تحت عنوان (جهله بالشورى وبالديمقراطية) تحدث الجمهوري المعظال فقال" يقول وقيع الله (إن محمود يتناسى - مرة ثانية - أن آية الشورى التي سميت عليها سورة كاملة في القرآن نزلت في مكة وهي الآية التي تقول عن الجماعة المسلمة المكية: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) وهي آية لم تنسخ قط لأن ما تضمنته من الإيمان وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لم ينسخ قط. يضاف إلى هذا التحكم في استخدام استراتيجية ضرب القرآن بعضه ببعض أن هذا الفهم يستبعد كل ممارسات الصحابة الرشيدة لحريتهم، من اختيار للخلفاء إلى توجيه النقد والتقويم إليهم، وإلى كل ممارسات الشورى والحسبة في مجتمع النبوة، ومجتمع الخلفاء الراشدين). أنت الذي لا تعرف معنى الآية وعلق على ذلك فقال:" ولو كان وقيع الله يعرف، لعرف أن الآية التي أوردها، لا تحوي حكما، وإنما تصف حال المسلمين في مكة .. فهم يصلون، وينفقون، ويتشاورون في أمورهم. والنسخ لا يقع إلا مع وجود حكمين متعارضين ". وخاتمة قوله هذا خطأ، فالنسخ يأتي لأسباب غير ذلك، منها التدرج في التشريع، أو الإتيان بحكم أحسن من الحكم المنسوخ، أو مثله، أو ابتلاء العباد، ليعلم من يتبع النسخ ممن يرفضه، متبعا النص المنسوخ، وليثبت الله تعالى به الذين آمنوا، كما تشير آية سورة النحل. ولكن دع هذا وانظر إلى تخليظ هذا الرجل الذي لم نظلمه، عندما اتهمناه بإدمان المجادلة والمعاظلة، فهو يدعي أن آية الشورى، التي تحدث عنها، لاتنشئ حكما للمجتمع الإسلامي المكي، وإنما تصف فقط وضع المسلمين المكيين. والآن فلننظر إلى إفادات علماء التفسير الثقاة، الذين فهموا القرآن على حقيقته، وكانوا ترجمانا له، لنرى أنهم قالوا بغير ما قال به هذا المفتري المتلاعب بأى الرحمن. قال الإمام السلفي الشيخ عبد الرحمن ناصر السعدي:" ( شُورَى بَيْنَهُمْ ) أي: لا يستبد أحد منهم برأيه في أمر من الأمور المشتركة بينهم، وهذا لا يكون إلا فرعا عن اجتماعهم وتوالفهم وتواددهم وتحاببهم وكمال عقولهم، أنهم إذا أرادوا أمرا من الأمور التي تحتاج إلى إعمال الفكر والرأي فيها، اجتمعوا لها وتشاوروا وبحثوا فيها، حتى إذا تبينت لهم المصلحة، انتهزوها وبادروها، وذلك كالرأي في الغزو والجهاد، وتولية الموظفين لإمارة أو قضاء، أو غيره، وكالبحث في المسائل الدينية عموما، فإنها من الأمور المشتركة، والبحث فيها لبيان الصواب مما يحبه الله، وهو داخل في هذه الآية ". وقال الإمام الصوفي المتأمل الشيخ محمد متولي الشعراوي:" ثم تأمل {وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ} .. ولم يقل: تشاور. فعبَّر بالمصدر ليؤكد أن أمرهم هو نفسه الشورى، كما تقول: رجل عادل ورجل عَدْل، فجعلته العدل ذاته ". وإذن فالوصف في الآية كان وصفا للحكم نفسه كما قال الإمامان الراشدان السعدي والشعرواي. مخالفة النهج اضطرارا وهكذا جاء القول القرآني في هذه الآية في صيغة الوصف، ولم يعد مع ذلك أن يكون حكما أيضا، وذلك بخلاف ما زعم الدجال المعظال، الذي قال كل ما قال ليفادي شيخه المتخبط تهمة مفارقة الخط الذي اختطه لنفسه، وهو خط الاعتماد على القرآن المكي وحده (قرآن الأصول كما سماه!) وتجاهل القرآن المدني (قرآن الفروع كما سماه!). وذلك لما ضبطناه متلبسا بممارسة لا منهجية، تخالف نهجه هذا الغريب، الذي وضعه لنفسه ولم يلتزمه. وقلنا له إزاء ذلك إن آية الشورى مكية وليست مدنية، وهي قد علمت المسلمين أصول التداول الحر، وأكدنا له أن هذه الآية لم تنسخ بآية من القرآن المدني، كما زعم. ثم