تقرير: عادل حسون يفترض أن تبدأ الثلاثاء 29 مايو المحادثات التي تهدف لوضع نهاية للعمليات العسكرية وتسوية النزاعات المعلقة بين دولتي السودان. هذا الموعد "الغالي" لكلا البلدين والمحبين للسلام اقتنصه وسيط الاتحاد الأفريقي الرئيس مبيكي بعد رحلات دبلوماسية المكوك التي نفذها وفريقه بين الخرطوموجوبا. قال مبيكي بعد عودته للمرة الثانية إلى الخرطوم في بحر يومين "أن الطرفين المفاوضين بعد قبول رئيسي البلدين البشير وسلفا كير التفاوض السلمي سيبحثون كل مكونات القرارات التي أصدرها الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي". القرارات التي عناها الحكيم الجنوب أفريقي هي التي أثارت ضجة عظيمة في الخرطوم بين البرلمان ووزارة الخارجية واتحادات الفئويين المرأة والطلاب وكل من دلى بدلو عنها. ويخشى الاتحاد الأفريقي ودول غربية من أن تؤدي الاشتباكات الحدودية المتقطعة إلى "عودة الجانبين إلى الحرب".. ذكرت ال(بي. بي. سي)، التي رجحت تصدر طاولة التفاوض بين ممثلي البلدين أجندة "الملف الأمني ورسوم عبور النفط من الجنوب إلى الشمال والمناطق الحدودية المتنازع عليها". من غير المفيد الدوران الذاتي المجنون حول قرار مجلس الأمن الأخير (2946) في 2 مايو بعدما صار واقعاً ووافقت على "الصياغة الأمريكية له"، كلا من أصدقاء الخرطومروسيا والصين- القرار وصفه الموصوف بحمامة السلام غازي صلاح الدين العتباني بما يصدر منه في مقالاته وتصريحاته- ب"الخبيث والمدّمر للسودان". كان رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الوطني الحاكم يعبّر عن تيار قوي خارج البرلمان يمتلك حزباً وصحيفة سارتا بذكرهما الركبان يكاد أصحابه يتميزون غيظاً كلما رأوا الوزير الرئاسي إدريس عبد القادر ووفده المفاوض يصعد إلى أديس أبابا للتفاوض بإسم السودان. لكنه بعد عن إقناع مستمعيه عن خبث القرار وقد قبله الوزير "التنفيذي" للخارجية علي كرتي بثقة واطمئنان. سيأتي وفد الخرطوم إلى أديس والرئيس البشير من خلفه يشدد ويؤكد "الأمن أولاً". سيأتي الدبلوماسي ورجل المخابرات السابق إدريس عبد القادر- وفق ما أعلن في الخرطوم عن سفره وفريقه نهار الأحد- وفي ذهنه رفض البرلمان وزعيم الأغلبية فيه (العتباني) لما قبلته الحكومة وحصر إدريس وصحبه بالتبعية في خانة الخونة والمفرطين في مصلحة السودان. أقصى ما أخاف البرلمان الذي أجاز بيان قبول وزير الخارجية للقرار الدولي في جلسة له عاصفة بتحفظات صدّرها بعدم الاعتراف القانوني بالحركة الشعبية الشمالية، أن تصدر عقوبات دولية جديدة على السودان تطيح بأحلام محمد أحمد رجل الشارع السوداني البسيط في أوان الربيع العربي فتشعل الثورة على الحكومة وبرلمانها (المنتخب). لكنه لم تصدر عقوبات اقتصادية ودبلوماسية بعد على أي من دولتي السودان من قبل مجلس الأمن الدولي حال الإخفاق في التوصل إلى استئناف التفاوض السلمي بينهما خلال أسبوعين (انتهت في 21 مايو) كما جاء في منطوق القرار الدولي الصادر من مقر الأم المتحدة بنيويورك مطلع الشهر نفسه. المفاوض السوداني ذهنه مستوعب جيداً لقصة "أبيي" كعب أخيل الأخير ومفجّرة الحرب الشاملة القادمة إن نشبت بين السودانين برافعتي مصالح السكان المحليين وغنى المنطقة بآبار البترول. فالقرار الدولي الذي أحدث صراخاً عظيماً في الخرطوم من قبل البعض تحدث أيضاً عن سحب قوات الجانبين من أبيي ووقف العمليات الحربية فوراً. وبينما تحقق الشرط الأخير وبينما تظاهر الجنوب بسحب قوات الشرطة من أبيي تلكأت الخرطوم بدعوى الانسحاب وفق ترتيبات إدارية تحفظ أمن المنطقة. الترتيبات عينها من شغل الثلاثة ألف جندي من القوات الإثيوبية التي أرسلت إلى المنطقة من أتفاق تحت سقف مقر الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا نشر ثلاثة أرباعها حتى الآن. السفيرة سوزان رايس ممثلة أميركا في الأممالمتحدة أعلنت- وفقا لموقع سودان