المثل الشائع يقول : (الفيل تمخض فأراً) دلالة للنفخة بالرغم من كبر حجم الفيل لكنه لم يتمخض فيلاً بل تمخض فأر صغير, فبالمقابل شبَّهنا القوى السياسية بالديناصورات بالرغم من إنقراض الديناصورات فى عصور ما قبل الميلاد أو فى العصر الجليدى الأول , الديناصور لا يلد إلا ديناصوراً صغير كما الفيل لا يلد إلا فيلاً, أما أن يلد الديناصور فأر فهذا غريب فى عالم الأحياء, ولأن كل ما تخرج لنا الأحزاب السياسية السودانية ببرنامج لإسقاط نظام البشير ينقرض بسرعة كما إنقرضت الديناصورات, فمنذ الإنقلاب المشؤوم للحركة الإسلامية ظلت القوى السياسية تراهن على إسقاط النظام بدون جدوى بل أفقدت عضويتها الثقة فيها وأصبح الشعب السودانى لا يثق فى هذه القوى السياسية, ويرجع السبب لعدم توفر أدوات الفعل السياسى والتفاعل مع قضايا الجماهير والبطش الذى يقوم به النظام عبر أجهزته الأمنية فالقوى السياسية أصبحت اليوم أقرب إلى الإنقراض تمارس علاقات عامة مع بعضها البعض وتتواصل مع النظام عبر علاقات إقتصاد الريع العشائرى والرشاوى التى يقدمها النظام لإستقطاب بعض رموز القوى السياسية فى مواقف يتناقلها الشعب فى الأماكن الخاصة والعامة وحتى فى الأفراح والأتراح فإذا كانت السياسة تنبنى على القيم والمبادىء فهى لا تتوفر عند القوى السياسية, والحزب الذى لا تتوفر فيه الديمقراطية والعدالة والمساواة ولا يمارسها فى مؤسساته الداخلية لا يمكن ان يمارسها من خلال السلطة والدولة, فكيف للشعب ان يثق فى تنظيمات ضعيفة لا تستطيع أن تدافع عن نفسها ناهيك عن تدافع عن قضايا الشعب, لقد فقد الشعب الثقة فى الحكومة والقوى السياسية , صدقونى الآن الشعب يثق فى الجبهة الثورية والجبهة السودانية العريضة أكثر من القوى السياسية, والإستطلاع الأخير الذى قامت به جماعة سرية شبابية - كشف حجم الثقة والتأييد الذى يؤيد الجبهة الثورية, ولأن الشعب السودانى قد جرَّب القوى السياسية عبر الديمقراطية التى لم تستطيع الحفاظ عليها. ان البرنامج الذى خرجت به القوى السياسية كبديل للنظام بعد سقوط البشير ونظامه نتفق مع بعض النقاط فيه ونختلف مع بعض النقاط, سوف نناقش نقاط الإختلاف فقط وننتظر ما يستحدث من نقاط الإتفاق لأننا فقدنا الثقة فى القوى السياسية والتكتيكات التى تمارسها تجعلنا نغض الطرف بالحكم والجزم لان مواقفها دائماً غير ثابتة ومتبدلة, ان برنامج القوى السياسية مكتوب على الورق وغير واضح المعالم, السؤال: لماذا تسرعت القوى السياسية ولماذا تستعجل لإستقطاب الشعب ؟ وماذا تفعل إذا أقدمت الحكومة لمفاوضات الجبهة الثورية وقدمت لها تنازلات كبيرة كما حدث فى نيفاشا ؟ طبعاً ببساطة سيقولون عبر أجهزة الإعلام نحن ضد الإتفاق لأنه قسم الكيكة بين طرفين, وهى إتفاقية ثنائية ... ألخ , وعلى القوى السياسية ان تطور من فهمها لقضية السودان وان ترتقى لخطاب القضية السودانية ومن المؤسف جداً ان تطرح القوى السياسية برنامج سياسى لا تذكر فيه كلمة هامش وفى إعتقادى ان مشكلة السودان هى بين (المركز والهامش), والقوى السياسية جزء من الأزمة السياسية فى السودان وهى تتحمَّل جزء كبير من أسباب المشاكل فى السودان وللأمانة والتاريخ المؤتمر الوطنى ورث مشاكل السودان وأزَّمها وأدخلها فى نفق مظلم والحسنة الوحيدة التى تحسب له إتفاقية نيفاشا وكان هدفه منها فصل الجنوب والإنفراد بالحكم وقهر الشعب السودانى, لكن أتت الرياح بما لا تشتهى سفينة المؤتمر الوطنى فالقوى السياسية تتحمل المسئولية الأكبر لأنها لم تعالج مشكلة الحكم فى السودان بعد الإستقلال مباشرة ولم تدير التنوع بما يخدم شعب السودان