الحاج محمد صالح القابسي، من سكان مدينة قابس كان سعيد بنجاح ثورة تونس، وقد تزامنت الثورة المباركة بانتهائه من بناء بيتين له ولابنه المنذر، كان يحمد الله أن منَّ عليهم بالنصر وقد تخلصا من الحياة الصعبة التي كانا يعيشاها هو وابنه في منزل قديم لا تتوفر فيه أي من أسباب الحياة العصرية. ما هي إلا أيام قلائل حتى سمع بقيام الثورة في ليبيا، وكان الحاج محمد القابسي يتابع أخبارها أولا بأول، إلى أن قدمت العائلات الليبية لاجئة إلى تونس من بطش ملك ملوك إفريقيا وأمين القومية العربية، فكر الحاج محمد في منح بيته القديم لبعض العائلات لكنه، أخيرا تحلى بشيء من كرم العربي منقطع النظير، لقد حزم أمتعته وقرر العودة للبيت القديم تاركا البيتين الجديدين لإسكان أربعة عائلات ليبية نازحة، وكان موقفا رائعا لا اعتقد بأن أحد الليبيين سيقوم به إن كانت الأمور حدثت على وتيرة معاكسة. هؤلاء هم الأشقاء برغم العوز والحاجة، وبرغم أن تونس دولة فقيرة قليلة الموارد، لا نفط ولا أموال، إلا أنهم كانوا خير عون لنا في ساعات الشدائد والأهوال، فتحوا حدودهم بل واحتملوا حتى قصف صواريخ القذفي لأجل أخوان لهم لم يتخلوا عن أخوتهم. اليوم وأثار أقدام نازحينا لا تكاد تختفي من رمال الجنوب التونسي، نجد الليبيين جلهم أو كلهم نسوا أو تناسوا دور الأشقاء والأخوان، وصاروا يتحدثوا جميعهم عن مبلغ 200 مليون دينار منحته ليبيا لتونس، وقد اتهم السيد المقريف بخيانة الوطن والمواطن، وصدحت الحناجر مطالبة بالاعتصامات والمظاهرات لأجل تخوين الرجل الذي تصرف بداعي الثورة، وبداعي الأخوة، وبداعي رد شيء من الجميل، ليتكم تعلموا ما قيمة هذا المبلغ في ميزانيات الدول، اعتقد غير جازما بأن تصرف يوميا مثل هذا المبلغ ويزيد، واعتقد جازما بأنكم غضضتم البصر عن مليارات هدرت وسرقت بداعي الجرحى، وبداعي مشاريع لا وجود لها إلا في خيالات التحول من الثورة إلى الدولة. لقد تعودنا على انتقاد الأشياء الصغيرة التي تبدو واضحة للعيان، في حين نتناسى عظائم الأمور وعظائم السرقات، المقريف لم يسرق ولم يضع شيئا في جيبه، وليس له مصالح عائلية أو شخصية مع دولة تونس، حتى أنه لم يكن نازحا في أراضيها؛ ولأنه في الواجهة الإعلامية وجهتم له النقد تلو النقد، حتى آل بيته لم تسلم من انتقادكم وقذفكم، في حين بعض القادة الميدانين وثوار مزعومين تحصلوا وبداعي الثورة والغنائم على ذات المبلغ الذي تحصلت عليه الشقيقة تونس، لم يمسوا ولم تظهر صورهم في الإعلام، أيضا سارقي أموال الجرحى التي تقدر بالمليارات أيضا هم في مأمن من نقدم، وصورهم بعيدة عن إعلامكم الغير نزيه، أزلام القذافي هم في مصر وفي قطر والإمارات ودول أوربا يتمتعون بأموالكم بل ويحاربونكم بواسطتها، ولا أحد يتكلم عن هؤلاء. الويل كل الويل للمقريف ولزيدان، فهم قطعة القماش التي ينبغي أن تمسح زجاج الواجهة، ولكن الأعظم الذي تم إخفاءه هو في مأمن من ألسنتكم ومن آلتكم الإعلامية الغير نزيهة.