! الخرطوم – حسام بدوي مدخل: عندما نعيش لذاتنا فحسب تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود. أما عندما نعيش لغيرنا؛ فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض. إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة، نربحها حقيقة لا وهماً؛ فليست الحياة بعدّ السنين، ولكنها بعداد المشاعر. (سيد قطب) (1) كلمات سيد قطب، استحكمت على قلوب الإخوان المسلمين، وسحرت ألبابهم، فأخذوا بدورهم يطبقونها أينما وجدوا، وإن استعصى عليهم ذلك، رددوها في مجالسهم ليشحذوا بها همم بعضهم. والقيادي الإسلامي البارز علي الحاج واحد منهم، سلم بكل سطر خطه سيد قطب، وبدا ذلك جلياً في حياته منذ سني عمره الأولى وحتى الآن. عقب قدومه من دارفور حاملاً بعض أجزاء القرآن بين جنبيه، إلى مدرسة خور طقت لتلقي تعليمه الثانوي، انخرط في صفوف الحركة الإسلامية من فوره، وبرز بين قياداتها، ليتم فصله بسبب نشاطه السياسي، لينتقل بعدها إلى مدينة أم درمان، ويتصل ببعض المعلمين الإسلاميين، ليرتبوا له فرصة دراسية داخل مدرسة المؤتمر الثانوية التي أحرز منها علي الحاج المركز الأول في الشهادة السودانية في مطلع الستينيات من القرن الماضي والدخول بعدها إلى جامعة الخرطوم التي حاز فيها على درجة البكلاريوس من كلية الطب. هاجر إلى بريطانيا وأكمل تعليمه العالي ونال درجة البكلاريوس في الطب، والتخصص في مجال النساء والتوليد، ليبدأ ممارسة مهنته بفتح عيادة في مدينة لندن كانت تدر عليه – بحسب المقربين منه، مبالغ مالية ضخمة، كان ينفقها على السودانين المقيمن في الخارج ودعم الإسلامين في البلاد. (2) حياة الرفاهية والنعيم لم تأثر على معتقداته الحزبية ورسالته الدينية، ما دفعه إلى إغلاق عيادته في الخارج والعودة إلى البلاد في منتصف السبعينيات، ليمارس نشاطه السياسي هاجراً مهنته الأساسية، وعقب توقيع المصالحة الوطنية بين الرئيس الراحل جعفر نميري والإسلاميين، ولي علي الحاج أول منصب تنفيذي في تاريخه السياسي، حيث شغل وزيراً إقليميا بكردفان، واستمر في منصبه زهاء ثلاث أعوام. وعقب الانتفاضة الشعبية في أبريل من العام 1985 شغل علي الحاج الأمانة السياسية للجبهة الإسلامية القومية خلفاً للقيادي الإسلامي أحمد عبد الرحمن، وظل في منصبه حتى وصول الإسلاميين إلى السلطة في العام 1989م. (3) درجة الذكاء العالية التي يتمتع بها وبعد نظره، إلى جانب توجهاته الإسلامية والقومية، جعلت منه أحد الستة الذين كان يتخذهم عراب الحركة الإسلامية د. حسن الترابي مستشارين له أثناء ترتيبه للانقلاب وتخطيطه للوصول إلى السلطة، ويقول القيادي الإسلامي أبوبكر عبد الرازق: إن علي الحاج أحد أهم كنانات الحركة الإسلامية ومن أقوى سهامها عندما يتعلق الأمر بعمليه التأسيس والإنشاء، ويضيف أبوبكر في حديثه ل(القرار)، كان وجود علي في الخارج عقب الوصول إلى السلطة تمويها في المقام الأول، ولتقديم الدعم وتهيئة المسرح الدولي لقبول تغير السلطة في البلاد، والمهمة لم تكن ضربه لأزب