إبراهيم شقلاوي يكتب: يرفعون المصاحف على أسنّة الرماح    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    لماذا نزحوا إلى شمال السودان    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي .. سلام على الفاشر وأهلها وعلى شهدائها الذين كتبوا بالدم معنى البطولة    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قبيلة عبد الباسط سبدرات (1)


مصطفى عبد العزيز البطل
[email protected]
المجموعة الاولي / الحلقات من 1 الى 3 / نقلاً عن صحيفة (الخرطوم)
الحلقة الاولي
بسم الله مُجراها ومرساها نشرع في هذه السلسلة التي قد تقصر فلا تتجاوز الحلقتين. وربما تمدّدت وانبسطت فوصلت الى عشر حلقات. ويجوز، وكل شئ جائز، أن تبلغ العشرين. ولكن لا يأخذنك العجب إن هي تطاولت فبلغت الثلاثين حلقة، وليس ذلك علي الله بعزيز. وقديماً سأل واحد ضمن مجموعة من المحكومين بالسجن المؤبد، كانوا يلعبون الورق في فناء السجن: "الفورة كم"؟ فأخبره أحد اللاعبين، انها ألف، فأبدى استغرابه: "لكين ألف مُش كتيرة"؟ وجاءه الرد الجماعي: كثيرة ليه؟ احنا ورانا ايه؟!
وحالنا - أنا و الاستاذ عبد الباسط سبدرات - ربما كان قريباً، مع الفارق، من هؤلاء اللاعبين. حبيبنا سبدرات، الذي أكتب هذه الحلقات تعقيباً على سلسلة مطولة، أكمل منها حتى الآن أربعين حلقة نشرتها له رصيفتنا (المجهر السياسي)، بلغ سن التقاعد. فهو اليوم ينعم ب (سعادة الكبُر) بين أبنائه وأحفاده. ويستمتع هانئاً بما بين يديه من خيراتٍ وفيرة أفاء الله بها عليه بعد حياة باذخة عاشها طولاً وعرضاً. أطال الله في عمره وبارك فيه.
أما العبد الفقير فقد صدر فجأة، وعلى حين غرة، قرار من أحبابه مناضلي الكيبورد ألزمه هو ايضا بالتقاعد رغماً عن أنفه. وقد رأيت قبل أسابيع جماعةً من المناضلين، ممن أرهقتهم بعض كتاباتي، وقد تحلقوا حول إسمي علي الشبكة الدولية فشتموني شتيمة الأراذل. وزاد أحدهم فتمنى موتي، ثم سأل من حوله: "هو البطل ده عمره كم"؟ فتقدم من بين الصفوف طبيب مناضل مارس اختصاصه المهني فأصدر لي على الفور شهادة تسنين زاد بموجبها سنوات عمري خمس سنوات حسوما، فقرر إن عمري ستين عاماً. فوجدتني وقد دخلت، هكذا، ضربة لازب، نطاق المعاش الاجباري بحكم القوانين السارية. وقد حمدت الله حمداً كثيراً، في ظل هذا التقاعد المفاجئ الذي أتاني من حيث لم أحتسب، أنني أقيم في ملكي، ولا أسكن منزلاً حكومياً، والا لكنت اليوم، أنا أولادي وأثاث بيتي، في الشارع!
كلانا اذن بلغ سن التقاعد إختياراً أو إجباراً. لا شغل ولا مشغلة. ولهذا فإن سبدرات يكتب أربعين حلقة فيتسلى، وأنا أعقب عليه في ثلاثين فأتجلى. ورانا ايه؟ فإن لم تتحقق لك – أعزك الله – فائدة من كل ذلك فلا بأس. المهم، فيما يليني من الأمر، أنني أكون قد أوفيت بمقتضيات عقدي مع صحيفة (الخرطوم)، فكتبت ستمائة كلمة، ثلاث مرات في الاسبوع. وفي فقه هذه الصحيفة الغراء أن من أخذ الأجر من كُتّابها حاسبه مديرها، الدكتور الباقر احمد عبدالله، بعدد الكلمات!
كتب الاستاذ سبدرات سلسلته بعنوان (قبيلة السيد الوزير)، تناول فيها جميع الشخصيات التي تولت المنصب الوزاري في السودان منذ الاستقلال وحتي اليوم. والمعني المقصود في العنوان هو القبيلة بالمفهوم الاصطلاحي، كقولك قبيلة المثقفين، او قبيلة المهندسين، أو كما في حالتنا الماثلة (قبيلة الوزراء)، لا المعني السوسيولوجي المعلوم للفظة قبيلة.
