لم يمضي لغياب الشمس سوى قليلا من الزمن و معسكر اللاجئين كبحر لجي ظلمات بعضها فوق بعض! لقد هدأت ضجيج السكان و بدت كأن الجميع نيام او قال لهم الله موتوا الا بيتٌ واحد يلوح منه ضوء ضئل ، كانت حاجة مافيشا تطنطن و هي تعد العشاء في داخل تك الكوخ و تفكر في "الجبراكة " و مساحات شاسعة تركتها خلفها هرباً من الردى، و تتذكر موسم الدرت ، الاقيق و السبيلي و القندول الني قالت "والله زمان!!!" وصراخ الاطفال تزداد مع زيادة دخان حطب العُشر، وقف حاج مافيش حاملاً "الكفيتيرا " ثم وضعها جنب النار لكي يسخن قليلا فيتوضآ ليذهب الى صلاة العشاء. خطر في باله حسابات اليوم فقلبها سريعاً واحصى بضبط و حفظان سبعة اشخاص قد اقترب موعد سداد ديونهم فحبش جيوبه رغم انه يعلم مسبقاً بفراغه ، لانه اعطى اخر الفكة لست الشاي عندما عزم صديقاً غني لم يراه منذ مدة في حين انه كان ينوي لجب بعض الحلوى للصغار لكن الحصل كلو خير و عند حلاوة الونسة اوشك ان يحكى له كرب الزمن لكنه قال نفسة فكك من كترة الشكاوي بعدين الله قال بعض كل ضيق فرج ، و ها هو يعود كعادته خالي الوفاض ثم تذكر سؤال ست الشاي هو انت اسمك حاج بالميلاد ولا صحيح حجيت؟ ضحك بمقص كالعادة لا يجب على هذا السؤال لكن اليوم . هو في البلد دا الاسم بحتاج لمناسبة و لا عزومة " سيمايه" ما الناس بيقولو "انت الديهو و نحن نسميهو " و الحاج و الماج كلهم بسبوا الدين! بأكلو مال اليتيم ، كان اغير قُبال ما يحج "بزني بس"! لكن بعد ما حجا بقي يكتل ناس عديل، لكنه لم يقل هذا بل قال و الله يا اختي كلنا حجاج الحجا في بيت الله حاج ، و الحجا في جبال ام كردوس كمان حاج ، فأبتسم وحده و تحرك قليلا من مكانه قالت له حاجة مافيشا من دون اى مقدمات ما عندنا زيت؟، اجاب "ودّك" برضو مافي! ثم سأل الطفل امه هو احنا آخر مرة اكلنا اللحم متين ؟؟ قالت حاجة مافيشا غير آبه بسؤال ولده لحم اليكسر سونونك ناس بيقلو ارد انت تقول وش ! لحم شنو و الله انت فايك فياقا، " لكن الطفل الاخر اجاب اخاه بحنية و قال من يوم المطر دقا!!!، هنا تصعّبت على الام كبت حنانها فقالت " كن دايرين لحم داكو ابوك اسعلو" فقال الاب قبل ان يقع الفأس في الرأس هوي يا عيال احنا سنت جوع اكلنا أي حاجة ترق شجر شوال خيش جلد بقر لكن و الله مسيق من دلو و قوي من حبل جلد دا ما ليقينا انتو هسي عندكم الخلطة و شوية بليلة و منظمات ببركت االله قولو الحمدلله " ثم اضاف و كأنه يحدث مافيشا و ليس العيال كان في الستينات ابان الاستقلال خطب فينا "اوو يايي" و قال "و الله لو سكتو على ظلم الحاكم يوم من الايام راس تور الشين دا يبقا بخمس قروش" فقال في نفسه و هو ينظر لابنه مافيش و الله اوو يايي ما كضب اليوم كيلو اللحمة بقي بخمسين جنيه و رأس التور تضاعفت 100مرة على الخمس قروش القالو ، كان مافيش جالس قرب النار يطالع بنيه وحدة حرف الحاء درس اليوم "حاء حاكم " "حاء حمار" "حاء حكمة" "حاء حلم" راء ان الحلم و الحكمة يناسبه لكنه استبعد ان يكون حاكم او حمار ، قال في نفسه الحمدلله لولا الحرب ما كان عرفنا المستشفي و المدرسة، مافيش عمره سيكون في القريب العاجل 24 سنة ولا غرابة انه يدرس في الصف الاول مافيش لم يكن ابداً الابن المدلل للزوج مافيش كما انه لم