اعلام حكومة الانقاذ ظل يعوى فى كل ركن وزاوية ، يحدث الناس ، قاصيهم ودانيهم ، عن مؤتمر تنمية دارفور ، ويذكرهم ان المؤتمر سوف يعقد فى الثامن من ابريل ، وأن لفيفا كبيرا من البشر ، يقدر عددهم باكثر من اربعمائة من الهيئات والشخصيات سوف يتداعون الى قاعة المؤتمر فى مدينة الدوحة المضيافة التى لم تبخل بجهد او مال على أهل دارفور ولا على اهل السودان فى الماضى و لا فى الحاضر. وقدر المنظمون ان هذا اللفيف الكبير سوف يجمع حوالى ستة مليار دولار دعما لمشروعات تنمية واعمار اقليم دارفور. وجاء اليوم الموعود . وحضرت الوفود . واقيمت الموائد التى لا يجلس اليها الذين تقام باسمهم و لأجلهم . وادخل المتبرعون اياديهم فى جيوبهم واخرجوا مساهماتهم . وارهف المحتاجون المنتظرون فى المخيمات و فى العراء ، ارهفوا السمع ، وهم يحلمون بعون يسير ، يسد رمقهم ، ويكسو عريهم ، ويوفر لهم سقفا ليس من زخرف ، و لكن من قش و صفيح تقيهم من حر الهجير ، وبرد الصقيع ، و من انواء الخريف الراعف . يحلمون فقط بهذا اليسير . وهم يظنون ان الوسطاء قادرون على توفيره . فها هم ابناؤهم المتواجدون فى الخارج قريبا من هؤلاء الوسطاء ، هاهم يتحولون من بسطاء هائمين فى الدياسبورا بلا عنوان غير عناوين محطات الوقود التى يعملون فيها باعة هامشيين او عناوين بقالات شعبية يقفون فيها على ارجلهم الساعات الطوال حتى ترتجف مفاصلهم . هاهم يتحولون الى وزراء وقادة عالميون واقليميون يشار اليهم بالبنان لأنهم افلحوا فى ربط انفسهم بقضية دارفور فى صدف مثل صدف ليلة القدر . لم يكلفهم هذا النجاح اكثر من بدلة وربطة عنف و هاتف جوال وتأليف رواية تعذيب تعرضوا له . او الادعاء بانهم من بقايا الابادة الجماعية ، نجوا من الهلاك بأعجوبة الاعاجيب ! ولا بأس من تصنع العرج اذ هم يمشون فوق اديم القرى . هذه السهولة المفرطة فى الضحك على عقول الوسطاء السذج اغرت المقيمين على العدم فى معسكرات دارفور المنسية ، اغرتهم بأن يحلموا بأن يأتيهم الغيث والغوث هكذا مدرارا طالما انهم يعيشون محنا حقيقية . واشرأبت الاعناق نحو صندوق البنادورا الذى فتح فى الدوحة فى اليوم الموعود . كالعادة تقدمت قطر الصغيرة الكبيرة الصفوف وقدمت للدارفوريين المحتاجين نصف مليار دولار. ووقفت بريطانيا العظمى عند مبلغ 13 مليون يورو. وهو مبلغ يستطيع أى بائع بطاطس فى الريف الانجليزى ان يجمعه ويتبرع به لكنيسة . وتلت المانيا صاحبة الاقتصاد الثالث عالميا فى قائمة المانحين المتبرعين . وتبرعت بستين مليون يورو . ستين مليون فقط ، لا تكثر على امة الجنس الآرى المصقول . المثير المضحك ان المؤتمر الزم السودان بأن يدفع الى صندوق اعمار دارفور ما يقارب الثلاثة مليارات دولار التى سبق ان زعم انه سوف يقدمها الى صندوق اعمار دارفور ابان مفاوضات السلام التى رعتها الدوحة. ثلاثة مليارات قال ! لا بأس ان يحلم الحالمون . فالاحلام ليس عليها جمرك . و الريح لن يأخذ شيئا من البلاط ! الخاسر الاكبر من نتائج مؤتمر الدوحة هم اهل دارفور الذين صاموا وافطروا على بصلة . كانوا يمنون الانفس بافطار عظيم على خيرات مؤتمر المانحين الذى دق له اعلام النظام دلوكة ومزيكة . والخاسر الثانى هو صديقى الدكتور التجانى السيسى ، الذى لا اعرف على وجه التحديد من هو صاحب المقدرة الجدلية التى اقنعه بزج نفسه فى مستنقع صار مثل منتدى خلوى بلا حارس يتكالب عليه بعض الانتهازيين من اصحاب الاجندات الشخصية من ابناء دارفور من العاطلين عن الحجى الذين صارت قضية دارفور عملا لمن لم يكن له عمل منهم حتى الامس القريب. ولا اعرف كيف تسنى لصديقى الدكتور النابه ان يزج بنفسه فى كيان هلامى صنعه له النظام بهدف واحد هو احداث المزيد من الفركشة والتفتيت وسط ما تبقى جماعات مسلحة فاعلة صارت بندقيتها المهدد الوحيد للنظام . لقد صنع النظام كيانا هلاميا للسيد السيسى بلا اسنان . و بلا ادارة ، و بلا قوة عسكرية ، وبلا ميزانية غير ميزانية التكفف والتسول الدولى. كيف صدق السيد السيسى بأن ستكون له الولاية على ولاة يعتبرون انفسهم ولاة منتخبين . وادارات تعتبر نفسها انها موجودة فى مواقعها باختيار شعب دارفور وبرصيدها الخدمى له . السيد السيسى لا يستطيع أن يزعم انه جاء الى موقعه هذا باختيار اهله الدارفوريين رغم انه سيكون محل ثقتهم فى أى انتخابات حرة. ولكن هذه الانتخابات لاى الحرة اصبحت احتمالا غير منظور فى ظل احزاب دجن قادتها جماهيرها وكسروا فحولتاها خوفا من سيف المعز وطمعا فى ذهبه . نائب رئيس الوزراء القطرى السيد اعلن بعد انتهاء مؤتمر المانحين فى عاصمة بلاده الكريمة المضيافة ان حصيلة التبرعات كانت فقط 3.696 مليار دولار – أى اكثر قليلا من ثلاثة ونصف مليار فى حين كان المطلوب هو سبعة مليار . هل علمت علمت الانقاذ حجم العزلة التى تعيشها على النطاق الدولى . وهل توقفت عند قول المسئول الاممى المحبط وهو يعلق على عدم تقدم السعودية والامارات اى تبرع . لقد قال ذلك المسئول ان موقف السعودية والامارات كان لافتا ! نعم كان الموقف لا فتا . ولكنه كان مفهوما . فايران تحتل جزر دولة الامارات وتعادى السعودية ودول الخليج ، وسفنها الحربية تسرح وتمرح فى الموانئ السودانية ، منتهى الصداقة والوله والحب المتبادل بين ملالى ايران وملالى السودان . اختم بتعزية صديقى التجانى السيسى فى المرحوم مؤتمر الدوحة للمانحين. واتمنى ان يخلو صديقى الدكتور السيسى الى نفسه بعض الوقت ويسأل نفسه : هل المسألة برمتها تسوى ! اما الدارفوريون الذين توجسوا من اهداف مؤتمر المانحين ، وتمنوا فشلهم ، فقد قيل انهم تبادلوا التهانى .