عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    الهلال يرفض السقوط.. والنصر يخدش كبرياء البطل    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الجيش ينفذ عمليات إنزال جوي للإمدادات العسكرية بالفاشر    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    عصار تكرم عصام الدحيش بمهرجان كبير عصر الغد    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قبيلة عبد الباسط سبدرات (1)


مصطفى عبد العزيز البطل
[email protected]
المجموعة الاولي / الحلقات من 1 الى 3 / نقلاً عن صحيفة (الخرطوم)
الحلقة الاولي
بسم الله مُجراها ومرساها نشرع في هذه السلسلة التي قد تقصر فلا تتجاوز الحلقتين. وربما تمدّدت وانبسطت فوصلت الى عشر حلقات. ويجوز، وكل شئ جائز، أن تبلغ العشرين. ولكن لا يأخذنك العجب إن هي تطاولت فبلغت الثلاثين حلقة، وليس ذلك علي الله بعزيز. وقديماً سأل واحد ضمن مجموعة من المحكومين بالسجن المؤبد، كانوا يلعبون الورق في فناء السجن: "الفورة كم"؟ فأخبره أحد اللاعبين، انها ألف، فأبدى استغرابه: "لكين ألف مُش كتيرة"؟ وجاءه الرد الجماعي: كثيرة ليه؟ احنا ورانا ايه؟!
وحالنا - أنا و الاستاذ عبد الباسط سبدرات - ربما كان قريباً، مع الفارق، من هؤلاء اللاعبين. حبيبنا سبدرات، الذي أكتب هذه الحلقات تعقيباً على سلسلة مطولة، أكمل منها حتى الآن أربعين حلقة نشرتها له رصيفتنا (المجهر السياسي)، بلغ سن التقاعد. فهو اليوم ينعم ب (سعادة الكبُر) بين أبنائه وأحفاده. ويستمتع هانئاً بما بين يديه من خيراتٍ وفيرة أفاء الله بها عليه بعد حياة باذخة عاشها طولاً وعرضاً. أطال الله في عمره وبارك فيه.
أما العبد الفقير فقد صدر فجأة، وعلى حين غرة، قرار من أحبابه مناضلي الكيبورد ألزمه هو ايضا بالتقاعد رغماً عن أنفه. وقد رأيت قبل أسابيع جماعةً من المناضلين، ممن أرهقتهم بعض كتاباتي، وقد تحلقوا حول إسمي علي الشبكة الدولية فشتموني شتيمة الأراذل. وزاد أحدهم فتمنى موتي، ثم سأل من حوله: "هو البطل ده عمره كم"؟ فتقدم من بين الصفوف طبيب مناضل مارس اختصاصه المهني فأصدر لي على الفور شهادة تسنين زاد بموجبها سنوات عمري خمس سنوات حسوما، فقرر إن عمري ستين عاماً. فوجدتني وقد دخلت، هكذا، ضربة لازب، نطاق المعاش الاجباري بحكم القوانين السارية. وقد حمدت الله حمداً كثيراً، في ظل هذا التقاعد المفاجئ الذي أتاني من حيث لم أحتسب، أنني أقيم في ملكي، ولا أسكن منزلاً حكومياً، والا لكنت اليوم، أنا أولادي وأثاث بيتي، في الشارع!
كلانا اذن بلغ سن التقاعد إختياراً أو إجباراً. لا شغل ولا مشغلة. ولهذا فإن سبدرات يكتب أربعين حلقة فيتسلى، وأنا أعقب عليه في ثلاثين فأتجلى. ورانا ايه؟ فإن لم تتحقق لك – أعزك الله – فائدة من كل ذلك فلا بأس. المهم، فيما يليني من الأمر، أنني أكون قد أوفيت بمقتضيات عقدي مع صحيفة (الخرطوم)، فكتبت ستمائة كلمة، ثلاث مرات في الاسبوع. وفي فقه هذه الصحيفة الغراء أن من أخذ الأجر من كُتّابها حاسبه مديرها، الدكتور الباقر احمد عبدالله، بعدد الكلمات!
كتب الاستاذ سبدرات سلسلته بعنوان (قبيلة السيد الوزير)، تناول فيها جميع الشخصيات التي تولت المنصب الوزاري في السودان منذ الاستقلال وحتي اليوم. والمعني المقصود في العنوان هو القبيلة بالمفهوم الاصطلاحي، كقولك قبيلة المثقفين، او قبيلة المهندسين، أو كما في حالتنا الماثلة (قبيلة الوزراء)، لا المعني السوسيولوجي المعلوم للفظة قبيلة.
