النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    "قطعة أرض بمدينة دنقلا ومبلغ مالي".. تكريم النابغة إسراء أحمد حيدر الأولى في الشهادة السودانية    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إضاءة جديدة حول ذكريات ودمدني الستينات ( 2 – 3 ) وإمتلأ شارع الجمهورية بودمدني بالمتظاهرين بقيادة الختمية والشيوعيين – وأحرق شاب نفسه .... ورحل !!!! بقلم صلاح الباشا


[email protected]
بعد توقف عن مواصلة حديثنا حول مدينة الأحلام – ودمدني – وفتر الستينات الذهبية ، والتي نشرت قبل عامين أو ثلاثة تقربيا بالصحف السودانية وبالأسافير ، هاهي الذاكرة تخرج ما تكتنزه من وقت لآخر عن ودمدني التي كانت تجسد الوطن كله حين كان مشروع الجزيرة وإمتداد المناقل يحتفظ في جوفه بغالب كفاءات أهل السودان من الخفير وحتي المدير ، حين كانت أمنية كل متعلم أو مهني العمل بمشروع الجزيرة الذي كان يحمل علي عاتقه إقتصاد البلاد كلها ولمدة ثمانين عاما دون توقف إلي أن أتت الهجمة الشرسة عليه بكل عنف ولم تسترح الهجمة إلا بعد أن قضت عليه تماما وبلا مبررات حتي اللحظة وأصبحنا وكأننا نعيش في حلم من أحلام اليقظة ، فتركت الصحافة امر مشروع الجزيرة الجريح وإنشغلت ببيع بخط هيثرو ، وهنا أوقل 9( نحن في شنو والحسانية في شنو ) أي صحافة هذه التي لا يقرؤها إلا خمسمائة ألف شخص فقط من سكان البلاد البالغ عددهم بعد انفصال الجنوب 35 مليون نسمة حسب إحصائية نشرها مجلس الصحافة مؤخراً لكل أصناف الصحف ( سياسية ورياضية وإجتماعية ) فتأمل !!!!
فهل يا تري تستطيع الأجيال القادمة إعادة تحديث وتشغيل مشروع الجزيرة لنري تارة أخري الحقول الخضراء تزدهر ، فنعيد غناءنا الجميل الذي سطر مفرداته في سن باكرة الشاب الخريج وقتها السفير والشاعر محمد المكي ابراهيم وتغني به في زمان باكر ايضا إمبراطور الغناء الأفريقي كله محمد وردي ، والذي يقول ( بإسمك الأخضر يا اكتوبر الأرض تغني ... والحقول إشتعلت قمحاً ووعداً وتمني ) هل نستطيع أن نفرح بمثل هذا الغناء تارة اخري ؟؟؟
وتتواصل هنا مستجدات الذكريات لزمان الستينيات بودمدني ، وجماليات المدارس بكل ما كانت تكتنزه من أحداث ومواقف وطرائف وحكايات ، وشخوص كانت كالنجوم تتلألأ في سماء المدينة ، حيث كان التوقف عن ذكريات الدراسة في الستينيات هو بسبب دخول مشروع الجزيرة الجريح علي الخط بلا مقدمات حين فرضت حلقاتنا القليلة عن المشروع نفسها فرضا وقد كان وقع كتاباتنا عن ماضي مشروع الجزيرة في تلك الحلقات ، وقعا أليما وجميلا في ذات الوقت علي أهل الجزيرة ، علي أمل أن يتواصل الحديث عن المشروع في سانحات أخر إن أمد الله في أعمارنا . وها نحن نعود إلي عهد التلمذة ، بل الزخم الطلابي عن مرحلة تعتبر من أهم المراحل في حياة الإنسان ، ألا وهي المرحلة الثانوية القديمة التي سنظل نحني لها الهامات لأنها تجبر الإنسان بأن يصبح رجلا محترما في المجتمع بعد إكمالها ، وهنا أطلت علينا أو أطلينا عليها ، تلك المؤسسة التعليمية الناشطة في كل شيء ( مدرسة ودمدني الثانوية بنين ) في ستينيات القرن الماضي وبأنهارها الخمس التي تحتوي علي عشرين فصلاً .