ولكن الأمر اختلط علىّ في مبتدأ الأمر، إذ دلفت الى السلسلة على عجل فمسحت بعض الأجزاء مسحاً بنظرات سريعة كاسحة. وربما كان هذا هو السبب في أنني لم استوعب المعني المقصود بعبارة (قبيلة السيد الوزير) الا متأخراً بعد ان عدت لقراءة المقدمة!
ظننت في البداية أن سبدرات يعني لفظة قبيلة بالمعني المعتاد، أي أنه سيبين من خلال السلسة القبيلة التي ينتمي اليها كل وزير. وقد ثبّت هذا المعني وعمقه عندي أنه قد ذكر بالفعل، بل وظل مثابراً لبعض الوقت على ذكر قبيلة كل وزير. فقد ذكر على سبيل المثال عن أول وزير للداخلية بعد انقلاب مايو 1969 المرحوم الرائد فارق حمد الله أن والده (من أركان قبيلة الجعليين). ثم ذكر عن نائب الرئيس اللواء محمد الباقر أحمد أنه من قبيلة العبابدة، وعن الوزير ابراهيم منعم منصور أنه من قبيلة الحمر، وعن الوزير محمد خير عثمان والوزير محجوب عثمان انهما من قبيلة الشايقية، وعن الوزير الدكتور النذير دفع الله انه من قبيلة الهوارة، وعن وزراء آخرين انهم من الهاشماب او الرباطاب أو البديرية وغير ذلك. وفي بعض الأحوال، مثل حالة الوزير عبد الكريم ميرغني، اكتفي بعبارات من شاكلة (من أسرة ام درمانية عريقة)، وهكذا!
انقدحت في ذهني وأنا أتقلب بين الفقرات، وبشكل مفاجئ، خاطرة بريئة. فتوقفت فجأة عن التصفح غير المنتظم، ورجعت الى التسلسل المتدرج. ثم أخذت أقلب على عجل باحثاً عن اسم الاستاذ فاروق أبوعيسى، الذي تولى وزارات شئون الرئاسة والخارجية والعمل في حكومات مايو الاولي.
انتظرني - أعزك الله- حتي بعد غد الخميس لنواصل المشوار مع حبيبنا سبدرات وقبائله، وحبيبنا الآخر أبوعيسى. ولكن لا يلعبن الشيطان برأسك فتسئ بي الظن. أنا قصدي خير والله!
الحلقة الثانية
ذكرت فيما سبق أن أمر (قبيلة الوزير) في سلسلة الاستاذ سبدرات اختلط علىّ، اذ عناها هو بالمعني الاصطلاحي، كقولك قبيلة المثقفين، لا بالمعني السوسيولوجي كما فهمت أنا ابتداءً. وربما كان مصدر الالتباس هو أن سبدرات ظل لبعض الوقت يذكر قبيلة كل وزير بصورة مضطرده، وهو يتناولهم وزيراً إثر وزير. وقلت أنني أسرعت أبحث بين حلقات السلسلة عن اسم الاستاذ فاروق أبوعيسى!
لماذا بحثت عن اسم أبوعيسى؟ يقول اخوتنا في شمال الوادي "الكدب خيبة". ولا مناص اذن من الاعتراف بالحقيقة، وهي أن الفضول الشديد قد شدّني وحفزني للاجتهاد في معرفة كيف عالج سبدرات أمر قبيلته. ذلك أن رئيسنا المفدى المشير عمر البشير كان قد صب جأم غضبه ذات يوم من أيام العام المنصرم على أبي عيسى، فعيره خلال خطاب جماهيري بأنه "ما عندو قبيلة". وأحسب أن ذلك لم يكن الا من قبيل المكايدة السياسية، والسعي لضعضعة مركز فاروق القيادي كرئيس لتحالف قوى الاجماع المعارض، لا سيما وأن فاروق نفسه كان قد وجه الى الرئيس سهاماً حارقة قبل ذلك، فرد له الرئيس الصاع صاعين. وتاريخنا السياسي، منذ الاستقلال، يضم الكثير من نماذج مثل هذه المكايدات.
