تقرير: عادل حسون مر أسبوع على الزيارة الخاطفة التي قام بها د. سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة المصري- الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، للخرطوم، بغرض لقاء حزب المؤتمر الوطني الحاكم وتوقيع مذكرة للتعاون الثنائي معه. الحزبان بديا خائفين وقد طفقا يخصفان على جسديهما بحزمة من التفاهمات المشتركة في القضايا التي تقلق الطرفين. أحجمت القوى السياسية المعارضة في الخرطوم من التعليق على الزيارة وما انتهت إليه. فالمؤتمر الوطني أشتهر بكثرة التوقيع على مذكرات التفاهم مع الأحزاب الحاكمة في دول جوار السودان، فلا جديد. المفارقة، أن القوى السياسية المعارضة بمصر، تجاهلت أيضاً اتجاه "الحرية والعدالة" جنوباً وتأطير تفاهماته المشتركة. الكتاتني، عرف في مصر بأنه نجم الحوارات مع قوى المعارضة. حصل على تأجيل قضايا حلايب والتغاضي عن تعطيل الجانب المصري لتنفيذ اتفاق الحريات الأربعة إلى حين، علاوة على دعم كامل لمصر في أي محنة قد تواجهها من قبيل المعارك الكبرى التي تنتظرها، ومع ذلك لم يلتفت الساسة المصريون لإنجاز الرجل، فهرع للتدوين على جداريته ب"الفيسبووك" معبرا عن سعادته لزيارة السودان. في هذا الوقت من التاريخ تواجه جماعة الإخوان بأعظم تحد منذ صعود ممثلها إلى كرسي الرئاسة المصرية، د. محمد مرسي، شرعية البقاء على المسرح السياسي. في ذات الوقت، يبدو الحليف السوداني للجماعة يائسا من التوافق مع الأطراف السياسية في الساحة، وقد زهدت بالفعل من التفاهم معه. المعارضون في البلدين، لا يرضون بديلا سوى بذهاب النظامين بأسرع فرصة. المطروح من قبل الحزبين الحاكمين، لا يرضي بدوره أولئك أو يجعل من الممكن حدوث توافق سياسي على أي وجهة مستقبلية. فلما ذلك؟. الحكم ليس نزهة ليس من قبيل الصدفة أن الحزبين محاطان بذات المشكلات. تكتل عريض من الرفض ضد حكمهم مع اختلاف قليل في التفاصيل. جبهة "الإنقاذ" المصرية وتضم اليسار والناصريين والقوميين والليبراليين والمستقلين ونخب المال والأعمال القديمة، تتجه إلى عقد مؤتمرها العام لتعلن بداية المعركة رسميا ضد الحكم القائم. فلول النظام البائد وما تسميه الصحافة القاهرية ب"الدولة العميقة"، لا تزال تعبث في بعض الملفات الأمنية والاقتصادية لإعاقة إنطلاق مشروع "النهضة"- البرنامج الانتخابي للرئيس المرسي. وبالأمس القريب، اصطرع التيار الإسلامي نفسه، حزب "الحرية" الحاكم وحزب "النور" السلفي- الحليف الأبرز تحت قبة مجلس "الشورى" المناط به سلطة التشريع مؤقتاً ريثما ينتخب مجلس "النواب"، بسبب "الصكوك المصرفية" المثيرة للجدل الفقهي بشأن مدى شرعيتها الدينية. الانتخابات البرلمانية القادمة، المعركة الأبرز للحزب وللجماعة. فالتدابير المتخذة بحيث يضمن تقسيم الدوائر أغلبية مريحة في المجلس، ردت من قبل المحكمة الدستورية العليا فتعطل التدبير. المعركة الرئيسية محورها التقرير غير الملزم لهيئة مفوضي الدولة بالمحكمة الإدارية العليا، الموصي بحل جماعة الإخوان المسلمين لعدم شرعيتها. ومع أن إدارة الجمعيات الأهلية بوزارة التأمينات والشئون الاجتماعية، أكدت حصول الإخوان المسلمين على ترخيص لتوفيق أوضاع الجماعة تحت قانون