كسلا: عادل حسون السوداني المنحدر من شرق البلاد أشتهر بصنع القهوة. ويوصف عادة بالإكثار في تناولها طيلة ساعات اليوم. لكن المواطن الشرقاوي- أدروب على ما يعرف بالعامية- يتقن صنع أكلة السلات، الشواء الشهي للحم الضأن أو الدجاج أو الصيد عموماً على الحصى الصغيرة، حتى كاد ذلك الصنف من الطعام، طابعاً إضافياً يصف به الأدروب. أدروب نفسه الذي التقينا به في هذه المساحة، يؤكد على النتيجة الصحية لتناول القهوة الساخنة بعد وجبة الشواء الدسمة. السلات بفكرته التكوينية- طست من الحديد يحوي الجمر المغطى بالحصى الصفراء اللون الملساء الملمس لتشوى عليه اللحوم المتنوعة- ربما يوجد في أي بقعة من بلادنا، فما بالك وأنت تأكل السلات في عاصمة شرق السودان مدينة كسلا؟. لا يشكل صنف الطعام هذا، ظاهرة غريبة لأهل المدينة العريقة التي ظهرت للعلن في القرن السابع عشر، ليس لأنهم جميعهم ينحدرون من القبائل الشرقية، الهدندوة والشكرية وبني عامر وغيرهم، التي تسجل مدونة الفلكلور هذه الأكلة ضمن ثقافتها، ولكن لاعتياد سكان المدينة، بخلاف زوارها من السائحين الوطنيين والأجانب، لمشهد بائع السلات وهو يقلب في صبر ملاحظ بشوكة كبيرة من الحديد شواءه المتلظي على الحرارة الهادئة المتولدة من فكرة فيزائية عبقرية. وعلى كلٍ، تبدو كسلا مثالاً حسناً للتمازج السكاني بين الشعوب والقبائل السودانية. للقصة بعد إضافي قد يغدو أكثر أهمية من مجرد التنازع في نسبة السلات لأي من أهل بلادنا. فاللحم الذي تعذر الوصول إليه مع الضائقات الاقتصادية الأخيرة، فبات صعب المنال بالنسبة للكثيرين، أصبح متاحاً في كسلا لكل من حرم تذوقه. فوجبة السلات (الطلب) زهيدة الثمن، فصارت في متناول الجميع، أغنياء الناس وفقراءهم معاً. ليس ذلك قول خيال أو هذيان على إثر تناول وجبة من لحم السلات بعد طول حرمان. الحقيقة أن مبلغ 10 جنيهات، كفيل بإطعامك أجود لحوم الضأن مسبوقةً بمقبلات طازجة من الخضروات (السلطة) والمحدقات (الشطة والليمون)، وهي ذات الوجبة التي تكلف في الخرطوم قدرا من المال قد يتجاوز الخمسة عشر جنيها. محمد نور، بائع السلات الأربعيني، في موقف المواصلات الكبير وسط المدينة، دهش عندما أخبرته عن ما سبق وقرأته بشأن الفوائد الصحية للحم المشوي بطريقة السلات، فاكتفى بضحك وديع وواصل تقليب اللحم على الحصى الساخنة. الرجل قد لا يعرف أن ولاية كسلا تعد عدتها لمهرجان السياحة في دورته الثالثة في مارس القادم على غرار جارتها الشمالية ولاية البحر الأحمر التي تميزت بنجاح مواسم السياحة السنوية التي تنظمها. كسلا وإن عرفت على نطاق واسع باعتبارها موئلا لحديثي الزواج المفتتحين للحياة الجديدة بالحلال الزلال، بما توفره للسائحين من هدوء تام وأريحية في التعامل مع الزوار، بجبالها الشماء وخضرة مزروعاتها الممتدة، تبدو في سباق مع الزمن لابتكار أفكار جديدة لتنويع السياحة المقتصرة حالياً على الاستجمام من ناحية، وزيارة ضريح السيد الحسن الميرغني، للتبرك وذكر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، من الناحية الأخرى. وفوق التأكيد على الاهتمام بطعام السلات كمعلم سياحي أساسي لولاية كسلا يجعل من مثل محمد نور، رواداً في هذا المجال، وبالإضافة لأهمية مراجعة الترتيبات البيئية والإدارية حول جبل مكرام وجبل التاكا وجبال توتيل بالقدر الذي يجعل من صعود السائحين لهذه المرتفعات الساحرة متعة ذات قيمة مضافة للسلطات المحلية، تبدو الأرض الخلاء الممتدة إلى الشرق من قاعدة الدفاع الجوي وحتى الحدود الإرترية- السودانية عند نقطة اللفة الحدودية، فلاة مناسبة لإنشاء مضمار لسباق الهجن، بخاصة وأن كسلا الولاية تشتهر بإنتاج أجود سلالات الإبل. يمكن للولاية إنشاء بازار (سوق صغيرة) للحمضيات البستانية والموز والمانجو والفواكه الأخرى التي تنتج محلياً، يتخصص فقط في عرضها وبيعها كمشروبات مثلجة وضروب من سلطة الفواكه وأنواع متنوعة من الكعك والفطائر المحلاة. تتالت الأفكار حول تنمية السياحة في المدينة الجميلة الهادئة كسلا، استعداداً لمهرجانها السنوي للسياحة، وبدا لي أن التفكر في كل ذلك لم يكن سوى نتيجة مباشرة لوجبة اللحم الضأن الشهية التي ابتعناها من بائع السلات واستمتعنا للغاية بأكلها دون أن نتبعها بالقهوة الشرقاوية المتميزة في مذاقها.