القصة تروي موقفاً للرئيس الراحل جعفر نميري، قيل إنه تحول مع تعاقب السنوات لعرف بروتكولي، دون أن تحفظ حقوق الإبتداع لأب عاج. سفير السودان بالقاهرة في أيام كامب ديفيد وجهت له دعوة عشاء من الخارجية المصرية احتفاءً بالسفير الاسرائيلي. السفير التبست عليه الخيارات بين الرفض والقبول. الرفض قد يغضب الحليف المصري، والقبول قد يفهم منه التطبيع مع العدو الإسرائيلي! السفير استنجد بالخارجية، والخارجية بدورها رفعت الأمر عاجلاً للرئاسة. ونميري فكر وقدر ثم قرر، أن يستجيب السفير بتلبية الدعوة ولكن بشرط إلا تمتد يده نحوالمائدة لا شرباً ولا أكلاً! وبهذا لا يغضب المصريين ولا يرضي الإسرائيليين! لا أستبعد أن يكون موقف بعض الذين حضروا مؤتمر مانحي دارفور بالدوحة ولم تجد أياديهم بشيءٍ، أنهم ساروا على روح معادلة الرئيس نميري، الحضور مع الامتناع! أن يلبوا دعوة قطر إكراماً لها وأن يمتنعوا عن "تعشية" حكومة الخرطوم وسلطة السيسي بالتبرعات، كيداً فيهما..! أثناء حضوري لفعاليات مؤتمر مانحي دارفور بالعاصمة القطرية الدوحة بدعوة كريمة من الدكتور التجاني السيسي ، لفت نظري حضور ممثلي عدد كبير من الدول بصفتهم مانحين، ولكن للأسف بعضهم كانوا طويلي اللسان وقليلي الإحسان مثل مندوب كندا. وأخرون اكتفوا بحسن القول عن ناجز الفعل، مثل مندوب أمريكا. مؤشرات عديدة كانت تفيد، لا الحكومة ولا السلطة الإقليمية والحكومة والسلطة كانتا تتوقعان أكثر من الذي تحقق بمؤتمر المانحين بالدوحة. بكل تأكيد رغبتهما كانت أن تتجاوز التبرعات هذا الرقم بكثير 3،5 مليارات دولار. قبل يومين من انعقاد المؤتمر في استضافة تليفزيونية بقناة الجزيرة توقع الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل وزير الاستثمار أن تبلغ تبرعات المانحين مليار دولار فقط. في أغلب مؤتمرات المانحين التي تعقد لدعم الدول ذات الحاجة، تنطق الوعود بملايين الدولارات، ويتجاوز مجموعها المليارات، ولكن لا يتم الايفاء إلا بالقليل، وفق شروط، بعضها عسير، والبعض الآخر مذل ومهين! المبلغ الذي تم التبرع به ليس بالقليل، ولا هو من وعود الفقاعات الصابونية التي يصعب الإمساك بها! في الإمكان الاستفادة من المبلغ في تغيير الحياة بدارفور إلى الأفضل. من الطبيعي أن يتبع ذلك التوقع المتفائل بشرط، وهو توفر حسن الإدارة والصرف. للأسف كثير من المشاريع الكبرى تجهض بسوء الإدارة وبذخية الصرف على التسيير والامتيازات والنثريات وبالتقديرات الجزافية. أسوأ السيناريوهات المتوقعة، أن تصبح مشاريع الإعمار والتنمية في دارفور هدفاً عسكرياً للحركات التي لا تزال حاملة للسلاح. مقترح قدم أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقد في ختام مؤتمر الدوحة أثار اهتمام الكثيرين. وهو أن يعتبر الاعتداء على المشروعات المدعومة من قبل المانحين اعتداءً على مشروعات دولية! أكثر شيء كان بارزاً في المؤتمر هو الحماس القطري لقضية دارفور والرغبة القوية في طي هذا الملف على خير. وأكبر خطر يواجه هذه الرغبة، أن يصاب القطريون بالإحباط، بعد وصولهم لقناعة يائسة، بلا جدوى المجهودات!