_______________________________
( 1 )
هاهو اليوم الخامس من شهر يوليو من العام 1966م قد أطل ، وهانحن نخرج فرحين من بيوتاتنا المتواضعة في بركات والتي تحتوي علي شقين من البيوت وهما بيوت مشروع الجزيرة المخصصة للعاملين به والتي تنقسم حسب درجات الوظائف إلي اربع فئات وهي : بيوت كبيرة ومتسعة المساحة بكل أشجارها وتصميمها التي تشابه بيوت الريف الإنجليزي وقد كانت في زمان الإدارة البريطانية مخصصة لسكن كبار موظفي الشركة الزراعية من إنجليز وأغاريق وشوام وأقباط ، ثم البيوت الأقل إتساعا بقليل وبلا حدائق وهي بيوت الموظفين من أصحاب الوظائف الوسيطة ثم بيوت العمال الأكبر وظيفة ، ثم بيوت صغار العمال ذات الأحجام المحدودة . أما الشق الثاني من بركات هي البيوت الملك التي بناها أباؤنا بوضع اليد وسكنوا فيها لعقود طويلة ثم توارثناها نحن ، وهي لاتزال شامخة بعد أن تحسن بنيانها ومساحاتها بفضل التطور العمراني الذي ساد جميع المدن والقري السودانية ، وهو مايسمي الآن بحي الجامع ببركات والذي يشغل المساحات غرب الجامع ومنطقة السوق وإمتدادته التي وصلت حتي منطقة التكامل الحالية .
( 2 )
خرجنا من تلك البيوت ببركات في ذلك التاريخ من يوليو 1966م صوب موقف البصات الرئيسي في المدينة والذي نطلق عليه ( كبري التعاون ) لنعتلي البص المخصص من مشروع الجزيرة لترحيل طلاب ودمدني الثانوية الي المدرسة ثم ترحيلهم في رحلة العودة بعد إنتهاء اليوم الدراسي. وهنا نذكر أن لمشروع الجزيرة في ذلك الزمان بصات فاخرة ذات بابين من طراز ( مرسيدس ) وارد ألمانيا رأسا ، وتجدد كل خمس سنوات بأخري جديدة حسب النظام الإداري الهندسي الذي كان سائدا آنذاك بالمشروع ، علما بأن هذه البصات تم تخصيصها أصلا لترحيل العاملين ببركات أو مارنجان (حيث تتواجد محالج القطن ) من ودمدني إلي مقر أعمالهم ببركات ثم إعادتهم بعد الساعة الثانية ظهرا إلي مناطق سكناهم ، ثم يأتي نقل الطلاب بعد ذلك في الصباح وقبل خروج الموظفين عند الظهر .
كان يقود بص طلاب ودمدني الثانوية بنين العم الراحل ( هارون ) ويسكن في حلة فلاتة اللصيقة ببركات من قديم الزمان ، كما كان يقود بص ودمدني للبنات العم الراحل ( حسن العبيد ) وهو من حلة الدناقلة أو الشبارقة شرق مدني علي النيل الأزرق .
كان الطلاب المقبولين في دفعتي من متوسطة بركات هم : احمد عباس محمد الفكي ( لواء متقاعد الآن ) – المرحوم عبدالقادر عبدالخير – مصطفي احمد خليفة المراجع بمشروع الجزيرة سابقا – عباس زوفة محاسب سابق ببركات ومغترب حاليا بالمدينة المنورة – معتصم عبدالله حاج بابكر ( خبير إقتصاد زراعي بالهيئة العربية سابقا ) – عثمان جمال عبدالغني محاسب بالجزيرة ثم مغتربا بشركة بترول أدما العاملة بأبوظبي وقد تقاعد الآن وعاد للسكن بودمدني – عبدالرحمن بابكر العمدة شاع الدين من أبناء الشكابة – علي محمد عبدالقادر نقر من أبناء ام سنط شرق بركات
أما الذين فارقونا إلي ثانويات أخري فهم : بروفيسور مامون محمد احمد العوض إستشاري التوليد بمدينة الملك فهد الطبية بالرياض ومحاضر بكلية الطب بها ، حيث عاد مامون بعد المتوسطة إلي مسقط راسه بنهر النيل ودرس في عطبرة الثانوية ، كما درس محمود حسن بابكر بمدارس الشعب الثانوية بالخرطوم بحري ، غير أنه من أبناء بركات الآخرين أتي الأخ اوالخبير الإقتصادي غازي عبدالرحمن طه إلي مدني الثانوية من مدارس الأهلية الوسطي بمدني ، والدكتور الإقتصادي محمد عثمان الخضر بالجامعة الأهلية ، غير أن الدكتور غازي صلاح الدين عتباني قد فارق مدرسة بركات بعد وفاة المغفور له والده الذي كان إداريا بالمشروع ليلتحق بالخرطوم الثانوية ثم كلية الطب بجامعة الخرطوم ، كما إلتحق كل من كمال سالم وعصام علي كلول بمدارس الأحفاد الثانوية بأم درمان.
