بعد ما وقعت دولتي السودان علي تنفيذ الترتيبات الأمنية, و الذي يلزم الطرفين بسحب قواتهما من المنطقة الحدودية المنزوعة السلاح في الفترة من 10 إلي 14 مارس الجاري, ثم جاء بعد ذلك توقيع الدولتان مصفوفة لتنفيذ اتفاقيات تعاون تشمل تصدير نفط الجنوب عبر ميناء بورتسودان, و فتح المعابر الحدودية لانتقال مواطني البلدين, الحريات الأربعة و يقول السيد باقان أموم ( أن الاتفاق فرصة للشعبين لتركيز جهودهما لبناء اقتصادها بشكل أفضل, معربا عن أمله أن يتم تنفيذ الاتفاق دون شروط جديدة) و قد وجد الاتفاق تأييدا شعبيا و إقليميا و دوليا, باعتبار أنه يعد نقلة كبيرة في العلاقة بين البلدين. لكن الاتفاق يطرح سؤال مهم عند المتابعين للسياسة و النخب السياسية و عامة الشعب, ما هو تأثير الاتفاق علي العلاقة بين حكومة دولة جنوب السودان و الحركة الشعبية قطاع الشمال, و أيضا الجبهة الثورية؟ و هل الاتفاق و الترتيبات الأمنية التي سوف تقع تحت إشراف دولي سوف تؤثر علي العمليات العسكرية التي تقوم بها الجبهة الثورية؟ و تكون الأسئلة أكثر إلحاحا بعد ما تم تأجيل الحوار بين الحكومة السودانية و قطاع الشمال, و الذي كان مقررا له يوم العاشر من مارس الجاري. الأسئلة المطروحة من المفترض أن يجاوب عليها ثلاثة أطراف المتشابكة في الصراع, دولتي السودان و قطاع الشمال, بالنسبة لدولة جنوب السودان قد كررت علي لسان قياداتها و المفاوضين أنهم ليس لديهم علاقة في الحرب الدائرة بين قطاع الشمال و الحكومة في الشمال, و يعتقدون هذه مسائل داخلية ة هم غير معنيين بها و لا تخصهم في شيء, لذلك عقب التوقيع علي الاتفاقيات قال المتحدث باسم جيش دولة الجنوب فيليب اقوير ليس لديهم أي علاقة مع الفرقتين التاسعة و العاشرة و قطاع الشمال, و يجب أن لا تتحدث الحكومة السودانية عن فك الارتباط, و يعتبروا ما يحدث داخل الأراضي السودانية من حروب بين قطاع الشمال و حركات دارفور هي قضايا داخلية علي حكومة السودان أن تحلها داخليا و لا تصدر مشاكلها لجيرانها. و في الجانب الأخر نجد أن حكومة السودان تمسكت بتنفيذ الترتيبات الأمنية قبل تنفيذ أية اتفاق, لأنها تعتقد إن مقاتلي قطاع الشمال و حركات دارفور يجدون الدعم المالي و العسكري و اللوجستي من دولة جنوب السودان, ألمر الذي جعلها ترتب أولوياتها علي ذلك, و اعتمد علي هذا الترتيب مفاوض حكومة السودان في أن يقدم مسألة الترتيبات الأمنية علي ما عداها, في اعتقاد أنها سوف تضعف الجبهة الثورية و قطاع الشمال, ثم تدفعهم دفعا إلي طاولة الحوار بشروط المؤتمر الوطني, و إصرار حكومة السودان هو الذي عطل التنفيذ حتى استجابت دولة جنوب السودان لمسألة الترتيبات الأمنية و هذه الإستراتيجية إذا لم توقف الحرب و تضعف الجانب الأخر تكون الإستراتيجية انهارت تماما, و نتيجة لهذه الإستراتيجية جاء تأجيل الحوار بين الحكومة و قطلع الشمال حتى تتبين نتائج تنفيذ الترتيبات الأمنية, إذن القضية كلها تقوم علي السياسة الأمنية, و هي إستراتيجية تأزم و لا تحل, و إذا كان هناك حل سوف يكون مؤقتا لحين. هذه الأسئلة المحيرة, هي التي دفعتني بالاتصال بالسيد ياسر عرمان رئيس وفد الحركة الشعبية قطاع الشمال للحوار مع حكومة السودان, و الذي أجاب علي الأسئلة التي طرحتها عليه مشكورا, ثم أرسل إلي بيان صادر منهم يوضح أسباب رفض الخرطوم للحوار مع قطاع الشمال, ثم الإشادة بالاتفاق الذي وقع بين الخرطوم و جوبا لتنفيذ الترتيبات الأمنية. لذلك يقول السيد عرمان إن الاتفاق لن يؤثر عليهم مطلقا, و قال الشيء المحير إن حكومة الخرطوم هي التي تريد حل المشاكل السودانية بعناصر من خارج الدولة السودانية, و يتبين عندما تسأل الخرطوم حكومة الجنوب عن حل مشكلة قطاع الشمال و فك الارتباط معه, رغم أن قيادات المؤتمر الوطني ذهبت في البداية في حل المشكلة سودانيا عندما وافقت علي الحوار مع قطاع الشمال, و الذي أدي لتوقيع اتفاق أديس أبابا من قبل مساعد رئيس الجمهورية و نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني و العالم كله يشهد علي