ولكن الأمر اختلط علىّ في مبتدأ الأمر، إذ دلفت الى السلسلة على عجل فمسحت بعض الأجزاء مسحاً بنظرات سريعة كاسحة. وربما كان هذا هو السبب في أنني لم استوعب المعني المقصود بعبارة (قبيلة السيد الوزير) الا متأخراً بعد ان عدت لقراءة المقدمة!
ظننت في البداية أن سبدرات يعني لفظة قبيلة بالمعني المعتاد، أي أنه سيبين من خلال السلسة القبيلة التي ينتمي اليها كل وزير. وقد ثبّت هذا المعني وعمقه عندي أنه قد ذكر بالفعل، بل وظل مثابراً لبعض الوقت على ذكر قبيلة كل وزير. فقد ذكر على سبيل المثال عن أول وزير للداخلية بعد انقلاب مايو 1969 المرحوم الرائد فارق حمد الله أن والده (من أركان قبيلة الجعليين). ثم ذكر عن نائب الرئيس اللواء محمد الباقر أحمد أنه من قبيلة العبابدة، وعن الوزير ابراهيم منعم منصور أنه من قبيلة الحمر، وعن الوزير محمد خير عثمان والوزير محجوب عثمان انهما من قبيلة الشايقية، وعن الوزير الدكتور النذير دفع الله انه من قبيلة الهوارة، وعن وزراء آخرين انهم من الهاشماب او الرباطاب أو البديرية وغير ذلك. وفي بعض الأحوال، مثل حالة الوزير عبد الكريم ميرغني، اكتفي بعبارات من شاكلة (من أسرة ام درمانية عريقة)، وهكذا!
انقدحت في ذهني وأنا أتقلب بين الفقرات، وبشكل مفاجئ، خاطرة بريئة. فتوقفت فجأة عن التصفح غير المنتظم، ورجعت الى التسلسل المتدرج. ثم أخذت أقلب على عجل باحثاً عن اسم الاستاذ فاروق أبوعيسى، الذي تولى وزارات شئون الرئاسة والخارجية والعمل في حكومات مايو الاولي.
انتظرني - أعزك الله- حتي بعد غد الخميس لنواصل المشوار مع حبيبنا سبدرات وقبائله، وحبيبنا الآخر أبوعيسى. ولكن لا يلعبن الشيطان برأسك فتسئ بي الظن. أنا قصدي خير والله!
الحلقة الثانية
ذكرت فيما سبق أن أمر (قبيلة الوزير) في سلسلة الاستاذ سبدرات اختلط علىّ، اذ عناها هو بالمعني الاصطلاحي، كقولك قبيلة المثقفين، لا بالمعني السوسيولوجي كما فهمت أنا ابتداءً. وربما كان مصدر الالتباس هو أن سبدرات ظل لبعض الوقت يذكر قبيلة كل وزير بصورة مضطرده، وهو يتناولهم وزيراً إثر وزير. وقلت أنني أسرعت أبحث بين حلقات السلسلة عن اسم الاستاذ فاروق أبوعيسى!
لماذا بحثت عن اسم أبوعيسى؟ يقول اخوتنا في شمال الوادي "الكدب خيبة". ولا مناص اذن من الاعتراف بالحقيقة، وهي أن الفضول الشديد قد شدّني وحفزني للاجتهاد في معرفة كيف عالج سبدرات أمر قبيلته. ذلك أن رئيسنا المفدى المشير عمر البشير كان قد صب جأم غضبه ذات يوم من أيام العام المنصرم على أبي عيسى، فعيره خلال خطاب جماهيري بأنه "ما عندو قبيلة". وأحسب أن ذلك لم يكن الا من قبيل المكايدة السياسية، والسعي لضعضعة مركز فاروق القيادي كرئيس لتحالف قوى الاجماع المعارض، لا سيما وأن فاروق نفسه كان قد وجه الى الرئيس سهاماً حارقة قبل ذلك، فرد له الرئيس الصاع صاعين. وتاريخنا السياسي، منذ الاستقلال، يضم الكثير من نماذج مثل هذه المكايدات.
