! ما إن تُسمع صيحة حرامي في مصر والسودان وفي كثير من الدول العربية حتى يتدافع أفراد الجمهور بعفوية وشهامة ويقومون بمطاردة اللص والقاء القبض عليه وتسليمه إلى أقرب رجل شرطة ، هذا التصرف الجماعي التلقائي ، الذي تسميه بعض القوانين (القبض والاحضار) هو تصرف شرعي منصوص عليه في سائر قوانين الاجراءات الجنائية ، ويُقصد به على وجه التحديد سلطة الفرد أو الجماعة في القبض على الجانى المتلبس بجناية أو جنحة يجوز فيها قانوناً الحبس الاحتياطى وتسليمه الى أقرب رجل من رجال الشرطة دون احتياج الى أمر بضبطه وهذه السلطة يجب أن تُمارس بضوابط معينة وهي وقوع حالة تلبس بارتكاب جريمة مُعاقب عليها بالحبس في غياب رجال الشرطة ، إضطرار الفرد أو الجماعة لممارسة القبض بقصد مساعدة الشرطة ومنع الجاني من الهروب من المساءلة القانونية وغني عن القول إنه يجوز للمواطن العادي في هذه الحالة ممارسة حق الدفاع الشرعي الذي قد يصل إلى حد قتل اللص إذا شعر المواطن ، مقدم المساعدة، بخطر داهم يعرضه هو أو غيره إلى الموت أو الأذي الجسيم ولا يُمكن تفاديه بدون قتل اللص المهاجم، ومن المؤكد أن حالة الضرورة هي التي تبرر تشريع وتفعيل هذه السلطة التي تهدف أساساً إلى تمكين المواطنين المدنيين من مساعدة الشرطة في ضبط الجناة ومنعهم من الهرب من مسرح الجريمة وتسليمهم للشرطة. من الملاحظ أن سلطة الضبط والاحضار التي تمنح للمواطنين المدنيين تختلف كلياً عن حق الضبطية القضائية وهي سلطة الشرطة أو النيابة في التفتيش والضبط والحبس والتحقيق وهذه السلطة لا تُمنح بموجب القانون إلا لموظف رسمي بغرض استكمال صلاحيته ، ولهذا فإن دعوة البعض في مصر إلى منح سلطة الضبطية القضائية للمواطنين العاديين هي طريق معبد للحرب الأهلية لأنها ستعرض جميع حريات المواطنين للخطر ، فمن الممكن مثلاً أن يقوم المدنيين المؤيدين للحزب الحاكم في أي دولة بإلقاء القبض على المعارضين السياسيين المدنيين واقتيادهم وحبسهم في منازلهم الخاصة والتحقيق معهم بحجة ممارسة الضبطية القضائية وهذا المسلك لا يُمكن وصفه إلا بالفوضى العامة التي لا علاقة لها بأي نظام سياسي أو إداري أو قانوني حديث ، فالمعارضة السياسية السلمية في أي دولة ، مطلوبة بغرض مراقبة ومحاسبة الحزب الحاكم وضبط لصوص الحكومة (إن وُجدوا) ولذلك فإن الدعوة إلى مساواة صيحة اقبض حرامي مع صيحة اقبض معارض سياسي هي أمر يجب أن يُرفض تماماً من قبل أي شخص يتمتع بالحد الأدنى من القوة العقلية سواء أكان ذلك الشخص مؤيداً للحكومة أو معارضاً لها أو لا يعنيه أمرها على الإطلاق. فيصل الدابي/المحامي