ذلك, أما قضية أن الاتفاق سوف يحد أو يعيق حركة الجبهة الثورية و حركات دارفور و قطاع الشمال, هذا عبث و سوف يفاجأ العالم أن قواتنا تنتشر داخل الحدود السودانية, و تسيطر علي 40% من الحدود, و إن قواتنا تجوب طول الحدود, و نحن نمارس حرب عصابات, و هي حرب لا يهزم أصحابها, و سوف تبين الأيام أن الترتيبات الأمنية التي تلهث وراءها السلطة لن توقف العمليات العسكرية, و كل ما تطورت الأحداث تتطور العملية النضالية بأشكال نوعية. و المعلومات التي تحصلت عليها إن تأجيل الحوار جاء بطلب من الحكومة السودانية, و التي قدمت شروطا جديدة لكي تتحاور مع قطاع الشمال, و اشترطت إذا لم يفك الارتباط بين الحركة الشعبية و قطاع الشمال أنها لا تستطيع الجلوس و الحوار, و تهدف الحكومة من وراء ذلك أنها تريد بعد انسحاب قوات البلدين أن تختبر قوة و حركة قوات الجبهة الثورية, و خاصة قوات الحركة الشعبية قطاع الشمال في الولايتين, و هل تستطيع أن تحجم حركتهم, أم أنهم قادرون علي الحركة بصورة واسعة في الإقليمين. و بموجب النتيجة التي تصل إليها بعد تطبيق تنفيذ الترتيبات الأمنية تقرر أنها سوف تجلس معهم أم أنها سوف تحسم القضية عسكريا باعتبارها مشكلة داخل الحدود السودانية, و إذا استطاعت تحجم العمل العسكري تظن لا يبقي أمام حملة السلاح غير قبول الجلوس و التفاوض علي شروط المؤتمر الوطني. و لذلك نجد السيد عرمان يقول, إن العقلية السياسية السودانية التسلطية لا تقرأ التاريخ, و لا تستفيد منه, فمشكلة الجنوب بدأت بطلب بسيط جدا من النخبة الجنوبية هو "الفدرالية " ثم تطورت إلي " الكونفادارالية " حتى وصل إلي الانفصال, دون أن تعي النخبة السياسية التطورات التي تحدث في الجانب المقابل. و هي نفس الخطوات التي تسير بها قضية في الولايتين و دارفور, حيث بدأت تظهر مجموعات متطرفة جدا تنادي أن تضع قضية تقرير المصير في أجندة التفاوض, و جعله محورا أساسيا, و قال نحن نجد ضغطا كبيرا من القواعد, و لكن لا نريد أن يتمزق السودان, و لكن قيادات المؤتمر الوطني لكي تبقي في السلطة ليس لها مانع أن يتمزق السودان و يصبح كنتونات, شرطها أن تظل في الحكم, لذلك هي الوحيدة التي لم تتأثر و تحزن لانفصال الجنوب.و إن حكومة الخرطوم تستخدم المجاعة و الحصار الغذائي و تشريد المدنيين في تلك المناطق للضغط علي الجبهة الثورية و هذه مفارقة تماما للقيم الإنسانية. اعتقد إذا كانت قيادة المؤتمر الوطني تفكر بمنطق الحصار, و تسوية مشكلتها مع دولة جنوب السودان علي حساب المشاكل الداخلية, تكون قد ارتكبت خطأ تاريخيا, لأنها تحاول تسويات مشاكلها الخارجية لكي تقمع الداخل, و هذه السياسة مارستها أكثر من عقدين ما هي نتائجها غير الانفصال, و توسيع دائرة النزاعات و الحروب, و القضية المهمة أن الإنقاذ مهما كانت نتائج محادثاتها مع دولة جنوب السودان, إنها لن تنعكس علي علاقاتها الدولية, و لا تجد انفراجة في علاقاتها إذا لم تتصالح مع شعبها و تحل مشاكلها الداخلية, خاصة إن المحور الذي تعمل فيه الإنقاذ محور ضيق جدا ربما يعطل بعض الإجراءات و لكن لا يغير من الواقع شيء, القيادات التاريخية في العالم و التي استطاعت أن تصنع التاريخ في دولها, اهتمت ببناء العلاقات الداخلية و المصالحات الداخلية ثم انتقلت إلي الخارج, و الإنقاذ تريد أن تعالج الخارج دون أن تحدث أية تغييرات في سياساتها الداخلية, و هو المأزق الذي تقع فيه, فهي تحتاج إلي تغيير منهجها و تجعل الحوار الصادق هو نقطة انطلاق من أجل علاج المشاكل الداخلية دون فرض وصاية علي الآخرين, فالأزمات لا ينفع الهروب منها و إهمالها أنما هي تحتاج لمواجهة حقيقية من خلال وضع كل القضايا في مائدة التفاوض الوطني, و ما يؤسف له إن قيادات الإنقاذ دون استثناء تعتقد أن المصالح الحزبية التي تضمن المصالح الذاتية هي فوق المصالح الوطنية لذلك عجزت عن حل أية مشكلة بل أن المشاكل توالد بعضها البعض. فهي تريد حكمة, فهل هناك من يقوم بدور الفيلسوف دوجين و يحمل مصباحه وضح النهار و يبحث عنها بعيدا عن النخبة الحاكمة.الله الموفق