بحسب أبوبكر، بل لكونه يتمتع بعلاقات واسعة في أورباء إلى جانب تأثيره على السودانين المقيمين بها، وعندما استتب الأمر للإخوان، وبدأت الحقبة التي أطلق عليها (التمكين)، عاد إلى الداخل ليتم تكليفه بالتأسيس للنظام الفدرالي للحكم في تلك الفترة، ويعد عراب الفدرالية في البلاد، ليبدأ عمله في تقصير الظل الإداري، وتوزيع عواصمالولايات بقدر يضمن توزيع سهل للسلطة والثروة، واختار عددا كبيرا من العواصم مثل سنار و ربك. كان قائد وفد جميع وفود مفاوضات الحكومة مع الحركة الشعبية في مدينة بيرغن، وبحسب معطيات تلك الفترة فإن المفاوضات كانت تمضي بصوره جيدة، ليوقع في العام 1992م في مدينة فرانكفورت الأمريكية مع الراحل د. جون قرن مبدأ تقرير المصير لمواطني جنوب السودان، والتي عرفت بوثيقة فرانكفورتر كبادرة حسن نيه مقدمة من الحكومة وإبداء رغبتها في الوصول إلى صلح مع الفصيل المسلح. (4) كان علي الحاج من ضمن الثلاثه الذين رشحو لتولي منصب نائب رئيس الجمهورية عمر البشير، وتتضاربت الروايات حول ذلك الأمر، فهنالك من يقول إنه كان في ذيل القائمة؛ إلا أن القيادي بحزب المؤتمر الشعبي، الذي يشغل الأمين السياسي للحزب؛ كمال عمر يقول ل(القرار) إن خيار تنظيم الإسلاميين وقتذاك؛ رشح علي الحاج ليشغل المنصب الثاني في الدولة. ويضيف، لم يكن النائب الحالي علي عثمان محمد طه هو المرشح، ويواصل كمال عمر في شهادته للتاريخ كما يقول، انقلبت الموازين لأن البشير لم يكن يريد علي الحاج نائبا له، وفضل عليه علي عثمان. بعد أن حسمت قضية الرجل الثاني في الدولة لصالح علي عثمان، وأوكل إلى علي الحاج ملف المفاوضات مع الجنوب؛ حينها كانت الحرب في أوجها. وبحسب كمال عمر، فإن سحب ملف السلام مع الجنوب من علي الحاج قد تم من قبل تيار متشدد هو ذاته الذي ساهم بشكل مباشر في فصل الجنوب، وهو الذي يقود الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق – حسب كمال عمر. (5) وقف علي الحاج إلى جانب شيخه الدكتور حسن الترابي، في مفاصلة الإسلاميين الشهيرة في عام 1999، والتي عرفت بمجموعة (المنشية)، كما ارتبط اسمه بالكتاب الأسود، الذي حوى مظالم تاريخية جرت في دارفور، ويقال إنه دعم بشدة الإجراءات التي كان يريد أن يتخذها الترابي حينذاك، قبل الإطاحة به من السلطة. ويرى كمال عمر أن مجموعة القصر اتخذت الكتاب الأسود ذريعة، لتلصقه به والشيخ الترابي، لمحاربة حزب المؤتمر الشعبي. وبعد وقوع المفاصلة في حكومة الإسلاميين، وفرزت الكيمان اختار علي الحاج ألمانيا منفى له، ليؤدي مهمة أخرى تختلف عن الأولى؛ يقود فيها معارضة الحكومة في الخارج. وطالت علي الحاج كثير من الاتهامات بتدويل قضية دارفور للمجتمع الدولي من خلال علاقاته الخارجية، وعلاقته ببعض أبناء دارفور في الحركة الإسلامية، وما عزز تلك الاتهامات، قيام حركة العدل والمساوة التي انحاز قائدها الراحل خليل إبراهيم إلى جانب مجموعة المنشية بعد المفاصلة، حتى أطلق على الحركة الجناح العسكري لحزب المؤتمر الشعبي. ويقول