صدر قرار في بحر الأسبوع المنصرم من وزارة التربية والتعليم ينذر أصحاب المدارس الخاصة ويتوعدهم بعقوبة سحب التراخيص الممنوحة لمدارسهم التي لم تلتزم بقانون فصل الطلاب الذكور عن الطالبات الاناث. وفي نفس البلد "السودان"، وفي نفس الحكومة (حكومة الانقاذ) نجد وزارة التعليم العالي "تجوّز" التعليم المختلط بين البنات والأولاد في مراحل التعليم العالي. فما هذه التشريعات المضطربة؟ ومن أين تؤخذ هذه المواقف المتضاربة وعلى أي الأسس تُبنى؟؟ إن أي تشريع أو قانون إنما يصدر على أساس فكري متين، مبني على نظرة الناس للحياة، ففي الدول الغربية مثلا نجد التعليم مختلطاً من مدارس الأساس وحتى الجامعات، ونجد أن هذا القانون ينسجم مع وجهة نظرهم للحياة، إذ ان الحياة عندهم انما هي للاستمتاع والحصول على اكبر قسط منه يحقق لهم السعادة كما يظنون، والاختلاط بين الجنسين في نظرهم يحقق لهم ذلك، حيث وجود الولد في وسط مجتمع البنات، ووجود النساء وسط المجتمع الرجالي يمكنهم من التعرف على بعضهم البعض بشكل أوثق ،و كما ويمكن لكل منهم التعرف على أكبر عدد من الجنس الآخر، وهذا برأي المجتمع الغربي يساعدهم في تحقيق أكبر قدر من المتع الجسدية، وهو أمر يتماشى مع وجهة النظر الرأسمالية للحياة. ولكن الذين شرعوا لنا منع الاختلاط بين الأولاد والبنات وفي سن الطفولة الذي لا يعرفون فيها الفوارق بين البنات والأولاد إلا في الشكل والزي فقط، وأباحوا الاختلاط حينما يكبر الأولاد والبنات ويصلوا سن المراهقة؛ السن الذي يبرز فيها علاقة الذكورة والأنوثة بصورة قوية، أقول إن الذين شرعوا هذه التشريعات، فعلى اي أساس فكري استندوا في هذا التشريع، واي وجهة نظر للحياة يريدون أن يحققوها؟! إن المدقق في هذا الأمر يجد أنه سائر على الطراز الذي وضعه الانجليز ابان استعمارهم السودان، وانهم -أي الانجليز- بالرغم من تبنيهم وجهة النظر الغربية عن الحياة، والتي تقضي بأن يكون التعليم مختلطاً، إلا أنهم اسطحبوا العادات والتقاليد عند أهل السودان؛ والذين جلهم من المسلمين والتي لا تقبل اختلاط الرجال بالنساء، ولكن الانجليز كانوا محتاجين لنشر التعليم في السودان، لذلك حينما أنشأوا المدارس كان لا بد لهم من استصحاب عادات وتقاليد أهل السودان ففصلوا الجنسين في التعليم في مدارس الأساس والثانوي، وسمحوا به في الجامعات، حيث انخرطت فيه بنات الذين تخرجوا من المدارس التي انشأها الانجليز دون أن يشعروا بأي نوع من الحرج أو التناقض.وصار الحال بهذا المنوال إلى يومنا هذا، دون أن نفكر أو نشعر بأي نوع من التناقض في الفصل بين البنات والأولاد في المراحل الأولية من التعليم والاختلاط في الجامعات. من المنطق أن يحصل العكس تماماً، ولكن فقدان البوصلة التي نهتدي بها قد أوصلنا الى هذا الحال، نحن نريد قوانين وتشريعات مبنية على أساس فكري صحيح، فتنشأ بموجبه قوانين ومعالجات للقضايا تحقق لنا وجهة نظرنا في الحياة فيكون القانون عندنا مقدساً نطبقه بدافع تقوى الله لا أن نحتاج لأكثر من عشر سنوات، فالخمر حينما حرمت لم يحتاج تطبيق حكمها إلا الى وصول الخبر بإعلان التحريم فامتلأت شوارع المدينةالمنورة وقتذاك بالخمور المدفقة والقضاء عليها. وكذلك نحتاج معالجات صادقة تنطبق على الواقع، مصدرها من حكيم خبير عليم بأحوال الناس فتستقيم حياتنا وننطلق من رقي إلى أرقى. إن الحياة الإسلامية، وهي عيش المسلمين في أحوالهم عامة، ثابت بالنصوص الشرعية في القرآن والسنة أن الرجال ينفصلون فيها عن النساء، سواء في الحياة الخاصة في البيوت وما شاكلها، أو في الحياة العامة في الأسواق والطرقات والمدارس وما شابهها، ولا يستثنى من ذلك إلا ما جاء الشارع بجواز الاجتماع فيه سواء في الحياة الخاصة، أو في الحياة العامة وهذا فوق كونه ثابتاً من مجموع الأحكام الشرعية المتعلقة بالرجل، والمتعلقة بالمرأة، والمتعلقة بهما، وثابتاً من مخاطبة القرآن للنساء بوصفهن نساء، وللرجال بوصفهم رجالاً، فإنه مروي بشكل عملي، وبشكل جماعي من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وفي جميع عصور الإسلام.