!! هشام عبد الملك المصريون لم يكفوا عن الحديث عن دستورية الأشياء من عدمها، منذ أن قرر الرئيس محمد حسني مبارك أن يتخلى عن منصب رئيس الجمهورية، دون أن يفتح الله عليهم بكلمة واحدة، ولو همسا، بأن الرئيس السابق، قد (تخلى عن منصبه) ثم (كلف المجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد)، بعد أن فقد صفته الدستورية كرئيس، وأصبح مواطنا عاديا، لا يملك أن يكلف أحدا بشيء! ولكنه مارس وصايته على الشعب المصري، حديث العهد بالثورات الشعبية، وقبل جهابزة القانون بتلك الوصاية، وأكسبوا المجلس العسكري شرعية كان يفتقدها. فلو أنهم أوقفوا المجلس العسكري عند حده منذ لحظة صدور الوصاية، لما بلغت الأمور هذا المبلغ، ولو أن المجلس العسكري فعل كما فعل المشير سوار الذهب بالإستيلاء على السلطة، حتى وإن جاء ذلك تحت ضغوط من صغار الضباط، ثم أعفى رئيس الجمهورية، لجاز الحديث عن الشرعية الثورية! أما أن يمارس المجلس العسكري سلطاته بموجب (تكليف) صادر عن شخص غير ذي صفة، فإن وجوده في السلطة كان وجودا باطلا، يبطل جميع ما ترتب عليه! بما في ذلك الانتخابات الرئاسية التي أتت بالرئيس محمد مرسي إلى السلطة، لأنه تسلم سلطة منقوصة عبر آليات غير دستورية من مجلس غير دستوري!! ولكن، ولأن عرب مصر حديثو العهد بالثورات كما أسلفنا، فهم ما يزالون يتحدثون عن الإلهام التونسي، وهنا أيضا لا يفرقون بين (التحفيز) والإلهام! أو ربما أنهم يدركون ذلك، ولكنهم لا يريدون أن ينسبوا شرفا إلى السودان الذي نقلهم من ثقافة الإغتيال (عايزلو منصة) إلى ثقافة الثورة (برضو مصيرو زي نميري!)، بل ألهمهم أيضا، شاءوا أم أبوا، (ثورة عبد الناصر) الذي درس تاريخ الثورة المهدية خلال وجوده في السودان، وتعلم منها أن الملك المقدوني فاروق محمد علي، هو إمتداد لحقبة استعمارية، كان يجب أن تنتهي بخروجه من مصر! لكن رغم ذلك، لم يكن عبد الناصر أول رئيس مصري يحكم مصر منذ عهود ملوك النوبة (الفراعنة)، حسب ما يقوله بعض مؤرخيهم على استحياء، بل أن (المشير) هو أول رئيس مصري يحكم مصر فيما لو تحدثنا بمنطق الحقائق التاريخية، وبما كان قائما على الأرض قبل الغزوات المتتابعة التي تعرضت لها مصر منذ فجر التاريخ! أما المتفذلكين ممن زوروا التاريخ، وهم يستوون في ذلك مع من سرقوه، فإنهم يتوهمون أن السودان ومصر كانتا دولة واحدة، ونحن نوافق على ذلك، ولكن بشرط أن يعلموا أن ذلك لم يحدث إلا في عهود (االممالك النوبية).. أما في العصر الحديث، فقد أصبحت مصر ولاية تركية مع بداية الغزو العثماني لها في عام 1517، ولم تعد دولة مستقلة ذات سيادة إلا بعد خروج فاروق من مصر في 26 يولية 1952! وأن الغزو الذي قاده الباشا المقدوني محمد علي ضد الممالك السودانية، فيما بين هذين التاريخين، قد تم بأمر البابا العالي في الإستانة، مما يجعل من مصر دولة طريق لاستعمار السودان من قبل الإحتلال