ولما كنت أعلم عن علاقة الصداقة الشخصية الوثيقة التي تجمع سبدرات بالمشير البشير، فضلاً عن ولائه المطلق وارتهانه لقيادته السياسية، فقد قدّرت انه سيتجاوز عن قبيلة فاروق ويتلافاها، حتي لا يقع في الحرج. وقد صدق حدسي. ولا عتاب ولا ملامة. فكيف يذكرها ويخالف قول رئيسنا المفدى (ويرمي كلامه الأرض)؟ هل يعقل هذا؟!
أنا أتفهم موقف سبدرات تماماً، ولكن تلك مشكلته وليست مشكلتي. وبما أنه ليست هناك علاقة صداقة شخصية تجمعني أنا بالرئيس عمر البشير، مع الاحترام الكامل المستحق له ولمقامه (وكيف تجمعني به علاقة صداقة وهو الذي وقع بكفه القرار الجمهوري رقم 1434 لسنة 1990 القاضي بعزلي من وظيفتي الحكومية؟ ولهذا أنا عاتب على خالي [في الرضاعة] الفريق أول بكري حسن صالح لأنه لم يتدخل وقتها لينصفني، ولكن تلك قصة اخرى). أقول بما أنني لست من أصدقاء السيد الرئيس الشخصيين، مثل سبدرات وزميلي المحلل السياسي محمد لطيف، كما أنني لست عضواً في حزب المؤتمر الوطني، ولم أكن في الأصل عضواً في الحركة الاسلامية، فليس هناك ما يلزمني بما يلزم هؤلاء. أنا في حل من أى التزام!
وها أنا ذا أقول وبلسان عربي فصيح أن الاستاذ فاروق أبوعيسى ينتمي الى بيت عريق وأسرة راكزة في قلب قبيلة الجعافرة، فهم من أعيانها ورموزها وأشراف أشرافها. والجعافرة، كما قد علم الناس، قبيلة ضاربة ذات وزن وهيبة وتاريخ. حبيبنا فاروق بلا شك "ود أصول"، ينتمي الى قوم ذوى شكيمة. كما أن لعدد من أفراد أسرته المباشرة تاريخ موثوق في الحركة الوطنية السودانية. (من قبيل الانصاف للاستاذ سبدرات أثبّت هنا أنني اكتشفت لاحقاً أنه كان يضيف اسم القبيلة فقط في الحالات التي اتفق انه يعرفها، ولكنه لم يبذل جهداً للتقصي في الحالات الاخرى، باعتبار ان التعريف بالقبيلة لم يكن من أغراض مهمته أصلاً. ولكن شبهة التزامه بالوفاء باستحقاقات صداقة الرئيس في حالتنا هذه تظل قائمة. وسبدرات مصدّق على أية حال، وسنصدقه لو نفاها)!
الذي ليست له قبيلة هو أنا. وكنت كلما سألني أحد عن قبيلتي احترت في الاجابة. فأنا نوبي من وادي حلفا. ولكن النوبة في ظني عرق وانتماء لقومية لا لقبيلة. ولم اسمع قط نوبياً يقول "انا قبيلتي نوبي". كما أن وادي حلفا، بطبيعة الحال، مكان جغرافي، لا نسب قبلي. ثم أنني لاحظت أن سبدرات في تقديمه للوزراء المنحدرين من مناطق النوبة في الشمال على توالي العهود منذ الاستقلال لم يشر الى النوبة كقبيلة ينتمي اليها اولئك النفر ربما لنفس السبب.
وتجدني دائماً أحسد اولئك الذين بامكانهم الاجابة على السؤال عن القبيلة مباشرةً وبكلمة واحدة فقط، فيقولون: جعلى، رباطابي، حوازمي، كباشي، بني عامر، زغاوي، (لم أكن أعرف كيف يقدم منسوبي قبيلة المجانين الكردفانية انفسهم، حتي وقعت على الاجابة في احدى كتب الدكتور منصور خالد، وهي: "مجنوني")!
