تقرير: عادل حسون لطالما افتخرت الحكومة السودانية وحزبها الأساس "المؤتمر الوطني" بإنجازها اتفاق "شرق السودان" الموقع مع "جبهة الشرق"- المتمردين السابقين على النظام في الخرطوم- بالعاصمة الإرترية أسمرة قبل سبع سنوات. "لم تطلق طلقة واحدة طيلة السنوات الماضية"، يقول والي كسلا القيادي بالمؤتمر الوطني بشرق البلاد الأستاذ محمد يوسف آدم، في كلمة له قبل أيام قلائل. الشعور العام لدى الحزب الحاكم والرأي العام بعامة هو، مضي الاتفاق بنجاح، بدلالة توقف التمرد مرةً وإلى الأبد. لكن ثمة متغيرات شهدها الأسبوع الأخير توحي لأول مرة بأن مستقبلا محفوفا بالقلق ينتظر شرق السودان وربما الاتفاقية المفتخر بسلاسة تنفيذها. فقد أصدرت ما سمت نفسها "الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة" بياناً وصفته "بالهام والعاجل"كشفت فيه عن اتفاق "أكثر من سبعة عشر حزب وتنظيم وفصيل من فصائل شرق السودان" على توقيع وثيقة تحالف تتجاوز "الحدود الاثنية والجغرافية والأيديولوجية" وتعمل فقط على "توحيد المعارضة السودانية واسقاط النظام والاسهام في بناء الدولة السودانية المدنية الديمقراطية والمشاركة في المؤتمر الدستوري ما بعد اسقاط النظام". واتفق الموقعون على البيان على "ترك ما للشعب للشعب" وإطلاق "مبادرة الشرق لتوحيد المعارضة السودانية واسقاط النظام". وكشفت عن "مجلس رئاسي يقود الجبهة تتخذ فيه القرارات بالأغلبية". وأكدت على أن أهدافها "توحيد كل القوى المعارضة انطلاقا من قوى شرق السودان، اسقاط نظام المؤتمر الوطني وتغيير النظام القائم منذ الاستقلال، توطين حل كلي شامل للقضية السودانية، تحقيق الدولة السودانية المدنية الديمقراطية القائمة على التنوع والهوية السودانية الخاصة". ووقع عن اللجنة العليا لإنشاء الجبهة كل من، زينب كباشي عيسى، رئيس مؤتمر البجا التصحيحي، محمد عثمان تاج السر الميرغني، الاتحادي الديمقراطي البحر الأحمر، سيد علي أبو آمنة محمد، جبهة بجا للتحرير والعدالة، هاشم نوريت، مؤتمر البجا كندا، وصالح حسب الله، حزب الشرق الديمقراطي. لم يصدر أي تعليق عن المؤتمر الوطني أو جبهة الشرق. لم يصدر أيضا تعليق من آل الميرغني على "اشتطاط" أحد ابناهم وخروجه علنا على الخط العام للأسرة، فالحزب، الحليف مع النظام في الخرطوم. بدرجة أقل ذات الموقف بالنسبة لابنة آل كباشي عيسى، الأسرة من الأعيان في شرق السودان وقد قدمت للبلاد وللنظام أعلاماً بعضهم ممن توزر في السنين الأخيرة. الأسماء الموقعة لم تشكل مفاجأة بحد ذاتها، كهاشم نوريت وسيد أبو آمنة وكلاهما من متشددي "مؤتمر البجا" الحزب الأكبر الذي يقود "جبهة الشرق" والأقدم بحكم المجرى التاريخي. المفاجأة، مضي البيان للحديث الكلي عن البلاد تحت لافتة الإقليم شرق السودان. لكن رئيس جبهة الشرق ورئيس مؤتمر البجا نفسه، كشف عن تذمر لا يختلف كثيرا عن ما جاء بالبيان. فقد كشف مساعد رئيس الجمهورية موسى محمد أحمد، في مؤتمر صحفي منتصف الأسبوع