بل ساهمت كل الأحزاب فى دعم النظم الديكتاتورية فى السودان (الشيوعيين مع نميرى – حزب الأمة بخروجه من التجمع الوطنى الديمقراطى وتسليح قبائل المراحيل العربية – الإتحادى الديمقراطى تم إستقطابه عبر الإنشقاقات وإنضم إلى المؤتمر الوطنى عبر جناح الهندى والدقير والحسنة الوحيدة التى تحسب للإتحادى الديمقراطى سعيهم لحل مشكلة السودان عبر إتفاقية الميرغنى – قرنق) . أما المؤتمر الشعبى فيحسب له النصيب الأكبر لان زعيمه حسن الترابى هو مهندس إنقلاب الإنقاذ المشؤوم وكبيرهم الذى علمهم السحر, الأحزاب السودانية لم تراعى قضية السودان لضعف أجهزتها ومراكزها الإستراتيجية لتحليل قضية الحكم والصراع فى السودان التى أشرنا إليها سابقاً (مركز – هامش) ولا زالت تقاتل عبر سياسة التنصل من المسئوليات وتسعى لتثبيت مسئولية الحكم فى السودان عبر النظام المر كزى وتراوغ وتمارس التكتيك بتبنى النظام الفيدرالى للأقاليم السودانية, أما فى إطار الإصلاحات الهيكلية التى تريدها فى بناء قوات الجيش السودانى الذى يسمى قوات الشعب المسلحة التى ظلت طيلة تاريخها تقتل وتحرق الشعب السودانى فلم نرى فى يوم من الأيام ان القوات السودانية تقاتلت مع دولة أخرى السؤال : كيف تسمى بقوات الشعب المسلحة وهى تقتل الشعب الذى تنتمى إليه ؟ فكيف للقوى السياسية هيكلة الجيش وهى تعلم إن هنالك أكثر من مائة ألف مقاتل ينتمون إلى الجبهة الثورية السودانية التى ذكرتها فى بيانها الإصلاحى (الحركات المسلحة) بصلف وإستعلاء لأن المبادىء السياسية تجعلك أن تحترم الآخرين فى ماذا يريدون أو يسمون أنفسهم فكلمة الحركات المسلحة التى وردت فى بيان القوى السياسية فيه إستعلاء وتقليل . نداء : يا سيادة وقادة القوى السياسية لا يوجد شىء إسمه الحركات المسلحة بل توجد الجبهة الثورية فكان على القوى السياسية ان تذكر فى بيانها الجبهة الثورية ثم الحركات المسلحة الأخرى التى لم تنضم إلى لواء الجبهة الثورية, ان القوى السياسية سرقت برنامج الجبهة الوطنية العريضة التى يترأسها الأستاذ / على محمود حسنين التى تنادى بستة نواب للرئيس يمثلون أقاليم السودان والحسنة الوحيدة التى جائت بها القوى السياسية هى إضافة إمرأة للنواب الستة ليكون العدد سبعة وهذه حسنة تحسب للقوى السياسية لأن المرأة فى السودان ظلت مهمشة فى المساهمة فى القضايا الوطنية الكبيرة, وبخصوص الفترى الإنتقالية المقترحة فى برنامج القوى السياسية المحددة بثلاثة سنوات نعتقد إنها غير كافية لأن السودان يحتاج لبناء مؤسسات قوية وتثقيف الشعب بالديمقراطية وفوائدها ونقترح أن تكون الفترة على الأقل ما بين عشرة إلى خمسة عشر سنة وكأنما إستعجال القوى السياسية للحكم والسلطة علماً بإن معظم أعمار قادة القوى السياسية أصبح فى نهايته (الأعمار بيد الله) لكن الأمراض المستوطنة فى القوى السياسية السودانية فى حبهم للزعامة وإقصاء الشباب والدماء الجديدة يجعلهم يستعجلون الأمور ولا يحسبون الآثار السالبة التى تصيب السودان من إستعجال القوى السياسية وحبها لكراسى السلطة, وأن تعلم القوى السياسية ان التدهور الإقتصادى الذى يعيشه النظام والذى دفعهم لكتابة البرنامج السياسى للفترة الإنتقالية بعد سقوط البشير ليس من فعلهم أو أدائهم السياسى إنما بسبب فاتورة الحرب الباهظة التى تقوم بها شعوب الهامش عبر نضالات الجبهة الثورية فى جبال النوبة / جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وقطع البترول الذى قامت به حكومة جمهورية جنوب السودان وأسباب أخرى ترتبط بالقوانين الأممية وأوربا وأمريكا, فالدعوة التى تقدمت بها القوى السياسية