قالوا الركوب! فقلنا تلك عادتنا ودع هريرة إن الركب مرتحل، وهل تطيق وداعاً أيها الرجل؟ غراء فرعاء مصقول عوارضا، تمشى الهوينا كما يمشى الوجي الوحل، كأن مشيتها من بيت جارتها، مر السحاب، لا ريث وعجل، تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت، كم استعان بريح عشرق زجل .. لئن منيت بنا عن غب معركة ، لم تُلفنا من دماء القوم ننتفل، نحن الفوارس يوم الحِنو ضاحية، جنبي " فُطيمة" لا مِيل ولا عًزل ، قالوا الركوب! فقلنا تلك عادتنا، أو تنزلون فإنا معشر نُزل. الأعشي نزلت الظعائن وتناثرت الفرقان على السهل الأخضر المنبسط، العشب الطويل الجيد عند بحر العرب، كلما أقتربت الأبقار من الضفة الأخري ، زادت مخاطر الإشتباكات مع سكان الضفة الأخري للنهر. التوجس والحذر هما سيدا الموقف هنا. حمدون وجماعته ضمن الظعائن التي نزلت في السهول، ترعي أبقارها " القش الأخضر"؛ حمدون فارس مقدام مشهود له في الضرب والطعان. عاش من قطعان الماشية يرعى ويسير بها ها دج ها، ها دج ها ، ها دج ها إلى البحر ، بين الهشاب والطلحه والسدر والأبنوس ، كان في صفاء الحليب ونقاء الصمغ وعذوبة زخات المطر – مطر الرشاش، شامخاً متجزراً كشجرة التبلدية. الود بين سكان ضفتي النهر موجود ومقيم بينهم في أوقات السلم ، وفي أوقات الدواس والنزال أيضاً، وكذلك الأخلاق تؤطر أحلك الأوقات وأكثرها سوداً ، هنالك خطوط حمراء يحترمها الجميع ولا يتعدوها ، حتي عندما تتوتر الأجواء وتنزر بقدوم الحرب بطبولها وخيلها وحرابها. عندما تتلبد الأجواء بالسحب وترعد الرعود فان قرب هطول الأمطار الغزيرة وتزايد الذباب على الأبقار في فصل الخريف من يوليو حتي أكتوبر، يشير إلى فاصل أعمق من مياه النهر بين الأبقار والضفاف، فتبتعد الأبقار عن النهر وتعود من حيث آتت، وحينما يكون الفصل بين الأبقار والنهر بحد النصل، عندها تكون للسماء حمره أكثر من المعتاد عند الغروب، تنذر بان الدماء سوف تسيل على أرض الوادي. تسربت الأخبار عن هجوم من سكان الضفة الأخرى وشيك الحدوث، استعجلت الظعائن الرحيل والعودة من حيث أتت. حمدون وجماعة فريقه لم يستجبوا الى التهديد والى نداء الرحيل الجماعي. رحلت الظعائن جميعها على عجل من السهول، مكث حمدون وجماعته لوحدهم مستخفين بالخطر الداهم. عند الفجر حدث الهجوم، دارت المعركة بين حمدون وجاعته والمهاجمون من سكان الضفة الأخرى للنهر، حمدون كان مثل أبو الفوارس؛ عنترة يصد كتيبة لوحده، إستمرت المعركة الى ما بعد ظهر ذلك اليوم ، قتل من جماعة حمدون من قتل وإنهزم من إنهزم ، لكن حمدون ظل على صهوة جواده الأشهب يقاتل ويقاتل ، حسب رواية آخرمن رأه من جماعته. بلغ الظعائن المرتحله الخبر؛ أن حمدون وجماعته تعرضوا لهجوم، كر الفرسان عائدون بالفزع لنجدة حمدون ورفاقه ، جثث القتلي من الفريقين كانت هنالك والجرحي أيضا، المهاجمون عادوا من حيث أتوا ، حمدون غير موجود مع القتلي أو مع الجرحي، لا يوجد لحمدون أثر، سواء كثرة قتلي المهاجمين المجندلين على أرض المعركة، وجوده الأشهب الذي وجد مطعوناً ، لا وجود للفارس حمدون. صار هذا من التعارف عليه بين سكان ضفتي النهر، أصبح تقاليد يسكن مثلهم تلك الديار؛ أن الفارس المغوار عندما يؤثر لا يقتل؛ بل يحتفظ به مكرم ويزوج لينجب أطفال يصيروا فرساناً شجعاناً مثله.