! من المؤكد أن حجم الفساد الرياضي في العالم ، والمتمثل في التلاعب بنتائج مباريات كرة القدم، قد بلغ حداً خطيراً، فقد قدّر رئيس المركز الدولي للأمن الرياضي محمد حنزاب حجم الفساد في المجال الرياضي على المستوى العالمي ب 350 مليار دولار سنوياً وأكد حنزاب أن الجريمة المنظمة دخلت على الخط، ووجدت أن الاتحادات الدولية الرياضية ضعيفة في بنيتها القانونية التنظيمية من ناحية الرقابة المالية والشفافية، ولا تمتلك وسائل الحماية، ولا تستطيع أن تحمي نفسها، فبدأت عمليات مثل غسل الأموال، وهي عملية تتم بشكل كبير في المجال الرياضي، وفي المقابل، فإن الدول والحكومات ما زالت مقتنعة في لا وعيها، أن الرياضة قضية هواة" كما أوضح حنزاب أن الحكومات العربية لا تهتم ب "الأمن الرياضي" مشيراً إلى أنه لا يقع ضمن أولوياتها مشدداً على أن المراهنات غير المشروعة طالت الوطن العربي كاشفاً عن وجود مباريات رُتبت نتائجها مسبقاً إذ قال: "في الوطن العربي، هناك مباريات رُتبت نتائجها، خصوصاً الودية منها، المقامة في يوم "فيفا" وتم ذلك باتصال مع شركات في شرق آسيا، فهي التي اختارت الحكم، وهي التي اختارت الفريق، وهي التي اختارت النتيجة التي آلت إليها المباراة، ومن يقول إن الوطن العربي بعيد عن المراهنات مخطئ، فبالعكس الوطن العربي أسهل منطقة جغرافية تتم فيها المراهنات"! لا شك أن التحذيرات المسبقة التي وجهها المركز الدولي للأمن الرياضي للاتحادات الأوربية والآسيوية بشأن التلاعب بنتائج مباريات كرة القدم قد كانت في محلها، فقد كشفت تحقيقات الانتربول فضيحة التلاعب بنتائج مباريات كرة القدم الأوروبية بعد ثبوت عمليات تلاعب ضخمة في نتائج المباريات حققت أرباحاً غير مشروعة تصل إلى 11 مليون دولار وأظهرت التحقيقات أن التلاعب تم في نحو 380 مباراة في بطولات كبرى أهمها تصفيات كأس العالم وكأس أوروبا وبطولات الدوري الممتاز في عدة دول أوروبية من بينها إيطاليا، أما في آسيا فقد أكد الانتربول ضلوع رجل أعمال آسيوي في التلاعب بنتائج 700 مباراة دولية الأمر الذي دعا الاتحاد الآسيوي لكرة القدم إلى تشكيل قوة خاصة لمكافحة التلاعب الكروي! وأخيراً وليس آخراً فقد تفجرت في لبنان فضيحة التلاعب بنتائج مباريات كرة القدم في الدوري اللبناني وما تلاها من عقوبات إدارية طالت عدداً من اللاعبين والاداريين ، ويحق لنا كسودانيين أن نتساءل: هل تم رصد ظاهرة بيع المباريات في الدوري السوداني والدوري الأفريقي القابل للاختراق من جميع الجهات أم أنها ستتفشى في القريب العاجل إذا لم يتم اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة؟ علماً بأن ظاهرة بيع المباريات التي كان يتم الحديث عنها سابقاً في الخفاء قد أصبحت علنية الآن وأصبحت بعض المباريات المحلية والدولية تُباع وتُشترى على عينك يا تاجر في أسواق المراهنات بقرارات إجرامية خفية تصدر من هنا وهناك وتنذر بتدمير مصداقية لعبة كرة القدم في جميع قارات العالم! لاشك أن التلاعب بنتائج مباريات كرة القدم وبأعصاب الجماهير في ميادين كرة القدم التي تعتبر اللعبة الأكثر شعبية في العالم هو أمر بالغ الخطورة ويهدد بإسقاط المستديرة من عرشها الدولي وانفضاض جماهير العالم من متابعة مباريات تُحدد نتائجها سلفاً قبل إطلاق صافرة البداية من قبل مافيا الرياضة العالمية التي تورطت مؤخراً في طبخ نتائج بعض المباريات الدولية الهامة عبر التهديدات والرشاوي الإجرامية مستغلة في ذلك توفر الأموال القذرة لديها ، اتساع شعبية كرة القدم في العالم،وتوفر التكنولوجيا المتقدمة في مجال البثّ والنقل الحي للمباريات وسماح قوانين بعض الدول، كالصين الشعبية ، بإجراء المراهنات على نتائج مباريات كرة القدم، ولا شك أن علم المشجع العادي بأن ذهابه إلى الاستاد أو مشاهدة مباراة فريقه في التلفاز في المنزل قد يكون بمثابة مضيعة للوقت بسبب تفشي التلاعب الاجرامي بنتائج المباريات هو أمر محبط للغاية على المستوى الشخصي وقد يدفعه إلى مقاطعة متابعة المباريات المحلية والدولية وغني عن القول إن مجرد وجود اتهامات بالغش الرياضي يسيء إلى كل اللاعبين المحترمين الذين يلتزمون بقواعد اللعب النظيف حينما تُطلق التعميمات الظالمة من قبل البعض ويُوضع الجميع في قفص الاتهام الذي تحوم حوله أشباح الفساد الرياضي! من المؤكد أن محاربة الجرائم الرياضية يتطلب تحقيق مفهوم الأمن الرياضي والذي لا يعني تحويل الملاعب إلى ثكنات عسكرية، بل يعني مكافحة الفساد الرياضي عبر قيام الحكومات بوضع القوانين التي تحمي الرياضة وتوفر النزاهة والشفافية في الاتحادات الرياضية كما يعني إنشاء المؤسسات التي تمتلك آليات تحقيق الأمن الرياضي وتقدم الدعم اللازم للاتحادات الرياضية ، ولا شك أن تحقيق الأمن الرياضي سوف يفتح أبواب الاحتراف المثمر للاعبين ويشجع المستثمرين على استثمار أموالهم في الأندية الرياضية بعد توفر ضمانات الشفافية والنزاهة للاعبين ، الحكام ، المستثمرين ، المعلنين وملاك حقوق النقل وجمهور المشاهدين، وعندها فقط ستعود المستديرة إلى عرشها العالمي ويستمتع الجميع بإثارتها الحقيقية وبجنونها الذي لا حدود له ، ولن يستطيع أي شخص في العالم ، مهما كان حجم نفوذه ، أن يعرف نتيجة أي مباراة محلية أو دولية إلا بعد إنتهاء صافرة النهاية. فيصل الدابي/المحامي