كتابة مقالة جيدة وموضوعية ومفيدة للقراء عمل مرهق، ومن لم يدرك ذلك في عمله من كُتّاب المقالات فهو قطعا يسود الورق بالكلمات بأي شيء، حتى ولو بخرافات وأوهام ذاتية!! فما بال أن تكون صاحب صحيفة إليكترونية ضخمة تعني بكل المقالات والخيوط الخ إذن عمل صحيفة اليكترونية بضخامة سودانيزاونلاين عمل مرهق!! في هذه المقالة أود أن أشكر بكري أبو بكر شخصيا ونيابة عن كل السودانيين، ليس فقط للمجهود الذهني والفني الذي يبذله لصالح صحيفته ولصالح السودانيين، بل للموقف الديمقراطي الحقيقي الذي مارسه ويمارسه مع الجميع، وهذه النقطة لا يدركها معظم كتاب الأسافير لأنهم ربما لم يجربوا خبرة الكتابة لعدة صحف إلكترونية أو مطبوعة. ولن تكتشف قيمة بكري وصحيفته سودانيزاونلاين إلا بالتدريج، ومع الوقت تبرز لك قيمة صحيفة سودانيزاونلاين ومنهجها الديمقراطي!! ليس هنالك إنسان محايد!! هذه نقطة لا جدال فيها. البشر يختلفون هكذا خلقهم ربهم وما زالوا مختلفين، وينطبق ذلك على الصحفيين ورؤساء التحرير..لا يوجد صحفي محايد هذه أكذوبة!! فحتى بكري أبو بكر له رؤيته السياسية والأيديولوجية، ولكن العبقرية في بكري وصحيفته أنه لا يفرض ذاته على مقالات القراء مهما كانت ضد قناعاته أو رؤيته السياسة والدينية، فهو يعمل عملا مهنيا محترفا ويضع أمام عينه أن صحيفته لها شخصيتها الاعتبارية، ويفصل ذاته الطبيعية عنها. هذا هي المهنية الحقيقية، وهذه هي الديمقراطية الحقيقية، وإذا رغب الشعب السوداني في الديمقراطية فليتعلمها من سودانيزاونلاين وبكري أبو بكر!! الشعب السوداني لن ينجح ويتجاوز أزمته الحالية إلا ببناء وعاء ديمقراطي حقيقي لم يتحقق بعد!! وهذا الوعاء الديمقراطي الحقيقي مشروط بدوره ولن يتحقق إلا داخل بناء (بنية) دولة مدنية معاصرة حديثة لها مؤسسات قائمة وفاعلة، تتجاوز الدولة الطائفية والقبلية والجهوية والإسلاموية!! ولقد قلب السودانيون التقدميون في تاريخهم النضالي ضد التخلف المعادلة بشكل معكوس فهم عادة يمارسون الموروث السياسي، لأنهم في ثورة، رفعوا من لواء ثورة الديمقراطية وناضلوا من أجلها مثل البطل سيزيف، فهم في ثورة، وأطلق الشيوعيون (ثورة ؟!) داخل النظام الليبرالي القديم، فهم في ثورة!! بينما أهملوا التفكير والتنظير في كيفية بناء دولة مدنية عصرية حديثة!! فهم في ثورة!! كيف تبني الآن ديمقراطية وليست لديك الآن دولة مؤسسات عصرية حديثة؟ مستحيل!! لقد غير الجبهجية بمكر مؤسسات بقية ما كان يسمى دولة سودانية إلى مؤسسات دولة خلافة، لا فصل بين السلطات، لا رقابة على المال العام، لا معارضة!! ثلاثة لاءات إسلاموية!! فحال السودانيين بالأمس واليوم كحال من رغب في شراء اللجام قبل شراء البقرة!! ولقد تجمد السودانيون حقا في أسطوانة مرحلة "الثورة الوطنية الديمقراطية" منذ زمن بعيد ولم يتجاوزوها قط وبها وعليها صنعوا خواءً فكريا وفلسفيا!! ولا شك أن الإسلامويين استغلوا في السودان هذه الثغرة، استغلوا هذا الخواء وهذا الجمود الفكري والنضال النرجسي الدونكيشوتي الدائري الذي مارسه التقدميون، الذين وكما قال دكتور حيدر علي إبراهيم تم حقا خفاضهم وحتى ما قبل الاستقلال، وهكذا أصبح الطريق للإسلامويين مفروشا فخطفوا السودان من أجل ريالات خليجية!! ماذا يفعل اليساريون والتقدميون السودانيون في دول الخليج؟ هل يستطيعون الإجابة على هذا السؤال؟ ما زال الطريق أمام الشعب السوداني طويلا طويلا لتحقيق التغيير المنشود، إما أن يتحلى الجميع بالعقلانية ويتعلمون من تجارب الآخرين من الشعوب التي حولهم، وإما أن يتركوا خداع الذات والنفاق السياسي، والبعد عن اللون الرمادي ومسك العصا من النصف والشطارة، وإما أن يزداد حالهم سوءا بعد سوء!! شوقي إبراهيم عثمان