرى , كان يؤلمني ان احس انهم يفرقون بعضهم البعض . و يقسمون انفسهم الى ثلاثة مجموعات كبيرة : ناصر , نوير لاو و نوير بانتيو . فلتمت القبيلة لكي تعيش الامة . و لننسى مرارات الماضي . فبعض الدينكا لا يزال يتذكر جزيرة الزراف . التي انتزعها النوير من الدينكا , بالرغم ان للدينكا هرم مقدس في جزيرة الزراف . و هي منطقة ضخمة , يحدها نهر السوباط من الشمال . فأهلنا الدينكا بادنانق بكل فروعهم من اكون و ابالانق و فلوج و الاخرين , قد انتقلوا الى شمال اعالي النيل من منطقة التونج . فلننسى مرارات الماضي و نركز على الحاضر و المستقبل .
مجتمع الدينكا و مجتمع شمال السودان قديماً , اعطى مساحة ضخمة للنساء , و لا يزال لحسن الحظ للمرأة عند الدينكا مكانة اجتماعية عالية . و لهذا تدفع عشرات الابقار أو مائة رأس من البقر كمهر . و لكن لسوء الحظ كما في الشمال لا نرى المرأة الدينكاوية لا تجد تمثيلاً ملائماً في الحكم الحاضر . و يجب ان تكون للمرأة في جنوب السودان وضعاً مميزاً في الحكم و الحكومة .
عندما طالب اهلنا النقوك بالسلاح , من الزعيم جونق قرنق , لكي يواجهوا تغول المسيرية , قال لهم قرنق نحن الدينكا قد نحارب ابناء عمومتنا و لكن لا نحارب ابدا ابناء اختنا . و من البقارة من هم ابناء اخواتكم . و هذا هو الوضع المميز للمرأة في المجتمع النوبي و مجتمعات جنوب السودان . فحتى وسط الزاندي كما في شمال السودان كذلك , فأن الرجل يكون مرتبطاً بأهل زوجتة أكثر من ارتباطة بأهله . و غالباً ما يعيش الانسان مع اهل زوجته . اذا توفى احد اقرباء رجال الزاندي أو اذا توفى والده , و تصادف وفاة والد زوجته , فأنه يكون متواجداً مع أهل زوجته , كنوع من الاحترام للمرأة .
انا لا اريد ان اتطاول , و لكن اظن ان حبي لكم يعطيني الحق ان الفت نظركم , لأن اهلنا خاصة مقاتلي جبال النوبة قد اشتكوا في ايام حرب التحرير بأن بعض الدينكا لم يكونوا يعاملونهم كرفاق سلاح , بل ان بعض الدينكا كان يطلبون منهم ان يقوموا بأعمال خدم المنازل , و هذا ليس بالشئ الجيد . و لقد ترك مرارات عند النوبه .
بعض اهل الشمال و خاصة أهل الانقاذ, سيسعدون جداً في اثارة النعرات و الحروب في الجنوب . وهذا يحدث الآن . لأن قانون السياسة يقول : ان جارك القوي سيسبب لك خطراً دائماً . فليلتفت الدينكا لهذه المؤامرة . أقول انا هذا , و قلبي مفعم بالحب للدينكا . و لقد كتبت قديماً و قلت أنني كثيراً ما قد تمنين ان اكون من الدينكا , نسبة لأمانتهم و صدقهم و روحهم الجميلة و هدوئهم الطبيعي , و شخصيتهم المتزنة و بعدهم عن الحدة و التشنج . و ثلاثة من ابنائي يحملون اسماء دينكاوية تخليداً لأخوة من الدينكا غادروا هذه الدنيا .
لقد كتبت وقلت على رؤوس الاشهاد اننى كشمالى اؤمن بأن ابيي هى ارض النوك وان الكلمه تعنى الجميز . واقول الآن ان للمسيريه اللذين وجدوا وعاشوا فى هذه المنطقه حق فى التواجد فيها ، طالما احترموا قوانين البلد . وهنالك قبائل فى شمال اعالى النيل قد تواجدت لما يقارب قرن من الزمان واختلطوا وتزاوجوا بالدينكا والشلك . وهم السليم والبزعه والصبحه ونزى ورفاعه . وبعضهم قد عاش فى هذه المنطقه لاربعه اجيال . من الخطأ مطاردتهم او طردهم .