وأحد الأعضاء المنتمين للجبهة الثورية لجماهير الشعب السودانى للخروج إلى الشارع فيه مخاطرة وخاصة على شعوب الهامش فى الخرطوم لطبيعة نظام المؤتمر الوطنى الدموى والنازى والعنصرى وهو يسعى للتشفى والإنتقام من المجموعات التى تنتمى لجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور ودونكم ما يحدث لثورة طلاب دارفور وجبال النوبة فى الجامعات السودانية من إعتقال وتعذيب وقتل بدم بارد, لم تنجح أى ثورة فى السودان بدون أبناء الهامش وبدون سكان الخرطوم لكن أبناء الهامش أعلنوا ثورتهم عبر النضال المسلح ونعلم ان الفاتورة باهظة الثمن والتكاليف لكن هو الحل الوحيد والسلاح والقوة هى اللغة الوحيدة التى يفهمها النظام فى الخرطوم فإذا كانت القوى السياسية تريد ثورة حقيقية تنقل السودان إلى مصاف الدول المتقدمة التى تحترم حقوق الإنسان وتنتهج برنامج ديمقراطى وعقد إجتماعى يفوض السلطات للقوى السياسية عبر صناديق الإقتراع عليها الإعتذار عن كل المآسى الدموية التى إرتكبتها فى شعوب الهامش وساعتها تزول المواجع ويحس هامش السودان بسودانيته وهويته التاريخية . لماذا تضع القوى السياسية وتبتعد عن مناقشة قضايا لها آثارها على السودان مثل مؤسسة الرق والإسترقاق المنظم والإقصاء الذى مورس قبل وبعد الإستقلال فالمصالحة والإعتراف والحقيقة هى المخل لبناء السودان. ونصيحتى للقوى السياسية والجبهة الثورية والحركات المسلحة ومنظمات المجتمع المدنى وتنظيمات المرأة والشباب إذا أرادت بناء السودان خالياً من الحروب عليها الإعتماد فى بناء الدولة على الآتى : 1/ إستبدال الإشتراطات الخارجية لبناء القدرات الداخلية . 2/ منح القروض والهبات والمنح الحكومية عبر المنظمات الحكومية ومنظمات المجتمع المدنى والهيئات لبناء قدراتها الذاتية دون وضع شروط وعراقيل تكبل العمل المدنى . 3/ الإهتمام بالدراسات الإدارية ومعاهد إدارة الأعمال والقطاع الخاص والعام والحكومى ووضع الإستراتيجيات وفقاً لتدرج الأولويات . 4/ الإهتمام بتصميم الدولة على مستوى المؤسسات تكون من الأعلى إلى المستوى الأدنى . 5/ ربط مؤسسات الدولة بالمفهوم الإدارى والمستوى التشريعى لأن مؤسسات التنظيم الديكتاتورى أقل نموءاً من النظام الديمقراطى الذى يعتبر أكثر إستقراراً ونموءاً إقتصادياً وسنده بقوانين تحارب الجشع والنهب والتقصير وإنعدام الكفاءة ويمكن ببساطة طرد القادة السيئين وعزلهم من مناصبهم عن طريق التصويت الإنتخابى . 6/ إهتمام الدولة بالقيم والمعايير الثقافية السائدة محاربة رأس المالى الإجتماعى ورأس المال الرمزى الذى يؤثر على القيم الثقافية وعلى المؤسسات . 7/ وضع جدول للمؤسسات القابلة للتحول كالإدارة العامة وتصميم المؤسسات الفردية وإدارتها لأنها قابلة للتغيير والتحول فتطور دستور الولاياتالمتحدة يتأثر بالتربية والتعليم التى تنتج قيادات وطنية تتفاعل مع قضايا المجتمعات والأفراد . 8/ الإهتمام بالمحاسبة التاريخية والإستفادة من تجارب الشعوب حول فض النزاعات وإقامة العدل عبر عملية الحقيقة والمصالحة والإعتراف والإعتزار. ان القوى السياسية السودانية فاقت مؤخراً من ثباتها العميق لتعلن برنامجاً للشعب السودانى غير وطنى بقدر ما هو برنامج يُصوِّر السودان وكأنه ضيعة أو ملك (حكر) على البعض, وهذا الإحساس مُضر بالسودان والسودانيين الآن ومستقبلاً, وفى إعتقادنا هذا واحدة من الأسباب الرئيسية للحروبات فى هذه البلاد المكلومة التى نتمنى لها التعافى والمستقبل الزاخر, هذا لا يتأتى إلا بفهم عميق لطبيعة الأزمة وتلمس الجروح الغائرة بمسئولية وتجرد وإيجاد الحلول الناجعة.