كانت هناك أجيال تسبقنا في ودمدني الثانوية من أبناء بركات حيث تجمعنا بهم الأنشطة المختلفة كالنادي الرياضي وكرة القدم والإجتماعيات ، مثل المهندس أحمد عابدين الدرديري ، والكابتن طيار بدري محمد عباس ودالزعيم ، والبروفيسور عباس الكارب المحاضر بكلية الطب بجامعة أبها السعودية ، والبروفيسور الراحل عصام العجيل ، الراحل المهندس عبدالله عثمان سر الختم الذي إحترف السياسة والصحافة وهو عروبي التوجه منذ صغره ( بعثي) حيث ترأس صحيفة الهدف لسان حال حزب البعث عقب إنتفاضة أبريل 1985م ، والبروفيسور عثمان محمد الحسن الأمين كبير الجراحين بمستشفي الملك فهد التخصصي بالمدينة المنورة، والإقتصادي محمد عثمان فضل علي قدورة من أبناء مارنجان وهو رجل أعمال بامارة الشارقة منذ عهد بعيد ، والبروفيسور السر ابو الحسن محمد الحسين مؤسس مركز الخرطوم للخصوبة والتوليد ، والدكتور بشير قسم السيد إستشاري باطني بام درمان ، والدكتور محمد جميل من ابناء الشبارقة والمقيم بألمانيا منذ اكثر من ثلاثين عاما خلت وقد أعدت إليه هذه الذكريات أشجانه في بلد الغربة ذاك ، والدكتور حسن بشير محمد ( فوكس ) والذي يقطن في بريطانيا منذ عقود طويلة وقد إنقطعت أخباره تماما عنا والعميد الراحل حسن موسي الحسن وشقيقه الأصغر خبير الحكم المحلي محمد موسي الحسن ، والمرحوم المحاسب محمد الحسن محجوب رفيدة ( ماوس ) والقائمة ربما تطول لاحقاً .
( 3 )
وفي ذلك الصباح الممطر وفي عز الخريف توقف بص الترحيل أزرق اللون أمام بوابة مدرسة ودمدني الثانوية الشرقية التي تقود إلي مكاتب الإدارة والمدرسين ، وصولا إلي باحة المدرسة العريضة جدا ، بأشجارها الباسقة وميادينها التي تخترق ساحاتها والتي يكسوها النجيل ، وقد شارفت الساعة إلي السابعة والنصف صباحا ، حيث تحلقنا حول ( البورد الرئيسي ) بالمدرسة لمعرفة توزيع كل طالب في واحد من فصول السنة الأولي ( خمس فصول ) وكانت هناك أسماء لكل الفصول بشخصيات لها وقع في تاريخ السودان ( حسب التسمية الأولي عند إفتتاح المدرسة في العام 1956م .
كان توزيعي هو في فصل أولي( غاندي ) ثم إلي ثانية عرفات وثالثة عرابي ورابعة الطيب ، وهكذا تختلف أسماء الفصول في الأنهار الخمس للمدرسة . وهذا النهر نجد ان 95 % من طلابه من الخارجيين من أبناء ودمدني وبركات ومارنجان وام سنط والقليل جدا من طلاب الداخلية وقد كانوا هم : المرحوم الزراعي احمد ابراهيم السلاوي ، عمر جبر ، مصعب ، ولكننا نلاحظ أن معظم طلاب الداخليات تم توزيعهم في فصول مشتركة مع بعضهم البعض إلا القليل حسب ظروف التوزيع.
كان ناظر مدرسة ودمدني الثانوية بالإنابة هو المربي الفاضل وأستاذ اللغة الإنجليزية المعروف ( حسنين عبدالهادي ) عليه الرحمة ، حيث كان الناظر الأساسي في بعثة دراسات عليا بالخارج ، ألا وهو عالم الفيزياء المعروف الذي تخصص في علم الفلك الأستاذ الفاضل ( الأمين محمد أحمد كعورة ) أمد الله في عمره ، ثم عاد من البعثة ونحن في السنة الثانية بالمدرسة وقد كان يسكن في منازل المدرسين الحكومية المواجهة للبوابة الشرقية للمدرسة بحي الدرجة الأولي بودمدني.