التركي البغيض. لذلك، كان لا بد أن يظهر الإمام المهدي، ويقيم أول دولة إسلامية على أنقاض الإمبراطورية التركية في عام 1885م، بعد تحرير الخرطوم! وقد قدر الله أن ينتقل المهدي إلى الدار الآخرة، ويأتي من بعده خليفته عبد الله التعايشي، فحدث ما حدث. لكن يجب على المصريين أن يدركوا أن مصر كانت قد سقطت في ذلك الوقت تحت الإحتلال الإنجليزي، بعد هزيمة أحمد عرابي، الذي حاول المهدي تحريره بالقبض على غوردون حيا، لكن لم يتحقق له ما أراد، لسبب أو لغيره. فأصبحت مصر بعد الإحتلال الإنجليزي تحت هيمنة مزدوجة، بل هيمنة ثلاثية إن أردت الدقة، فهي من الناحية النظرية كانت ما تزال جزء من الإمبراطورية العثمانية، ومن الناحية العملية ورثها أبناء الباشا المقدوني، تحت مظلة الإستعمار الإنجليزي، المهيمن الأكبر والحاكم الفعلي. وهو السبب الذي جعل من رئيس الوزراء المسيحي بطرس غالي يوقع على اتفاقية الحكم الثنائي (رغم أنفه)، وهو أيضا السبب الذي جعل الفلاح المصري يسير تحت رآية الصليب ليحارب رآية لا إله إلا الله التي رفعها الإمام المهدي!!!! على مرمى ومسمع من الجامع الأزهر دون أن يفتح الله عليه بكلمة! هذا هو التاريخ المخزي والمخجل الذي يتفاخر به غزاة مصر! وحاول المؤرخ المسيحي لبيب يونان رزق أن يبرره بقوله (إن الجيش الذي الذي ودعته ملكة إنجلترا في محطة فكتوريا، بقيادة كتشنر باشا، ليثأر لمقتل غوردون باشا، كان جيشا مصريا بقيادة إنجليزية!! وقلت له يومها إنني أشفق على تلاميذك منك!!!) وإذا عرف السبب في جهل المصريين بالتاريخ، بطل العجب! أما حقيقة الضجة التي أثارها دعاة الوحدة العربية والقومية العربية في مصر، حول حلايب وشلاتين، فلأنهم لا يعرفون أن حدود بلاد النوبة لا تقف عند حلايب وشلاتين، بل تمتد إلى حدود الدولة القبطية في دلتا النيل، حيث بلغت الحضارة النوبية أوجها، لتقف الإهرامات شاهدة على عظمة أهل النوبة، تحت حراسة (أبو الهول) بأنفه الزنجي الأفطس الذي أثار حقدا عنصريا عند نابليون بونابرت، وهو الذي ظن أن الله قد خلق أول من خلق الإنسان الأبيض على ظهر الأرض! فهذه هي الوحدة التي جمعت بلاد النوبة من الخرطوم إلى القاهرة! وهي الوحدة التي نحن على يقين من أنها ستعود (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين). ونحن لن نكون بالطبع سذج إلى درجة أن نصدق في يوم من الأيام بأن العرب الذين قطنوا مصر بعد الغزوات الإسلامية، كانوا أقل سوءا من الإنجليز الذين هاجروا إلى العالم الجديد واستراليا وأذاقوا السكان الأصليين الأمرين. صحيح أن الإنجليز حاولوا محوا ثقافات وتاريخ الهنود الحمر في أمريكا والوطنيين في استراليا، دون أن ينجحوا، بقدر ما نجحوا مع ثقافة أهل اسكتلندا وآيرلندا وويلز، ولكنهم رغم كل ما يقال عنهم، لم يسعوا إلى سرقة تاريخ البلاد التي احتلوها ونسبته إلى أنفسهم! كما لم نسمع أن أياديهم امتدت