ولما كنت أعلم عن علاقة الصداقة الشخصية الوثيقة التي تجمع سبدرات بالمشير البشير، فضلاً عن ولائه المطلق وارتهانه لقيادته السياسية، فقد قدّرت انه سيتجاوز عن قبيلة فاروق ويتلافاها، حتي لا يقع في الحرج. وقد صدق حدسي. ولا عتاب ولا ملامة. فكيف يذكرها ويخالف قول رئيسنا المفدى (ويرمي كلامه الأرض)؟ هل يعقل هذا؟!
أنا أتفهم موقف سبدرات تماماً، ولكن تلك مشكلته وليست مشكلتي. وبما أنه ليست هناك علاقة صداقة شخصية تجمعني أنا بالرئيس عمر البشير، مع الاحترام الكامل المستحق له ولمقامه (وكيف تجمعني به علاقة صداقة وهو الذي وقع بكفه القرار الجمهوري رقم 1434 لسنة 1990 القاضي بعزلي من وظيفتي الحكومية؟ ولهذا أنا عاتب على خالي [في الرضاعة] الفريق أول بكري حسن صالح لأنه لم يتدخل وقتها لينصفني، ولكن تلك قصة اخرى). أقول بما أنني لست من أصدقاء السيد الرئيس الشخصيين، مثل سبدرات وزميلي المحلل السياسي محمد لطيف، كما أنني لست عضواً في حزب المؤتمر الوطني، ولم أكن في الأصل عضواً في الحركة الاسلامية، فليس هناك ما يلزمني بما يلزم هؤلاء. أنا في حل من أى التزام!
وها أنا ذا أقول وبلسان عربي فصيح أن الاستاذ فاروق أبوعيسى ينتمي الى بيت عريق وأسرة راكزة في قلب قبيلة الجعافرة، فهم من أعيانها ورموزها وأشراف أشرافها. والجعافرة، كما قد علم الناس، قبيلة ضاربة ذات وزن وهيبة وتاريخ. حبيبنا فاروق بلا شك "ود أصول"، ينتمي الى قوم ذوى شكيمة. كما أن لعدد من أفراد أسرته المباشرة تاريخ موثوق في الحركة الوطنية السودانية. (من قبيل الانصاف للاستاذ سبدرات أثبّت هنا أنني اكتشفت لاحقاً أنه كان يضيف اسم القبيلة فقط في الحالات التي اتفق انه يعرفها، ولكنه لم يبذل جهداً للتقصي في الحالات الاخرى، باعتبار ان التعريف بالقبيلة لم يكن من أغراض مهمته أصلاً. ولكن شبهة التزامه بالوفاء باستحقاقات صداقة الرئيس في حالتنا هذه تظل قائمة. وسبدرات مصدّق على أية حال، وسنصدقه لو نفاها)!
الذي ليست له قبيلة هو أنا. وكنت كلما سألني أحد عن قبيلتي احترت في الاجابة. فأنا نوبي من وادي حلفا. ولكن النوبة في ظني عرق وانتماء لقومية لا لقبيلة. ولم اسمع قط نوبياً يقول "انا قبيلتي نوبي". كما أن وادي حلفا، بطبيعة الحال، مكان جغرافي، لا نسب قبلي. ثم أنني لاحظت أن سبدرات في تقديمه للوزراء المنحدرين من مناطق النوبة في الشمال على توالي العهود منذ الاستقلال لم يشر الى النوبة كقبيلة ينتمي اليها اولئك النفر ربما لنفس السبب.
وتجدني دائماً أحسد اولئك الذين بامكانهم الاجابة على السؤال عن القبيلة مباشرةً وبكلمة واحدة فقط، فيقولون: جعلى، رباطابي، حوازمي، كباشي، بني عامر، زغاوي، (لم أكن أعرف كيف يقدم منسوبي قبيلة المجانين الكردفانية انفسهم، حتي وقعت على الاجابة في احدى كتب الدكتور منصور خالد، وهي: "مجنوني")!
من التعريفات القبلية التي أعشقها تعريف (بديري دهمشي). وأنا أحب نطق هذه العبارة كثيراً، إذ أجدها عند ترديدها في اللسان عذبة ولذيذة وهشة، خاصةً دهمشي ودهمشية، حتي أنه خطر لي ذات يوم أن أعرف نفسي بصفة (حلفاوي دهمشي). وأذكر أنني قرأت عن البديرية الدهمشية أنهم، بخلاف القبائل الاخرى المتمركزة في مواقع جغرافية معينة، منتشرون انتشاراً واسعاً في جميع أرجاء السودان. ويتعذر تماما ضبط الانتماء القبلي لهذه المجموعة، بحيث يستطيع اى شخص مطمئناً أن يزعم انه بديري دهمشي، دون أن يستطيع إنسان آخر ملاحقته وحصحصة انتماؤه، كما هو الحال مع القبائل الاخرى.
