في حالة ما شعرتُ خلال ذلك اليوم بشروق الشمس, وأنَّ السماء تمطر في رأسي, وكل الناس من حولي يحدقون في عينيَّ والدموع تنهمر من مُقلتيَّ وهم ينظرون نحوي بين الحين والآخر باستغراب, لكن حبات المطر النازلة من السماء تنقر وجهي وتترك مذاقا مريرا جدا لا يعرف طعمه المتنعمين بسلطان القول والفعل. هكذا كان ذلك اليوم الذي تحطمت قِيَمُ العالَم في نظري ؛ العالم الذي كنتُ أعيشه في بيتي وحديقتي الموجودة في محيط وطني موطن ولادتي وطفولتي وزهرة شبابي ؛ وأحتفظ بما أملكه وهو في ذاكرتي أثمن من الذهب الذي لا أملكه, فيه أختزل حفظ كل جذري ومعايشاتي مع أهلي وأحبابي, هناك كان عندي نخبة من الثُقات والأحباب تبعثروا في الاصقاع. فجأة إنبثق بركان وخرج منه أشباح أناس كانوا مستترون بألوان شتى,أخذوا يتصارعون على الآلوان ومعانيها في نفوسهم وهي لا تمُتُّ لواقعنا وحياتنا الطيبة بصلة ما, فجاء بعضهم بضغطون على أعماق نفسي بفم كلب ذهبي وآلة حربية ؛ فوضعوا قنبلة في بيتي الحبيب وفجروا كل العالم أمام عينيَّ ؛ عِلماً أنَّ طمغات أصابعهم مُلصقة في كل مشاعري ودهاليز ذاكرتي, حيث تتناثر شظاياها في أنحاء قلبي كل يوم ؛ ويصرخ أهلي وأهل الحي بمرارة بأسماء القتلة وغرائب أسمائهم وملابسهم ؛ حيث كانو يغترون بسطوتهم العسكرية وسلوكهم العنيف بصراخهم مع شُلتهم في سماء أرضي. يقابلهم هلع منهم وصراخ أهلي عذابا في وجوههم لا ينفع. أرى كل القتلة مذنبين بلا وعي ولهم ضمير ميت يرون قتل أهلي بطولة ومن يخون أهل بلدي رجولة. أضحى النهار في عيني ليل قاتم. هم يدعون للسلام ولكنهم غير مسالمين, وكل ما أستطيع عمله أن أصرخ بوجوههم وأبصق على ذكراهم وعلى من والاهم, وألألم يمطر في رأسي موجات ذكريات لا تموت, والسماء مشمسة وعينيَّ انهارها ملتهبة, والرأس يُدافع عن بيتي المهدم بمرارة,وغربتي تجتاح الأرض واستغاثتي تسبح في السماء رعدا, ودعاء أهلي بركان لا يهدأ, ورجال قريتي صولاتهم قمم نفوس تجفف ذرات المطر في رأسي وتزرع قمحا لجيل قادم يداوي مَن بقي من أهلي وتمسح كأبة العالم في عيني وقد هدوموا بيتي وقريتي فأضحيت مشردا في الارض تملؤها حدود وجوازات سفر غريبة عجيبة ويبقى مطرا كالعلقم ينزل على رأسي, وروحي تزأر نارا لا تخمد. وأحمل سَلَّة ذكرياتي على رأسي وأنثرها دموعا حمراء على خطواتي أينما خَطَتْ ورَحَلَتْ.