من التعريفات القبلية التي أعشقها تعريف (بديري دهمشي). وأنا أحب نطق هذه العبارة كثيراً، إذ أجدها عند ترديدها في اللسان عذبة ولذيذة وهشة، خاصةً دهمشي ودهمشية، حتي أنه خطر لي ذات يوم أن أعرف نفسي بصفة (حلفاوي دهمشي). وأذكر أنني قرأت عن البديرية الدهمشية أنهم، بخلاف القبائل الاخرى المتمركزة في مواقع جغرافية معينة، منتشرون انتشاراً واسعاً في جميع أرجاء السودان. ويتعذر تماما ضبط الانتماء القبلي لهذه المجموعة، بحيث يستطيع اى شخص مطمئناً أن يزعم انه بديري دهمشي، دون أن يستطيع إنسان آخر ملاحقته وحصحصة انتماؤه، كما هو الحال مع القبائل الاخرى.
يُستثنى من ذلك بالطبع الرويبضة هارولد ماكمايكل، الخواجة الذي تحدث (وكتب) في شئون السودانيين، والذي غالط الزعيم اسماعيل الأزهري حول انتمائه للبديرية الدهمشية. وماكمايكل، المُغالط في الانساب الدهمشية، هو نفسه المدير الاستعماري الذي كسر قلمه عبدالله ود جاد الله، جد الامام الحبيب الصادق المهدي، والذي اشتهر بعد ذلك باسم (كسّار قلم ماكمايكل)، وذلك بعد ان انحاز الرويبضة في الحكم حول نزاع ما لقبيلة الكبابيش، لأنهم كانوا مناوئين للمهدية، على حساب قبيلة الكواهلة.
وما زلنا وراء سبدرات وسلسلته .. والزمن طويل!
الحلقة الثالثة
مهمة حصر الشخصيات التي شغلت المنصب الوزاري في السودان منذ الاستقلال وحتي اليوم ، أرقاماً وأسماء، وتقديم نبذة عن كل واحدة منها، وهي المهمة التي نهض اليها الاستاذ عبد الباسط سبدرات، عمل جليل الشأن بلا ريب. وبصرف النظر عن المحتوى والحصيلة، فإن عملية التوثيق نفسها تكتسي اهمية عظمى، بالنظر الى ضخامة عدد السودانيين الذين شغلوا المنصب الوزاري خلال ما يقرب من سبعة عقود.
وقد لاحظ سبدرات نفسه ارتفاع العدد فكتب عن قبيلة الوزراء: (انضمت لهذه القبيلة أعداد كبيرة حتى فاق عددها عدد قبيلتي الدينكا والجعليين). وقال أنه هو شخصياً اكتشف انه لا يعرف، بل ولم يسمع بكثير من الاسماء الا عند مطالعته للمراسيم الجمهورية التي راجعها لأغراض التوثيق. وأضاف أن بعض من ناقشوه في أمر السلسلة عجبوا من ورود أسماء كثيرة لوزراء لم يسمعوا بهم من قبل (فتساءلوا أين كان هؤلاء وماذا أضافوا؟ ولماذا دخلوا الوزارة، ولماذا تركوها، دون ان يتركوا أثراً وانجازاً ملموساً؟) وكان رده أن مثل هذه التساؤلات وإن بدت مشروعة، الا انها تنطوي في ذات الوقت على شيء من الظلم. ثم بسط وجهة نظره في مورد تفسير هذا الرأي وإقامة الحجة عليه.
يقول صاحبنا: (أن بعض الوزارات تبتلع الوزير، وبعضها تجعله قمراً منيرا. بعضها يجعل لسان الوزير في كل مايكروفون، وبعضها يخطف بصر الوزير بغمزات كاشفات الكاميرات وأضواء الإعلام الحارقة أو الحريرية. ثم أن بعض الوزراء محترفون في السياسة واصطياد المناسبات واقتناص الفرص. وبعضهم جاءته الوزارة بغتةً، من حيث لم يحتسب، وما يزال تحت صدمة المفاجأة. وبعضهم جاءته الوزارة ولكن لم يكمل فيها عدة المطلقة، وبعضهم لم يكمل الأربعين يوماً. بل أن أحد الوزراء لم يزد حظه من الوزارة عن يومين فقط. بينما ظل البعض في المنصب لعقد كامل، وآخرون لعقدين من الزمان).
ولكن سبدرات منعه حياؤه، وربما حرصه على مقتضيات الزمالة و(الانتماء القبلي)، أن يستطرد فيقول أن هناك من الوزراء من تخصص في فنون العلاقات العامة ، فجعلها مبلغ علمه وأكبر همه، ولذلك تراهم دائماً ملء الابصار. لا لكثرة انجازهم وجودة انتاجهم، ولكن لقدرتهم الفذة على الانتشار المنتظم في شاشات التلفاز وصفحات الصحف. وسنبين ونفسّر.