سفاري- أن المجتمع الدولي تأكد من سحب الجنوب لقواته من أبيي (تلك المئات من جنود الشرطة قليلو التدريب وضعيفو التسليح- يصفها محرر الموقع القريب إلى دوائر استخبارية)، وأن هذا الانسحاب جاء متسقاً مع قرار مجلس الأمن تقول رايس. رايس أضافت أن الأعضاء ال 15 بمجلس الأمن الدولي ينتظرون من الخرطوم "سحب قواتها الآن". حسناً، سيأتي وفد جوبا بقيادة الوزير المتقدم في الهيكلية القيادية للحركة الشعبية الجنوبية باقان أموم بالطائرات التي تحمل شعار المنظمة الدولية للأمم، وبكثير من أوراق الحواة. ليس لجوبا منظومة طيران رئاسي أو مدني تجاري بعد فدولة جنوب السودان الوليدة لبضع شهور لتحبو فتمشي، لكنها في الأثناء عليها أيضاً التعامل بعناية مع بضع ملايين من المهجّرين داخليا واللاجئين الجنوبيين من الجوار (السودان) وما يكفي فقط لتغطية 7 أشهر من الغذاء تحت بقاء نصف عدد السكان البالغ عددهم 10 ملايين تحت خطر الموت جوعاً. تحدي بناء دولة حديثة النظم والهياكل ومحاربة تمرد داخلي في أعالي النيل الكبرى وعيث فساد من جيش الرب الأوغندي الذي يتغشى الأراضي الجنوبسودانية حين إجرامه. سيأتي الوفد الجنوبي بأوراق التحالف السوداني (الشمالي) الذي يضم الحركة الشعبية الشمالية وحركات دارفور المتمردة غير المعترف به من "برلمان" الخرطوم المرحب به في جوبا. وبعروض حول البترول قد تزيد أو تقل عن الرقم التوافقي المرجى بين مطالبة السودان 36 دولار للبرميل في مقابل 70 سنتاً للبرميل من عرض الجنوب رسوماً لعمليات البترول. مضت ثلاثة أشهر منذ توقف جميع ضخ النفط من دولة جنوب السودان في فبراير الماضي وخرجت دولة جنوب السودان من نعيم تدفقات نقدية دورية وشهد شاهدٌ من أهلها فالمبعوث الأمريكي السابق للسلام في السودان أندرو ناسيوس يكشف في مقالته التي دعا فيها أميركا تسليح جنوب السودان بأسلحة مضادة للطائرات لوقف هجمات سلاح الجو السوداني- ترجمة غانم سليمان- (الواشنطن بوست)- عن قلقه من صواب اختيار الجنوبيين وقف تدفق دولارات النفط للبلدين. ليس هذا فحسب فكل هذه المنطقة المتأثرة بالحرب بين السودان هي منطقة (ثراء استراتيجي). ويرى في معنى ذلك السر سيد أحمد الصحفي ومستشار الإعلام بوزارة النفط في مقالته (موسم الهجرة إلى شرق إفريقية) تصاعد بالاهتمام بما يجري في إقليم شرق أفريقيا من اكتشافات للنفط والغاز وجدت التعبير السياسي عنها في الزيارة الغير المسبوقة لوزير الخارجية البريطاني وليام هيج إلى الصومال، وهي زيارة لم تشهد مثلها البلاد لمسئول غربي بهذا المستوى لأكثر من ثلاثة عقود من الزمان. الشركات الأجنبية والغربية تحديدا ستبذل جهدا كبيرا لتحويل هذه الاكتشافات إلى واقع من باب تأسيس منطقة جديدة لإمدادات الطاقة يمكن أن تكون أقل تأثرا بعمليات التوتر التي تشهدها منطقة الخليج، خزان النفط الرئيس في العالم. وأهم من ذلك موقعها الجغرافي الذي يجعلها تتجاوز مضيق هرمز، الذي تمر عبره نسبة مقدرة من تجارة النفط العالمية. تزايد احتمالات زيادة التوتر في ظل المواجهة المتصاعدة مع إيران يمكن أن تعطي شرق أفريقيا أهمية أضافية، وذلك حتى إذا لم تشكل هذه المنطقة بديلا لنفط الخليج من ناحية الحجم كما يأمل البعض مثل الأمريكان الذين يودوا أن يروا ربع وارداتهم النفطية على الأقل تأتيهم من أفريقيا. والأمر كذلك لدى أحمد الذي يرى أنه ولذلك فأن احتمال التطوير للصناعة النفطية في شرق أفريقيا يلقي بظلاله على السودان من عدة جوانب: أولاهما أن هذه المنطقة ستكتسب ثقلا سياسيا واقتصاديا إضافيا يتطلب نقلة نوعية في التعامل معها. إلى الشمال، ولهذا يتم استخدام محطتين أو ثلاثة فقط من كل محطات الرفع الست في خط الأنابيب الناقل من هجليج إلى ميناء بشائر على ساحل البحر الأحمر على مسافة 1610 كيلومترا. من تلك الرؤية الاقتصادية يتوقع أن يتحرك السودان إلى مفاوضات أديس الجديدة لكن السر سيد يرهن "التحدي الجديد