كانت شعبة الجغرافيا يترأسها الأستاذ فضل السيد العوض وتضم الأساتذة وقتذاك : عباس – عبدالرؤوف - ريتشارد ماكوبي الذي تحول إلي شعبة اللغة الإنجليزية بعد تعريب المناهج في العام 1967م – وآخرون . أما شعبة التاريخ فقد ترأسها نجم نادي الخريجين الأستاذ صديق محمد الحاج البطلوس ومعه في القسم المرحوم عثمان محمود ودبلوك وبابكر عجبنا . أما شعبة العلوم فكان يترأسها الفلسطيني نايف ثم المصري فايز في مادة الفيزياء – والأستاذ صلاح الحاج الذي رحل مؤخرا في بداية العام 2013م حيث أشتهر تحت إسم ( صلاح كيمياء ) منذ زماننا ذاك ، وكان في مادة الأحياء الأستاذ شمبول وآخرون . أما شعبة الرياضيات فقد كان يترأسها الأستاذ رياض المصري ، ومعه المصري الآخر الاستاذ نبيل بيباوي وقد كان ضخم الجسم ويترحل بالعجلة البسكليت ، وكنا نتعجب كيف لإطارات العجلة أن تحمل هذا الوزن الكبير ولا تفرقع ( أي لا تبنشر ) . كما كان في الرياضات الأستاذ علي التوم الخواض ، وهو الساخر الذي قال لزميلنا عثمان ميرغني ومعه ود أبو راي حين كانا يضحكان أثناء حصة علي التوم ، أن أوقفهما قائلا: ما تعملوا فيها شفوت ، كلنا قعدنا في الكباري ، وركبنا الترماج ونزلنا بالقلبة . فصمت الجميع وإستمر الدرس..
كما كان بشعبة الرياضيات الأستاذ السر طيفور وأيضا حمدان أحمد متعني الكردفاني واحمد الشيخ الأمين شقيق زميلنا في الفصل اللواء م مصطفي الشيخ . وأحمد الشيخ يعمل ومنذ عقود طويلا خبيرا لمكتب الجامعة العربية في تونس ، أما اللغة العربية والتربية الإسلامية فكانت شعبة واحدة يترأسها ملك السخرية الأكثر شهرة ( الأستاذ سيد طه ) عليه الرحمة وهو حلفاوي من خريجي دار العلوم بالقاهرة حيث أتي إلي السودان حاملا معه الفكر الماركسي بحذافيره وكان عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني ، وحين تم نقله في سنوات لاحقة إلي مدرسة المدينة عرب ( غرب ودمدني ) وهي مدرسة جديدة كمدير لها ، وكان سيد طه فرحا بنقله كمدير إلي مدينة كبيرة يسكنها العرب ، سألناه عنها ذات يوم فرد علينا بسخيرته التي لا تخئطها العين مطلقا ، قائلا : ( وجدت العرب ولم أجد المدينة ) وفي السنة الثانية لنقله أجاب : ( هذه المرة لم أجد العرب ولا المدينة ) . سيد طه كان يدرسنا العربي في السنة الثانية (عرفات ) يرحمه الله .
أتانا في سنوات لاحقة بالمدرسة وهو خريج جديد في اللغة العربية الأستاذ ( بركات أحمد جمعة ) عليه الرحمة فقد توفي بالسعودية التي كان منتدباً للعمل بها كمعلم ، وهو من الشرفة شرق مدني ، والذي لا يتحدث إلا باللغة الفصحي ، كان ساخرا ايضا ، ولكن من غير نكات كسيد طه ، كنا ندرس علي يديه اللغة العربية في السنة الثالثة ( عرابي ) والرابعة ( الطيب ) ، وهو لايعطي كلمات إشادة في كراسات الإنشاء بل يعطي كلمات ساخرة وغريبة جداً ، كتب لأحدهم ملحوظة في كراس الإنشاء وكان يوزع الكراسات بعد التصحيح بنفسه ويعلق عليها واحدة تلو الأخري ويقول ناطقا – فلان الفلاني :( الموضوع محطوطب ) يعني حطب !! وعلي كراسة أخري ( هذا الموضوع لو وزن مع ريشة دجاج لا يرجح ) ، وقد كنت أنا محظوظا حين كتب علي موضوع بكراستي ( لا بأس ) فكانت تمثل درجة الإمتياز مقارنة بتعليقاته ، وقال لآخر : ( عباراتك منهارة ) ولآخر ايضاً ( أسلوبك مفكك ) . غير أن أطرف تعليق كان علي كراسة زميلنا الخبير الزراعي حاليا ( عمر مصطفي – وزة ) فقال الأستاذ بركات وهو يحمل كراسة ( وزة ) : أين عمر مصطفي ؟؟ فوقف وزة منتصبا فرحا بهذا التخصيص ، وقد كنا مشدوهين أن فاز وزة بملاحظة ممتازة في موضوع الإنشاء الذي كان عن ( فلسطين ) حيث كانت هزيمة العرب من إسرائيل في حزيران/يونية 1967م طازجة وقتها ، حتي أن وزة وقف بكل خيلاء يوزع البسمات علي باقي الفصل ، وهنا قال الأستاذ بركات وهو يهز بالكراسة : ( هذا الموضوع يمثل نموذجاً ) فصفقنا كلنا للأخ وزة الذي هز بكلتا يديه نحونا في الفصل ، غير أن بركات وبعد أن هدأ التصفيق أردف قائلاً : ( ولكن الموضوع نموذجا لماذا ؟؟ ) فصمتنا ، فأجاب بعد برهة والفصل كله صامتا ينتظر باقي التعليق : ( نموذجاً للرداءة المتمكنة في هذا الفصل ) ، فأسقط في يدنا وجلس وزة مندهشا ، ثم يفقعها زميلنا المرحوم الدكتور كمال مهدي حسن ( بضحكة عالية تشق سكون الصمت في الفصل ) وهو أصلا يضحك عاليا بطريقة محببة كمال هذا ، فضحك أستاذ بركات وخرج من الفصل .