يكن البكر و لا الاخير كان من بين عشرات البنون و البنات يحملون دم حاج مافيش ،اما ابننا البار مافيش كان الفز من بيت اخوته لا ينام الا القليل كان يكدح في حياته لضمان اثنين او لهما ان لا يرى اخوته الصغار ما رءاه و ابناءه كذلك ان شاء يد القدر، و الثاني حفظ وصية امه الحيفاء ، و اليكم بوصية ولدته :1 يا ولدي لو قريت ماتبقي ضابط لانوا الضباط بقي يقتل اهله بدل ما يحميهم 2 و ما تبقي سياسي لا نو السياسة نفاق البيقولو في الصباح بينكرو في المساء 3 الاستاذ احمق و متعصب 4 الامام كضاب يقول شئ ويفعل شئ !5 المحامي محتال و معرص 6 القاضي ظالم 7 المهندس خراب بشيل بيوت الفقارا و بيبني عمارات8 الميكنيكى اخلاقو تعبان 9 والوالي اعوذ بالله منو 10 كان دير اقول ليك ابقي دكتور لكن لم شفت غلاة الدواء في الصيدلية قلت لا ! يا ولد انا عايزك تبقي جادي وناجح في حياتك و تبقي من حماة الوطن مهما ما كان وظيفتك ، كان الراديو موزون على اذاعة لندن عندما جهزت العشاء، لكنه يصدر شقشقة اكثر من الصوت لانه يعيش في اوان لم يكن اوانه قد نالت منها الارضا نسيبه ايضاً .... هنا لندن نشرة اخبار السادسة...... جلسوا يتناولون العشاء التى لا تكفى على فرد واحد في بعض المدن الراقية، و حاجة مافيشا لا تتوقف عن الكلام ابداً الله اكبرعليهم!! الله يختهم في نار جهنم القتونا فيه دا!!! الله يكوهم كوي!!!! الله يضرهم زى ما ضرونا!!!!! قال له حاج مافيش ما مراءة انتي ما عندك شغلة ديل ما بسمعو كلمك دا همة وين و انت وين !اراد حاج مافيش تغير حديث السب و الشتم فقال اسمع المذيع بيتكلم عن الانتخابات النزيهة ، فقالت انتخابات دا نعرف معناه انو كل سنه يجي نفس الريس!!! لكن نزيهة دا شنو؟؟ فقال حاج ما فيش هاي يا خميسي شوف ليك زرع فقوس! ولا اخير ليك شيل فاس حطب نزيهة دي ما قدرك ، انت انتخابات ما عرفتي معناه داير تعرفي معني نزيهة ، كان حاج مافيش مثقف و ملم بأخبار الدنيا لابد ان يسمع اخبار لندن على الاقل اربعة مرات في اليوم كان لا يقتنع بإذاعة امدرمان و يرى انه مجرد اكاذيب فقط ! لقد تابع بشقف مجرى الربيع العربي و كل الاحداث التى جرت مآخرا و بالأخص ثورة ليبيا و مقتل القدافي كان القدافي في نظره بطل لا يهزم ابداً لقد استبعد التغير في ليبيا و غالطه الكل في جدل حاد حجته ان ليس ثمة شخص آخر يمتلك عقل و مقدرات القدافي لكن اليوم اقتنع ان الترب اكل لحمه وبما ان دور سنتو عدى و فات فلا شك على موته . و عندما قام ذاهباً الى الجامع كان يراجع خطاب القدافي القوي من انتم جرزان حشرات، فسأل نفسه صحيح من نحن ؟؟؟؟ و خُيل له ان القدافي خاطب الشعب الليبي لفظا لكنه كان يقصد الشعب السوداني معناً و اصتلاحاً و هو في طريقه تذكر انه لم يغتسل منذ البارحه رغم انه صلي كل الصوات الا انه لن يعود ادراجه الى البيت ليقوم بالواجب بل واصل تقدمه كان يومن بوم القيامة ولا يومن!! ويسمع اقوال الناس ان "الاجر تلقيت" و "النصيحة نور" لكن ما كان يهمه في مداومة الصلوات و حضور الجماعة تلك الحديث التى تقول في ما معناه اذا رأيتم رجُل يرتاد المساجد فأشهدو له الايمان و دخل حاج ما فيش الجامع تركناه مصتفاً في الصف الامامي قرب الامام رغم نجاسته فرنسا احمد يعقوب [email protected]