كلمة ( طفش) او كما يقول البعض ( طش) مفردة سودانية بحتة تعنى اختفى فجأة وبدون انذار او اخطار. وقد رايت استخدامها في هذا المقال لانها في تقديرى انسب مفردة لوصف ما حدث لدولارات ذهب التعدين الاهلى التى اود الحديث عنها في هذا المقال. فقد جاء في جريدة السودانى عدد الاحد العاشر من فبراير 2013م ان بنك السودان المركزى يشترى ذهب التعدين الاهلى بسعر ( 280) جنيه سوداني لكيلوجرام الذهب عيار 21 مقارنة بالسعر العالمي الذي يصل الى ( 320 الف) جنيه للكيلوجرام اي ان السعر الذى يشترى به بنك السودان المركزى يعادل ( 87.5%) من السعر العالمى. وقد انخفض نتيجة ذلك الفرق في السعر وارد الذهب إلى بناية الذهب بالسوق العربي في قلب الخرطوم ؛ انخفض من حوالى (200) كيلوجرام في اليوم إلى حوالى ( 50) كيلوجرام فقط في اليوم أي انخفض وارد الذهب بنسبة ( 75%) وهذا انخفاض كبير جداً جداً ومخيف ويشير الى ان الدولارات التي يتوقع الحصول عليها من تصدير الذهب ويقدرها بعض المسئولين بحوالى ملياري دولار في العام ( 2.000.000.000) ، قد طشت. ولكن كيف طفشت والى اين ولماذا؟ وللحصول على اجابات لتلك الاسئلة قمت بزيارة بناية الذهب في سوق الخرطوم صباح يوم الاثنين الموافق الحادى عشر من فبراير 2013م . ريبة وحذر كان المزاج العام في سوق الذهب يقوم على الريبة والحذر ووجدت صعوبة كبيرة في الحديث مع التجار حتى بعد بذل مجهود كبير في التعريف بنفسي ومقاصدى من الحصول على المعلومات المتعلقة بالذهب. وقد عرفت ان السبب وراء تلك الريبة والحذر هو وجود ثمانية وعشرين تاجر ذهب ( 28) محتجزين لدى السلطات الامنية. وهذا الوضع يلقى بظلال كثيفة حول نوع وحجم ومصداقية المعلومات التى يمكن الحصول عليها من المتعاملين في السوق ومدى فائدتها حتى بالنسبة للسلطات الحكومية ذات الصلة مثل وزارة المالية والاقتصاد الوطنى وبنك السودان المركزى ووزارة التجارة الخارجية وغيرها من الجهات الحكومية التى تبلور سياسات وتتخذ قرارات بناءاً على تلك المعلومات .ولذلك ارجو من القارئ الكريم العذر اذا لم يجد في هذا المقال اجابة كافية عن الاسئلةالتى طرحتها اعلاه وهي كيف والى اين ولماذا طفشت دولارات تصدير الذهب. بداية غير موفقة:- توجد في السوق خمس عشرة شركة ، ( 15)، كانت تعمل في شراء وتصدير ذهب التعدين الاهلى .ولكن قام محافظ بنك السودان السابق الدكتور صابر محمد الحسن باتخاذ قرار يقضى باحتكار بنك السودان المركزى لشراء ذهب التعدين الاهلى وتصديره .وقام المحافظ بتعيين شركة واحدة لتكون وكيلاً للبنك لتقوم بشراء الذهب لصالح البنك وبالسعر الذى يحدده البنك ومقابل عمولة مقدارها واحد جنيه للجرام اي الف جنيه سودانى للكيلوجرام . وتم لاحقاً فتح الوكالة لكل التجار الذين يستوفون متطلبات التوكيل واهمها ايداع ( 325) كيلوجرام ذهب عيار 21 لدى بنك السودان عبارة عن ضمانة وفاء او اداء. وتوجد اليوم اربع شركات تقوم بشراء ذهب التعدين الاهلي لصالح البنك المركزى. وبالسعر الذى يحدده البنك يومياً للشراء من الوكلاء ويقول التجار ان سعر الشراء من الوكلاء قد وصل الي ( 315 الف ) جنيه للكيلو جرام ولكن قام بنك السودان المركزى بتخفيض السعر الي حوالى ( 280 الف) جنيه للكيلو جرام. كيف والى اين ولماذا طفشت دولارات الذهب؟ يقول التجار ان دولارات ذهب التعدين الاهلى قد طفشت بسبب تهريب الذهب الى مصر وجنوب السودان وتشاد وارتريا ويرجع التهريب لسبب رئيسى هو السعر الذى يشترى به بنك السودان الذهب من الوكلاء وقد ذكرت اعلاه ان ذلك السعر يعادل حوالى ( 87.5%) من السعر العالمي وبقول التجار ان الخطأ الكبير الذى ارتكبه البنك هو شروعه في الشراء بسعر قريب من السعر العالمى ولكنه قام بتخفيض سعر الشراء في الوقت الذى لم ينخفض فيه السعر العالمى للذهب وربما قصد بنك السودان المركزى تحقيق ربح من فروقات الاسعار وذلك امر لا ينسجم مع قصد البنك المركزي من وراء احتكاره شراء وتصدير الذهب وهو كما يقول البنك المركزي ، ضمان تدفق دولارات تصدير ذهب التعدين الاهلى الي السودان وليس تحقيق ايرادات للخزانة العامة او بنك السودان نفسه. وتفيد المعلومات التى حصلت عليها في تاريخ كتابة هذا المقال وهو الرابع والعشرين من فبراير 2013م ان كمية ذهب التعدين الاهلى الواردة الى البنك في انخفاض مستمر . وقد ظهرت اسواق للذهب في الاقاليم يتم فيها الشراء والتهريب الي خارج السودان. لماذا الاصرار على السياسات الفاشلة و المضرة بالمصلحة العامة ؟ قلت أعلاه ان دولارات ذهب التعدين الاهلي التى كان يتوقع الحصول عليها من تصدير الذهب قد طفشت نتيجة تهريب ذهب التعدين الاهلي الى الدول المجاورة للسودان وخاصة جنوب السودان وتشاد وارتريا واثيوبيا ومصر وان السبب الرئيسي لتهريب ذهب التعدين الاهلى هو السعر الذى يشترى به بنك السودان لان ذلك السعر يقل كثيراً عن السعر الذى يعتقد المنتجون والتجار انه سعر عادل ولكن كيف؟ يقول تجار الذهب ان السعر الذى يشتري به البنك المركزي يحدد على اساس تحويل السعر العالمى للذهب بالدولار الي جنيهات سودانية عن طريق ضرب ذلك السعر في سعر الدولار الذى يحدده البنك المركزى في حين ان التجار يحولون السعر العالمى الى جنيهات سودانية عن طريق الاخذ بسعر الدولار في السوق الموازي . ويؤدى وجود فرق كبير بين سعر الدولار في السوق ( الموازى) والسعر الذى يحدده البنك المركزي الي بروز فرق كبير بين السعر الذى يحدده البنك المركزى للشراء والسعر الذى يتوقعه التاجر الذى يحسب على اساس الدولار في السوق. فمثلاً بتاريخ العاشر من فبراير 2013م كان سعر البنك المركزى حوالى ( 566) قرش للدولار في الوقت الذى كان فيه سعر السوق ( 695) قرش للدولار اي كان سعر السوق اعلى من سعر البنك المركزى بمقدار ( 129) قرش. ولكن ادارة بنك السودان المركزي واعنى بها السادة اعضاء مجلس ادارة البنك والمحافظ ونائبه تكابر وتصر على اتباع سياسة خاطئة تماماً من ناحية المنطق الاقتصادي السليم وفاشلة من الناحية العملية ومضرة ضرراً كبيراً من حيث مآلاتها. وتلك السياسة الخاطئة والفاشلة والمضرة هي تحديد سعر رسمي للدولار لا علاقة له على الاطلاق بالعرض والطلب وأبجديات علم الاقتصاد الامر الذى دفع ادارة البنك المركزي دفعاً بعد أن فشلت في المحافظة على استقرار السعر الذى تحدده بقرارات ادارية دفعها الي تخفيض السعر الرسمي للجنيه السوداني بنسبة 91% في الحادى والعشرين من مايو 2012م عن طريق رفع السعر الرسمى للدولار من ( 270) قرش الي ( 500) قرش حتى ( يساوى او يقارب السعر في السوق الموازى ) كما يقول بنك السودان المركزى في ورقة القطاع النقدى والقطاع الخارجى التى قدمت في الملتقى الاقتصادى في يومى 26 و 27 نوفمبر 2012م .وكما يعرف القارئ الكريم لم تكن لدى البنك المركزى الدولارات الكافية لتغطية حاجة المستوردين والمسافرين والمرضى بسعر ( 500) قرش للدولار الامر الذى ادى الى ارتفاع سعر السوق الموازى حتى تجاوز ( 700) قرش للدولار في بعض الايام . في التضييق على عباد الله فتح لأوسع ابواب الفساد:- ان ادارة البنك المركزى قد وصلت الى قمة الفشل بتخليها عن ادارة سعر صرف الجنيه السوداني للسلطات الامنية بدل اتخاذ السياسات والاجراءات الاقتصادية السليمة ولن تفلح السلطات الامنية في محاربة تهريب الذهب بسبب حدود السودان المفتوحة ولان رجال الامن بشر مثلى ومثلك عرضة لان يفتنهم مال الرشوة والابتزاز كما اثبتت التجارب في السودان وغير السودان. ولهذا يفضل ان تعود ادارة بنك السودان المركزي للقيام بدورها كما ينبغى بالاتي:- اولاً :- التركيز على دورها الأساسي في الترخيص للمصارف والرقابة على نشاطها لضمان سلامة النظام المصرفي وفاعليته وكفاءته وعدالته. والمحافظة على استقرار الاسعار. ثانياً:- ترك شراء وتصدير الذهب للتجار ومنحهم الحرية في بيع الدولارات التى يحصلون عليها من التصدير الي البنوك والصرافات والمستوردين بالاسعار التى يتراضى عليها البائع والمشترى. ثالثاً:- ان يكف البنك تماماً عن تحديد سعر الدولار والعملات الاجنبية الاخرى بقرارات ادارية لان تلك السياسة خاطئة وفاشلة ولا معنى للاصرار عليها الا اذا كان القصد هو تدمير الاقتصاد السوداني او تحقيق مصالح شخصية لان في التضييق على عباد الله فتح لأوسع ابواب الفساد(الرشوة والابتزاز والمحسوبية).