كمال عمر: إن كل أبناء دارفور، والذين كان بعض منهم في قيادة الأجهزة الأمنية الشعبية للتنظيم، انحازوا للمؤتمر الشعبي، ويضيف: (ولكن المضايقات والملاحقات الأمنية جعلت الكثير منهم ينسلخوان منا ويكونوا في قيادة الحركات المسلحة ضد الحكومة). (6) التراشق بالألفاظ وإلصاق التهم، من أبرز السمات التي كان يتصف بها الإسلاميين في مطلع الألفية الحالية، حيث وصف أتباع الترابي من اختاروا البقاء في السلطة بالمتخلين عن الفكرة والتابعين للسلطة، إلى جانب عديد من التهم التي طالت الشعبين، وعلي الحاج منهم، حيث وجهت له تهمة استلام (50%) من حصة سكر ولايات دارفور لمدة عامين لتشييد طريق الإنقاذ الغربي من الخرطوم إلى الجنينة، التهمة التي رد عليها بتعليقه الشهيير (خلوها مستورة) والجملة لم تكن نابعة من خوف مضي المتهمين له قدوماً وإخراج تهم جديدة، بل جاءت وبحسب قيادات إسلامية، من باب جبر الضرر ومقاربة الشقة بين الإخوان المسلمين في السودان، بيد أن أكبر التهم التي وجهت له كانت ضلوعه في التخطيط، لقصف مطار الفاشر في العام 2003م، بيد أن بشرى محمد عثمان أحد مؤسسي حركة وجيش تحرير السودان يروي في مذكراته، تفاصيل قصف مطار الفاشر بدقة، مبرئاً علي الحاج من تلك التهمة، قائلاً: (عبدالله أبكر هو من خطط لقصف مطار الفاشر، الذي لم يتم التخطيط له إلا لتفادي القصف الجوي الذي شنته القوات المسلحة على متمردي دارفور عقب خطاب شهير ألقاه رئيس الجمهورية برفقة الرئيس التشادي إدريس دبي، في مدينة الفاشر في العام 2003م، حيث لم يكن من بين خيارات تلك الفصائل سوى خيارين أولهما الحصول على مضادات للطائرات، أو قصف تلك الطائرات والمنصة التي تنطلق منها وهو الذي تم)، الإفادة السابقة برأ فيها بشرى علي الحاج. (7) القيادي الإسلامي أبوبكر عبد الرازق لا ينفي صلة علي الحاج بالحركات المسلحة، حيث يقول: (نحن لا ننفي صلته بالحركات المسلحة، وتقديمه الدعم لها، بيد أنه كان يقدم المشورة ويدعم توجهات الصلح لا أكثر أو أقل). ويقول ضابط رفيع المستوى فضل عدم ذكر اسمه ل(القرار): إن علي الحاج هو من أوصى قيادات حركات دارفور بعدم قتل الأسرى والتعامل معهم وفق الشرع الإسلامي، والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان. (8) التوجهات القومية من سماته الأصيلة، ونبذه للفرقة والقبلية تهمة لا ينكرها أبداً، ويقول عنه كمال عمر في حادثة وقعت معه في مدينة أسمرا: عند حضور بعض قيادات الحركات المسلحة في دارفور، التي طالبت بأن تلتقي بعلي الحاج بمفرده، بيد أنه أصر على أن نكون حضوراً – أي كمال عمر - وقال لهم: ( أنا أخو مسلم عايزين ترجعوني لدارفور غرباوي تاني). الرواية السابقة تؤكدها تصريحاته المستمرة التي يوجهها صوب الحكومة وفصائل دارفور، ويقول في تصريح له بث على إذاعة أجنبية: (أوجه الحديث إلى الحركات المسلحة التي بدأت تعامل الناس بنوع من العنصرية، أطلب منها التعامل بوطنية وقومية لتنأى بنفسها عن التهمة التي نوجهها إلى الحكومة) ويمضي في قوله (سنسعى