وكيف ننسي الأستاذ الفكاهي جدا والمحبوب جدا ( العباسي ) عليه الرحمة وهو والد زميلاتنا الإعلاميات المهاجرات بأمريكا رجاء وراوية العباسي ....
أما عن تداعيات حل الحزب الشيوعي السوداني من البرلمان أو بمايسمي وقتها ( الجمعية التأسيسية ) عبق ثورة 21 اكتوبر 1964م حين فاز الشيوعيون واليساريون بعدد 11 مقعدا من دوائر الخريجين البالغة 15 مقعدا علي مستوي القطر كله ، وكان هم : حسن الطاهر زروق – عمر مصطفي المكي – فاروق ابوعيسي – محمد ابراهيم نقد – دكتور عز الدين علي عامر- دكتور الطاهر عبدالباسط – الرشيد نايل المحامي . أما الثلاثة الفائزين من اليساريين من خارج قائمة الحزب فكانوا: الأستاذ محجوب محمد صالح – محمد احمد سليمان – والسيدة فاطمة احمد ابراهيم . وكان قرار الحل قد تم تطبيقه علي الثمانية المذكورين فقط حسب لونهم الحزبي في سجل الإنتخابات ، وعن الأربعة الآخرين الذين فازوا فكان هناك الدكتور حسن الترابي نجم ثورة اكتوبر والذي حاز علي أعلي الأصوات ، والأستاذ محمد يوسف محمد المحامي ، ومن الإتحاديين محمد توفيق احمد وصالح محمود اسماعيل .
وتداعيات حل الحزب الشيوعي بسبب عدم تنفيذ مجلس السيادة لقرار المحكمة الدستورية العليا ببطلان حل الحزب الشيوعي قانونا حين أبعدهم نواب البرلمان من التمثيل فضلا علي قرار الحل وإغلاق دورهم في كل السودان ومنعهم من النشاط السياسي نهائيا ومصادرة صحيفتهم ( الميدان ) ، وقد كان رئيس المحكمة الدستورية هو القاضي صلاح حسن ، وعندها إستقال رئيس القضاء مولانا بابكر عوض الله لعدم إحترام حكم القضاء وقد قبلها الزعيم الأزهري رئيس مجلس السيادة ، ولكن عوض الله عاد وإشترك في التخطيط لإنقلاب 25 مايو 1969م بقيادة جعفر نميري ، وليته لم يفعل ذلك وأكتفي بإستقالته من القضاء بذلك الموقف الجدير بالإحترام .
والشاهد ان حزب الشعب الديمقراطي ( حزب الختمية ) الذي أنقسم من الوطني الإتحادي في نهاية العام 1956م ، كان مساندا للحزب الشيوعي في عدم مشروعية حله وطرد نوابه من البرلمان ، وكان يتصدر المظاهرات في كل مدن السودان مع مجمل تيارات اليسار السوداني.
وفي وودمدني التي تمثل العاصمة الثانية المؤثرة في الأحداث السودانية ، كان الجماهير تخرج في شوارع سوق مدني مستنكرة مصادرة الديمقراطية وحل الحزب الشيوعي ، حيث إنفعل شاب وقام بإشعال النار في نفسه في عز النهار بشارع الجمهورية بودمدني وهو يهتف مطالبا بالديمقراطية واحترام الحريات ، وقد كنت شاهدا علي هذا المشهد الذي إهتز له السودان كله ونقلته وكالات الأنباء والصحف المحلية والعالمية ... إذن نحن في السودان قد سبقنا بنصف قرن كامل ، ذلك الشاب الذي أشعل النار في نفسه وأشعل فتيل الثورة التونسية في العام 2010م .. نواصل ،،،،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.