لقد سقى هؤلاء الناس الارض بعرقهم وبدمائهم كما حدث فى حوادث جوده ضد ظلم وتسلط الحكومه الانتقاليه . ومن مصلحه الجنوب ان يحتفظ بكل الايادى العامله المنتجه . خاصه الطبقه الوسطى ، لانه لا يمكن لاى دوله ان تتقدم بدون الطبقه الوسطى . وهذه غلطه الاتحاد السوفيتى وغلطه عيدى امين .
لقد احسست بالحساسية التي تربط الدينكا و النوير حتى في امدرمان . و في بعض الاحيان كان النوير الذين يعملون في اعمال البناء لا يرحبون بوجود الدينكا وسطهم . و هذا غريب لأنه ليس هنالك ما يفرق الدينكا من النوير، فلهم نفس الشكل و نفس الشلوخ و يشتركون في العادات . و حسب قصص التراث فأن والدهم واحد, و عندما كان والدهم في فراش الموت أمر بالعجلة لأبنه نوير ، والبقره الى ابنه جانق . و لكن جانق اخذ البقرة المسنة و العجلة , فقال والده لا تحزن سينهب ابناءك ابقار الدينكا .
أذكر أن الكجور داك ديو كان مسجوناً في منزل خارج سجن ما كال بالقرب من مدرستنا, في اصوصا , و ليس بعيداً من منزل رث الشلك , الذي كان له حيطان من مادة تشبه الالمونيوم . داك ديو قاد حملات اغارة على الدينكا . و لقد اعتقل بعد جهد , إلا انه هرب اثناء انتفاضة الجنوبيين في 1955 و رجع الى موطنه بالقرب من مركز فنقاك الزراف غرب النوير . و أعيد بعد جهد بواسطة الجيش , الى سجنه بعد ان تسبب بكثير من الاضرار . هذه اساطير الماضي يجب ان لا تحكمنا اليوم . فليكن الجميع مواطنين متساويين فى جمهوريه العدل والمساواه . .
انا في الثالثه عشر من عمري , شاهدت جماجم , خارج بلدة لوكونقلي , بين البيبور و اكوبو و كان بعضها لا يزال يحمل اثار شلوخ النوير على الجبهه و كان هذا بسبب الغارات التي كانت تحدث بين المورلي و النوير . و هذه من الاشياء المؤلمة . و كان الذي يؤلمني أكثر الصراعات بين الشلك و النوير و الدينكا , بالرغم من أن لغة الثلاثة مفهموة للأخرين مع اختلافات طفيفة . و يشتركون في التقاليد و التراث . فيجب ان ينتبه الجنوبيون لأن هنالك من يتربص بأستقلالهم . و حتى في الستينات عندما كنا ندعوا لتقرير المصير للجنوبين كنا نسمع بأن الجنوبيين قبائل متخلفة , لا هم لهم سوى القتل و سفك الدماء , و أنهم ليسوا بقادرين على ان يحكموا انفسهم . و عندما اسمع او اشاهد مذابح اكوبو الاخيرة بين المورلي و النوير متجددة , و اشاهد مذابح اعالي النيل الان , و التي تغذيها الانقاذ أحس بالتمزق . كنا نقول ان هذا ما كان يردده الانجليز و عن الشماليين . و حتى المصريون كانوا يرددون و يوقولون ان البرابرة متخلفون و متوحشون و لا يستطيعون ان يحكموا انفسهم .
يا ابناء جانق , كما تعرفون انني لكم من المحبين و اتنمى ان اكون لكم من الناصحين . فتذكروا هذه الجملة , و تذكروا جملة منصور خالد , (خذوا الذي لكم و اعطوا الذي عليكم ان اردتم الا يفسد تدبيركم) . ان السلطة تسكر فلا تشمتوا علينا العالم .
التحية ع س شوقي بدري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.