إلى وقف الفواصل التي وجدت بيننا وبين الجنوب، وسنسعى بكل ما أوتينا من قوة إلى مد جسور التواصل بيننا). (9) اللقاء الأخير الذي جمع بين علي الحاج والنائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محم طه في مدينة برلين الألمانية، أراق الكثير من مداد التكهنات، فالقاء بين الفرقاء فوق العادة، فهم من تراشقوا بأقذع الكلمات وتطاولت بينهم الشقة والفرقة، ما دفع الإسلاميين إلى إخراج أماني الوحدة إلى العلن، وجزء آخر أحاطت به الريبة من قرب توقيع صفقة شبيهة بالتي جاءت بالحاج آدم نائباً للرئيس، بيد أن أبوبكر يقول في حديثه ل(القرار) : (علي الحاج هو من طلب لقاء علي عثمان لا لشيء إلا لعيادة المريض فقط إلى جانب العلاقة التي تجمع بينهما والتي تمتد إلى أكثر من أربعين عاماً امتدت إلى حد التواصل الأسري. ويضيف، علي الحاج ملتزم بالوثيقة التي وقعها الشعبي عام 2010 التي أكدت على ضرورة تغيير النظام بانتفاضة شعبية) ويضيف أبوبكر، علي الحاج ليس بخوان للعهود. وتلك التكهنات شبيهة بسابقتها التي سرت عند اقتراب موعد عقد المؤتمر العام للحركة الإسلامية السابق، حيث بدأت التساؤلات تترى: هل صحيح أن علي الحاج سيعود للبلاد؟، وكانت الإجابة لدى بعض قادة الحركة الإسلامية تمنيات وأشواقًا مثلما ورد عن الأمين العام للحركة الإسلامية بولاية الخرطوم عثمان الهادي الذي تضرع لله أن يرد غربة علي الحاج من أجل السودان والحركة الإسلامية، وكان رئيس القطاع السياسي بالوطني د. الحاج آدم كلما سُئل عن الحوار مع المؤتمر الشعبي أشار لوجود حوارات فردية وهو ما قاد للتوقع بعودة علي الحاج ربما إلى الوطني. وشيء آخر قاد إلى ذلك بروز آراء ناقدة من علي الحاج لحزبه الذي قال فيه بصريح العبارة: إنه لا يدري ماذا يفعل بالداخل، وتحدَّى إن كانوا يريدون أن يشتموه، وقال في حوار أجري معه من ألمانيا قال فيه: أنا مثلاً موجود هنا في ألمانيا والله لا أعلم ما الذي يفعله المؤتمر الشعبي الآن في الخرطوم، أنا أقول ومن يريد أن يشتمني حتى من المؤتمر الشعبي في قولي هذا فليشتمني)، وهو ما ذهب البعض إلى أنه بدأ منذ مدة يغازل المؤتمر الوطني، هذا بجانب رأيه في مذكرة التفاهم بين المؤتمر الشعبي والحركة الشعبية التي قال: إن الحكومة أعطتها قيمة أكبر منها وأهمية لا تستحقها، لكن حديث قادة الشعبي يؤكد وبقوة عدم صحة تلك التكهنات (علي الحاج ليس بخوان للعهود). (10) جُرد من منصبه السابق كمساعد للأمين العام للمؤتمر الشعبي، ذلك التجريد لم يأتي نتيجة لتقصير نبع منه أو عدم ثقة أنما لوجوده في الخارج. كل المؤشرات تقول بأنه الأقرب والأوفر حظاً لخلافة القيادة التاريخية للإسلاميين د. حسن عبدالله الترابي، وبحسب أبوبكر فإن شخصيته القوية وبعد نظره إلى جانب تمتعه الكبير بالقبول بين الجميع، ونبذه للقبلية المستمر والمتكرر، وقدرته على خلق جو من الوفاق، وجمع الصف وتأهيل القيادات، تقديمه للمشورة المستمر، إضافة إلى توجهاته الإسلامية والقومية تجعله الأوفر حظاً لتلك الخلافة.