وقد عايشت منسوبي ( قبيلة الوزير) هذه ردحاً من الزمان، ابتداءً من الحقبة المايوية، منذ تخرجي والتحاقي بالعمل الحكومي في العام 1980، وحتي بداية الحكم الانقاذوي، اذ عملت مع مجلس وزراء حكومة العصبة المنقذة، عقب انقلابها في 1989. بل أنني توليت لبعض الوقت مهمة السكرتارية الصحفية لرئيسنا المفدي المشير البشير شخصياً. وعندي طرفة مزلزلة عن موقف عاصرته أثناء لقاء جلست فيه الى جانب السيد الرئيس وصحافي عراقي كان يحاوره خلال الاسبوع الاول، وربما الثاني، بعد الانقلاب. وأعلم انك - أعزك الله – على أتم استعداد لتدفع نصف ما تبقي من عمرك لتسمع مني عن ذلك الموقف وتلك الطرفة. ولكنني اؤثر أن أحدث بها أولاً خالي، في الرضاعة، الفريق اول بكري حسن صالح، وزير رئاسة الجمهورية، فإن أذن لي حكيتها لك. والا فإنها في حرزٍ حريز، فأنا لا أفشى أسرار الدولة التي اؤتمنت عليها إلا مأذوناً.
عرفت في زمن مضى وزيراً كان اذا أراد ان يقوم بزيارة الى وحدة حكومية تابعة لوزارته قضي نصف يومه يتقصى ويتابع بنفسه اجراءات التغطية الاعلامية. فلا بد للمسئولين في مكتبه ان يوافوه بأدق التفاصيل والتأكيدات عن كاميرات التلفاز التي سترافقه، ومندوبي الاذاعة، والصحافيون الذين سيغطون زيارته. وذات يوم تأخر طاقم التصوير التلفزيوني عن الحضور فغضب الوزير غضبة مضرية وكاد يأمر بفصل موظفي مكتبه اجمعين، ثم أمر بإلغاء الزيارة التفقدية، اذ ما فائدتها وليست هناك كاميرات تغطيها؟
وقد حدث أن رافقت وزيراً قام بزيارة الى مؤسسة صناعية بمنطقة الخرطوم بحري. وعندما وصلنا الى الموقع وجدنا المدير العام لتلك المؤسسة وكبار معاونيه وقد اصطفوا لتحية الوزير والترحيب به. ولكن الوزير رفض أن ينزل من سيارته بعد ان علم ان مصوري التلفزيون ليسوا هناك، فانتظر ما يقرب من ربع الساعة، والقوم صابرين محتسبين تحت صهد الشمس. فلما يئس الوزير ترجل، ثم صافح المسئولين واحداً واحدا، على مضض ووجهه مكفهر. فلما انتهت مراسم الاستقبال وهموا جميعا بدخول المرفق، ظهر المصورون والكاميرات على اكتافهم. وهنا أمر الوزير مدير المؤسسة ومعاونيه ان يعودوا فيصطفوا، مرة اخري، ليحيوه ويصافحوه من جديد، حتي تتمكن كاميرات التلفاز من تصوير الوقائع!
ذلك صنف من الوزراء يؤمن بتفسير خاص للآية الكريمة (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). وفي ظن هؤلاء أن رؤية المؤمنين ل(عمل) الوزير، مقدمة على رؤية الله ورسوله. وأنها ينبغي أن تتم حصرياً من خلال نشرة التلفزيون المسائية وصفحات الصحف، والا كانت الرؤية باطلة!
ويا ويل وسواد ليل الوزير الذي تسوء علاقته بوزير الاعلام. فقد عايشت وخبرت كيف عانى وزير التربية والتعليم في عهد الديمقراطية الثالثة، الاستاذ بكري عديل، عندما أمر وزير الاعلام الاستاذ عبدالله محمد احمد ادارة التلفزيون بعدم تغطية أي نشاط لزميله (وغريمه) وزير التربية. فقضى بكرى عديل أيام وزارته محروماً من الصورة والصوت.. والصيت الاعلامي!
وما زال ليلنا مع سلسلة سبدرات طفلا يحبو!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.