الجمعيات الأهلية رقم 84 لسنة 2002م وإشهارها تحت القيد 644/ 2013م، وفقًا للدستور الجديد، والذى ينص على إشهار الجمعيات بالإخطار، إلا أن المحكمة ستبت في جلستها الثلاثاء في توصية التقرير. لكن 30 شخصية عامة و20 حزباً وحركة سياسية استبقت ذلك بدعوة للتظاهرات أمام مقر مكتب "الإرشاد" بضاحية المقطم جنوب شرق القاهرة (انتهت لاحقا في ليل الجمعة إلى صدامات أوقعت نحو من 250 مصاباً)، مطالبةً بإقالة النائب العام وحل جماعة الإخوان بقوة القانون وكشف مصادر تمويلها والدعوة لانتخابات رئاسية أول سبتمبر القادم بإشراف دولي. الأرض تميد تحت أقدام الإخوان وحزبهم الحاكم. مؤسسات الدولة المصرية، الجيش والقضاء والإعلام، تحفظ بتماسكها المعبد من الإنهيار. ولكن إلى متى بغياب أفق لحل يفضي إلى الاستقرار؟. جبهات المعارضة.. وجه شبه يأخذ المعارضون على الإخوان المسلمين سعي الجماعة الحثيث للتمكين. التمكين عبارة ألفتها الأذن السودانية من فعل الإخوان. ف"منذ تولي الإخوان الرئاسة بدأت خطة تمكين واضحة لتغلغل الجماعة في مفاصل الدولة بتعيين وزير عدل ونائب عام ووزير داخلية وحكومة منحازة لما يقرر في المقطم مقر المرشد وليس قصر الاتحادية مقر إقامة الرئيس" يقول المعارضون. على حساب المواطن واحتياجاته وحريته وكرامته، فإن الجماعة وحزبها أدخلت البلاد في أزمات سياسية واقتصادية وحياتية وقاربت مصر حافة الإفلاس حتى وصلت إلى حد الاستنجاد بصندوق النقد الدولي بشروطه الاستعمارية المعروفة، أو تأصيل الصكوك المصرفية التي هي وجها آخر للربا المحرم بالنص القرآني. المعارضة السودانية كشفت عن ما سمته بالموقف الحقيقي والمبدئ لها "زوال النظام وإسقاطه من جذوره". "لن نقبل بوراثة المؤتمر الوطني" يقول مسئول الإعلام بقوى الإجماع الوطني، كمال عمر، في بيانه أمس الأول. أضاف بأن النظام في "ورطة حقيقية" بدأت معالمها تتجلى بشكل كبير منذ "الإنهيار الداخلي بمنظومة الحزب الحاكم". رئيس هيئة القيادة بتحالف المعارضة، فاروق أبو عيسى، أكد "استمرار المعركة ضد النظام حتى بعد إطلاق سراح كافة المعتقلين". قال إن الواجب "توحيد المعارضة بشقيها وإيقاف الحرب والخلاص من النظام المتسلط". "المطلوب وضع انتقالي كامل وتسليم السلطة للشعب الذي يستطيع التعامل مع أزمات البلاد التي تسبب فيها المؤتمر الوطني". يبدو أن ثمة وجه شبه حقيقي. في الحقيقة هناك مشكلة الطائفية الدينية في مصر وإحساس الأقباط بالتهميش السياسي حينما "أختطف الدستور بعيدا عن مبادئ التعددية الثقافية".. يقول رجل الأعمال والسياسة القبطي الأشهر نجيب ساويرس، من المنفى بعد محاولات الإخوان التضييق عليه وتحجيم ثرواته، في مقابلة تلفزيونية له بقناة (دريم) مؤخراً. من وجه مشابه، مشكلة الطائفية السياسية. فالحركة الشعبية الشمالية أقصيت عن الساحة وتصفها رموز الدولة وإعلامها مسبوقة بعبارة "ما يسمى" الكناية المأثورة للعزل السياسي. استبعاد تصور أي شكل مستقبلي لتعددية سياسية ذات مرجعية تباينات فكرية نهاية منطقية للعزل. "الوطني" قطع أحد حداته أخيراً، باتجاه وحيد للدستور القادم ناحية الوجهة الإسلامية وليس غيرها. لوم الآخرين ووزر الشياطين ليس من العسير تعيين غياب الاستقرار السياسي