لتغتال العلماء الذين حاول بعضهم أن يقول شهادته للتاريخ. ولكن، فقد ظهر الحق، وثبت علميا أن حضارة وادي النيل هي حضارة الإنسان الأسود.. لعل أغرب شيء أنك عند ما تسأل عن لغة الفراعنة، يقولون لك (الهيروغلوفية)، وهي كلمة يونانية، ولك أن تتخيل أن أول حضارة في التاريخ انتظرت لآلاف السنين، قبل أن تأتي حضارة لاحقة لتعطيها اسما للغتها!! لكن يظل السؤال قائما، ما اسم اللغة التي كان يتحدثها الفراعنة قبل الحضارة اليونانية القديمة؟ على كل حال، نحن ندرك إن الأداء الضعيف لحكوماتنا المتعاقبة في مواجهة مصر أعطى إشارة خاطئة لهم، وعليهم أن يحذروا غضب الحليم. لقد كنا دائما (الحيطة القصيرة) التي لا يترددون في توجيه الإساءات لها، حتى في حالات الهرولة دون أن يكلفوا أنفسهم مشقة الإلتفات إلى مطارديهم لأخذ حقهم بلسانهم وهي درجة فوق أضعف الإيمان، لكنهم كانوا يكتفون بسب الشعب السوداني حتى يطفي نار غليلهم من حالة الاستضعاف التي عانوها!! لقد بدأ ضعف الأداء الحكومي واضحا عندما قامت حكومة عبود بتهجير النوبة، في خطوة استهدفت تاريخهم قبل أرضهم، فلزمنا الصمت، وتآمرنا معهم باسم القومية العربية!! وفي عام 67، كانت أمامنا فرصة لا تعوض لتحقيق الفائدة القصوى من الظروف الدولية المحيطة، خاصة عند ما كان عبد الناصر قد جيش جيشه لاحتلال حلايب في عام 1958، لكن شهامة المحجوب منعته من استعداء الإنجليز عليه، ثم وقف موقفه التاريخي المعروف، بأن (طبطب) على عبد الناصر بعد هزيمة (نكسة) 67، وعقد أقوى مصالحة في تاريخ المنطقة بين الملك فيصل عليه رحمة الله وجمال عبد الناصر، أعادت مصر إلى الحياة بعد أن كانت على وشك أن تفارقها. ثم فتح أرضنا ومياهنا وأجوائنا أمام القوات المصرية المنهكة والمنهارة لإعاد تأهيليها وتدريبها في جبل الأولياء ووادي سيدنا وبورتسودان، فكان جزاؤنا أن هددونا بتسيير جيوشهم ليمسحونا من على وجه الأرض عند ما قوي عودهم! بل طالبوا أمريكا صراحة بأن تساعدهم على ضرب السودان!! واليوم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها بسبب حلايب وشلاتين!! وجميعنا نعرف أن عمر البشير عند ما ذهب لمؤتمر قمة القاهرة وهو يرتدي الزي الوطني للبشارية، لم يتعرف عليه المصريون، قبل أن يبلغهم بحقيقة الأمر المعارضون السودانيون الذين كانوا يقتاتون من فتات موائد حسني مبارك! إن أهل حلايب وشلاتين من لحمنا ودمنا، ولسنا بصدد الحديث عن استرداد الأرض بالحرب التي يتمناها جيراننا المصريون الذي يستقوون علينا بالسلاح الأمريكي، ولكنها ستعود، لأن هذا هو وعد الله. آخر الكلام.. إلى ياسر عرمان وآخرين.. عدونا أمامنا لا خلفنا، فوالله إن لم تتنبهوا للخطر القادم من الشمال، ستجدوا أنفسكم وراء حدود يوغندا!! وكما انفصل الجنوب بالسلام سيعود إلينا ونعود إليه بالسلام! عدونا أمامنا لا خلفنا يا دعاة الموت! اللهم قد بلغت اللهم فاشهد..