برز تابعه هذا المتعظِّل ليقول لنا ما لم يقله أحد من السابقين، وهو أن الأية الناسخة لآية الشورى هي آية آل عمران، التي تأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بألا يدع رأيه لرأي الناس، كما زعم وقال: " ولهذا فإن آية الشورى، التي نسخت الديمقراطية، التي هي من أصول الإسلام في أمر الحكم، إنما هي قوله تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) قد أمرت النبي صلى الله عليه وسلم، وكل من يحكم المسلمين، وفق الشريعة، بأن يشاور من يشاء ممن حوله، ولكن له الحق، إذا عزم على أمر، أن يتوكل على الله، ويمضيه، وإن خالف من شاورهم. ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يشاور أصحابه، وكثيرا ما ينزل عند رأيهم، ولكنه يمكن ان يخالفهم، كما حدث في صلح الحديبية .. وتلك ايضاً كانت سيرة خلفائه". الوصف هو وصف لحكم وقبل أن ننظر في قوله هذا دعنا نستعيد النظر إلى آية سورة الشورى التي نسخها المنسوخون الجمهوريون، حيث ادعى داعيهم أنها تصف وضعا ولا تقرر حكما. فهذه هي الذريعة المنتحلة التي جاء بها لينسخ كلام الله تعالى ويمسخ العمل به. وإزاء هذا يمكن أن نسأله سؤالا يبهته، فنقول له إذا كانت الآية الشريفة لا تقرر حكما تشريعيا فما الداعي لنسخها إذن؟! أما إذا تراجعتَ وقررتَ تحكُّما الآن أنها قد احتوت حكما تشريعيا دالا على الشورى (وهو ما أنكرتَه قبل هنيهة)، فهل يا ترى نسخت معه الأحكام التشريعية، التي جاءت معه في السياق نفسه، وهي أحكام: الإيمان (اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ)، والصلاة (وَأَقَامُوا الصَّلاةَ)، والزكاة (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)؟! كلا! فما يمكن أن يقول بهذا مسلم له علاقة بالقرآن وعلومه هذا، وما يقول بنسخ كهذا إلا جمهوري كفَّار أثيم. وأما الآية الناسخة، بزعم هذا المجادل، وهي آية أل عمران، فما جاءت إلا لتثبيت حكم الشورى، لما عمل بها النبي، صلى الله عليه وسلم، وكانت نتيجتها التي انتهت إليها، وهي ضرورة الخروج من المدينة، للقتال عند سفح بدر، أحد أسباب الهزيمة. فجاء القرآن الكريم ليطلب إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يدأب على مشاورة أصحابه الكرام، رضوان الله تعالى عليهم، حتى إذا انتهت مداولات الشورى إلى قرار بعينه، فعليه حينئذ أن يمضيه وألا يتراجع عنه. لأن نقض الشورى أسوأ من أي عاقبة يمكن أن تؤدي إليها، حتى لو كانت هزيمة كبيرة في عراك حربي. فنقض الشورى، يعني نقض القدرة على اتخاذ أي قرار جدي فيما بعد. وبذا يتضح أن ما استنتجه هذا الجمهوري الخبيث، الذي جعل همه وجميع وكْده تشويه الشريعة الإسلامية، شريعة الرسالة الأولى بوهم شيخه المضل، ليُسوِّد بدلا عنها، شريعة الرسالة الثانية، إنما هو استنتاج مغرض فاسد. فالآية الكريمة لا تقول للنبي، صلى الله عليه وسلم، ولا لأي قائد من بعده، على طريقه، فإذا عزمت أنت على أمر ما، فاضرب برأي الشورى عُرض الحائط، واتبع رايك الخاص. وإنما قالت إذا استقر أمر الشورى العامة على أمر ما، أي على قرار محدد، فامضه ونفذه متوكلا على الله رب العالمين. وأما أمر صلح الحديبية الذي حلا للمعظال الضال أن يستشهد به على عدم أخذ النبي، صلى الله عليه وسلم، بنتيجة الشورى العامة، فلم يكن الأمر أمر شورى في الأصل، وإنما أمر وحي كريم. ويومها قال صلى الله عليه وسلم: " أنا عبد الله، ورسوله، لن أخالف أمره، ولن يضيعني ". رواه البخاري. مما دل على أنه كان يتلقى الأمر وحيا. ثم ثبت ذلك بتنزل مفاتيح سورة الفتح.