في كلا البلدين. ثمة اضطرابات هيكلية عنيفة في أسفل النيل تترقب فصل القضاء فيها. ثمة معارك حربية في أعلى الوادي تنتظر الحل بمساعدة الوسطاء الأفارقة. الطرفين الحاكمين يطرحان الحوار. حول الدستور الجديد ببخل ملحوظ في السودان. وحول القضايا الوطنية التي اختزلت بحنكة سياسية من قبل الإخوان في مصر إلى محض ضمانات العملية الانتخابية المقبلة. الشرعية الدستورية وآليات حفظها في كلا البلدين، متوافرة، ولكن القبول السياسي والتراضي الجمعي، يبدوان غائبين تماماً. ليس بمقدورك اللعب على كل الحبال في كل الأوقات. فالجماعة تبني شرعيتها السياسية على مبادئ ثورة 25 يناير، حرية وعدالة في مقدمتها، فيما الأفعال تبتعد عن تلك الوجهة. ذلك جوهر ما يستخلص من إفادة الأستاذ محمد حسنين هيكل، للإعلامية لميس الحديدي، على قناة (سي. بي. سي) منتصف الأسبوع. يقول المراقب العتيق "يجب أن نعلم أنهم (الإخوان) ليسوا ثوريين بطبيعتهم، المهم عندهم فقط أن تقبل افكارهم وقدراتهم بشكل أو بآخر"، "هم في حقيقة الأمر ضد الثورة وأعتقد أن ثمة تناقضات حدثت". التناقضات لها تاريخ مع الإخوان، طبقاً لهيكل، منذ الملكية والحلف الغامض مع السراي، لكن في الحاضر القريب ذهب الإخوان في 2005م للتفاوض، عندما حصلوا على 88 مقعداً في الانتخابات البرلمانية، على قبول توريث مبارك لإبنه جمال شريطة أن تكون لهم بعض الحرية. الفشل في إدارة البلاد وتحقيق الاستقرار والعبور بالمجتمع إلى بر آمن يحقق العدل والكفاية يؤكد أي تناقض متصور. الشعوب قد لا تنتظر وفي كل الأحوال تعاني من فواصل التجريب والمحاولات الدؤوبة لإبراز المهارات السياسية على حساب الإنجازات الملموسة. قد يبدو عجيباً تقبل اسناد إخوان وادي النيل وزر أزماتهم على الشياطين. قال مرشد الإخوان المسلمين في مصر، د. محمد بديع، الذي كثيرا ما تضج هتافات المتظاهرين برفض حكمه للبلاد بوصفه الحاكم الفعلي لها من مكتبه بالمقطم، أن "وسائل الإعلام وقوى المعارضة الرافضة لسياسات الدكتور مرسي، رئيس الجمهورية والحكومة، لا هّم لها إلا كتمان الخير ونشر الفساد والشر". طالب المرشد في رسالته الأسبوعية بعنوان (قيم وثوابت توحِّد الأمة) أبناء الوطن ب"القول الحسن حين يتحاورون من أجل صالح أمرهم وبلدهم حتى نغلق أبواب الشياطين بخاصة أبواق الفضائيات". قال د. نافع علي نافع، مساعد رئيس الجمهورية وأمين التنظيم بالمؤتمر الوطني أن "القوة والسلاح هم اللذان يحرسان راية الإسلام والمشروع الإسلامي وليس الاقتصاد والسياسة". وعّبر لدى مخاطبته تأهيل كتائب البنيان المرصوص المنتسبة لقوات الدفاع الشعبي الأربعاء الماضية أن "تخريج الكتائب من المجاهدين والقوات المسلحة هو تأكيد لشياطين الإنس والجن الذين يتآمرون علينا". في مصر، الإعلام الناشر للفساد والشر. وفي السودان شياطين الاقتصاد والسياسة أعداء للإسلام. عدم وضع خطة لعمل سياسي وحوار اختراقي يزيل الانقسامات يبدو أصعب من مجرد إلقاء اللائمة على الشياطين المزعومين. فيما يبدو، عدم الاقتناع بجدوى الحوار مع الآخرين والوصول إلى حلول مشتركة تزيح الكتل الصخرية التي تعيق طريق الاستقرار في البلدين، يبدو أصعب من سهولة إلقاء اللائمة على الشياطين المدعين.