حيث تتهيأ منطقة شرق أفريقيا لاستقبال طفرة اقتصادية ونفطية" بالخروج من "العقلية المتخندقة وراء نظريات المؤامرة والاستهداف". ويأسف أن في الغضون "بتواصل الاستنزاف بين السودان وجنوب السودان". كلا العاصمتين جوباوالخرطوم ينوء حمل وعقل مفاوضيها حقائق الأوضاع الداخلية التي يجيئا للتعبير عن مصالحها بأكثر من حمل حقائب أعضاء الوفد الشخصية. فالملفات الأمنية والبترول والحدود وما خفي أعظم من الألغام العالقة في طريق المستقبل الذي هو مستحق للإنسان في الطرفين ستجعل من عضوية الوفدين المتفاوضين وإذ هم كالحواة إلا أنهم كالأنبياء لدى شعوبهم. فالشعوب في البلدين تنظر إليهم من خلفهم بترقب ولهفة شديدين. يخشى عبد الوهاب الأفندي الأكاديمي والإعلامي السوداني في مقالته ب(القدس العربي) اللندنية متأسفاً على اتخاذ الحرب بين دولتي السودان "بعدا دينيا" جديدا هذه المرة من جوبا حين ادخل الرئيس الجنوبي كير المسيحية في الحرب. معبّرا بأن حربه مع الشمال هي في الحقيقة حرب ضد انتشار الإسلام والتعريب جنوب السافنا الإفريقية. ويرى الأفندي أن الحكمة مقاومة إغراء استخدام "التجييش الديني" في أمور لا علاقة للدين بها. ففي الجنوب مسلمون كثر يجب مراعاة مشاعرهم ومصالحهم، كما أن كثيراً من أهل الشمال، بمن فيهم "إسلاميون" كثر، لا يوافقون الحكومة سياستها التي تستخدم الخطاب الديني في غير موضعه كما يرون. ولعل في كل هذا تذكير بأن شعبي البلدين أحوج ما يكونان إلى تغيير في عاصمة كل منهما. فإنه يجب أن يكون تغييراً في السياسات، وإلا فلا بد من أن يكون فيمن يصنعونها. ذلك أن تكلفة بقاء هؤلاء في السلطة في ارتفاع مستمر يضارع ارتفاع سعر الدولار على حساب العملات المحلية في البلدين!.. يخلص الأفندي ساخرا. إذ أزمة الدولار لدى الخروفين الضالين (جوباوالخرطوم) ربما تدفعهما إلى توقيع اتفاق عاجل في ملف البترول ورسوم عبور النفط بعد خسارة البلدين لبضع مئات ملايين الدولارات يومياً يتنزل برداً وسلاماً على "الجوعى" في الجنوب و"الغلابة" في الشمال. في مدى حدوث ذلك وبظّن حسم سريع لملف الأمن بعدما تردد عن عدم ممانعة مبدئية من كلا العاصمتين على فرض نطاق جغرافي عازل يمتد إلى مسافة 10 كم إلى العمق من حدود كلا منهما، عثرت على سخرية جدة مرة أخرى. إذ يقول أستاذ السياسة بالجامعات السودانية د. صلاح الدين الدومة في إفادات عبر الهاتف في الخرطوم أمس أن البلدين "حق تضررهما خصوصا الفقراء والشرائح الضعيفة ولكن المسئولين في البلدين انتهبوا ما يكفيهم لعقود من السنين وبالتالي يصبح المتضرر الحقيقي من الحرب بين البلدين هما البروليتاريا من السودانيين في الجانبين". الدومة يحدد اضطرابا في أولويات كل طرف في العملية التي ستجري في أديس أبابا إذ أن "الإنقاذ" ذكرت أن جندها الأول الترتيبات الأمنية بينما الجنوبيين حددوا جندهم الأول بالنفط والحدود والوسطاء إيقاد وأصدقاء إيقاد ومجلس الأمن الأفريقي اقترحوا المنطقة العازلة ولماذا كان ذلك، حتى يتواءم مع مقترح الإنقاذ (يقصد الحكومة السودانية) لأن المنطقة العازلة ستضمن للسودان عدم انطلاق هجمات من حركات دارفور المسلحة في جنوب السودان أو هجوم الفرقتين التاسعة والعاشرة من الجيش الشعبي الجنوبي في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق السودانين. لكن الخبير في العلوم السياسية يشكك في أن يصل المتفاوضين إلى اتفاق. ورأى في ورقة علمية أعدها- ولم تنشر- أن مشكلة أبيي لا تحل إلا بإعادة الوحدة بين السودانين بأي شكل من الأشكال. لأن "كل طرف يتمسك بأحقيته فيها". الخبير يكمل بأن بحثه استند على سابقة حديث ضياء الحق في شأن كشمير إذ قال إما أن تكون جزءا من باكستان أو دولة مستقلة ولكن أن تغدو إقليم تابع للهند فالحرب بيننا (الهند وباكستان) ستستمر إلى يوم يبعثون. فأبيي ستكون كشميرا بين الشمال والجنوب وإن لم تحل فالحرب ستستمر إلى يوم الدين.