عن عدم رضا طرفي اتفاق الشرق عن سير انفاذ الاتفاق بسبب وجود "عقبات ومهددات تواجه الاتفاق". وأقر موسى "بحدوث اخفاقات في عمل صندوق إعمار الشرق". وأعلن عن تشكيل رئاسة الجمهورية "للجنة رباعية لتقييم وتقويم تجربة الصندوق"، مشددا على أن "اللجنة ستقوم بكشف الحقائق كاملة من خلال تقييم متكامل لعمل الصندوق". وشكا من "عدم وفاء وزارة المالية بالتزاماتها تجاه اتفاق الشرق". وقال إن "المبالغ المرصودة للاتفاق تبلغ (600) مليون دولار تم الوفاء منها بحوالي (100) مليون فقط". وزاد "هذا المبلغ ضعيف ولا يلبي طموح محلية واحدة من ولايات الشرق الثلاث". ونوه إلى أن "الأيام القليلة القادمة ستشهد اتخاذ خطوات حقيقية لإنفاذ ما تبقى من الاتفاق". وأكد على وجود مشكلات "تهريب البشر وتهريب السلاح بالشرق". وقال إن "للحكومة تقديرات معينة بشأن حلايب لكن الموقف الثابت لجبهة الشرق هو سودانية حلايب بوصفها مسألة سيادة وطنية". وأعاد التأكيد على تصريحه السابق بأن "الرئيس المصري د. محمد مرسي، وعده حين لقاءه به في زيارته الأخيرة للسودان بإعادة الأوضاع بمثلث حلايب إلى ما قبل العام 1995م وإزالة الاحتقان بين البلدين". لغة التكتل الجديد وتصريحات موسى محمد أحمد، تتجهان في وجهة واحدة وهي عدم استقرار الأوضاع بالشرق ومستقبل اتفاقية الشرق. وهكذا، ورغم الهدوء المتبدي عن الأوضاع في شرق البلاد، إلا أنه فيما بدا، وراء الأكمة ما وراءها. كثيرون أهرقوا الأحبار في الأيام الأخيرة حنقا على مهرجانات الحكومة في كسلا عن السياحة بينما ثالوث الفقر والجهل والمرض يحاصر الشرق. انتخابات "والي القضارف" كانت عزفا منفردا وبطولة فردية للمؤتمر الوطني. أما البحر الأحمر، الولاية، فلما تنفك من نرجسيتها الذاتية وانكفاءها الداخلي على أحلامها الخاصة بوصفها الولاية الأولى جذبا للاستثمار، بينما الأنباء القادمة من الساحل تخبر عن عطش سكان المدينة وشراءهم الماء عبر السقاين المتنقلين بكلفة باهظة ليست في متناول الغالبية. الأفق السياسي ملبد بالغيوم والعمل الحزبي على الساحة لا يتسع سوى لطرفي الاتفاق، الوطني بسلطانه، وجبهة الشرق الشريك الوحيد للسلام المعترف به. أما بقية الأحزاب، فحسبما يكون عليه الحال منعا أو رفضا. البيان الذي انطلق من موجة الشرق أغفل قضية الموسم، مثلث حلايب، فأين هي قضايا الشرق الحقيقية؟. بث أماني مطلقة وأجهل الطرح حول قضايا الواقع والتعامل مع الشواهد الواقعية. في دراما الواقع أيضاً، عرفنا قبل أيام أن "الوطني" فالحكومة، يرفضان الجلوس مع "قطاع الشمال" بالحركة الشعبية تحت زعم تحلى بالمنطقية، فمن فوّض قطاع الشمال حتى يتحدث عن مستقبل المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق؟. من ذات المنطق، فمن تكون الجبهة الجديدة من شرق السودان لتتحدث عن قضايا كل السودان؟. في الواقع، يبدو أن الجديد أن صوتا مختلفا ظهر من تلقاء الشرق، حاول ركوب موجة قضيته دون أن يتوقف على ساحل قضايا الشرق الحقيقية.