يُستثنى من ذلك بالطبع الرويبضة هارولد ماكمايكل، الخواجة الذي تحدث (وكتب) في شئون السودانيين، والذي غالط الزعيم اسماعيل الأزهري حول انتمائه للبديرية الدهمشية. وماكمايكل، المُغالط في الانساب الدهمشية، هو نفسه المدير الاستعماري الذي كسر قلمه عبدالله ود جاد الله، جد الامام الحبيب الصادق المهدي، والذي اشتهر بعد ذلك باسم (كسّار قلم ماكمايكل)، وذلك بعد ان انحاز الرويبضة في الحكم حول نزاع ما لقبيلة الكبابيش، لأنهم كانوا مناوئين للمهدية، على حساب قبيلة الكواهلة.
وما زلنا وراء سبدرات وسلسلته .. والزمن طويل!
الحلقة الثالثة
مهمة حصر الشخصيات التي شغلت المنصب الوزاري في السودان منذ الاستقلال وحتي اليوم ، أرقاماً وأسماء، وتقديم نبذة عن كل واحدة منها، وهي المهمة التي نهض اليها الاستاذ عبد الباسط سبدرات، عمل جليل الشأن بلا ريب. وبصرف النظر عن المحتوى والحصيلة، فإن عملية التوثيق نفسها تكتسي اهمية عظمى، بالنظر الى ضخامة عدد السودانيين الذين شغلوا المنصب الوزاري خلال ما يقرب من سبعة عقود.
وقد لاحظ سبدرات نفسه ارتفاع العدد فكتب عن قبيلة الوزراء: (انضمت لهذه القبيلة أعداد كبيرة حتى فاق عددها عدد قبيلتي الدينكا والجعليين). وقال أنه هو شخصياً اكتشف انه لا يعرف، بل ولم يسمع بكثير من الاسماء الا عند مطالعته للمراسيم الجمهورية التي راجعها لأغراض التوثيق. وأضاف أن بعض من ناقشوه في أمر السلسلة عجبوا من ورود أسماء كثيرة لوزراء لم يسمعوا بهم من قبل (فتساءلوا أين كان هؤلاء وماذا أضافوا؟ ولماذا دخلوا الوزارة، ولماذا تركوها، دون ان يتركوا أثراً وانجازاً ملموساً؟) وكان رده أن مثل هذه التساؤلات وإن بدت مشروعة، الا انها تنطوي في ذات الوقت على شيء من الظلم. ثم بسط وجهة نظره في مورد تفسير هذا الرأي وإقامة الحجة عليه.
يقول صاحبنا: (أن بعض الوزارات تبتلع الوزير، وبعضها تجعله قمراً منيرا. بعضها يجعل لسان الوزير في كل مايكروفون، وبعضها يخطف بصر الوزير بغمزات كاشفات الكاميرات وأضواء الإعلام الحارقة أو الحريرية. ثم أن بعض الوزراء محترفون في السياسة واصطياد المناسبات واقتناص الفرص. وبعضهم جاءته الوزارة بغتةً، من حيث لم يحتسب، وما يزال تحت صدمة المفاجأة. وبعضهم جاءته الوزارة ولكن لم يكمل فيها عدة المطلقة، وبعضهم لم يكمل الأربعين يوماً. بل أن أحد الوزراء لم يزد حظه من الوزارة عن يومين فقط. بينما ظل البعض في المنصب لعقد كامل، وآخرون لعقدين من الزمان).
ولكن سبدرات منعه حياؤه، وربما حرصه على مقتضيات الزمالة و(الانتماء القبلي)، أن يستطرد فيقول أن هناك من الوزراء من تخصص في فنون العلاقات العامة ، فجعلها مبلغ علمه وأكبر همه، ولذلك تراهم دائماً ملء الابصار. لا لكثرة انجازهم وجودة انتاجهم، ولكن لقدرتهم الفذة على الانتشار المنتظم في شاشات التلفاز وصفحات الصحف. وسنبين ونفسّر.
وقد عايشت منسوبي ( قبيلة الوزير) هذه ردحاً من الزمان، ابتداءً من الحقبة المايوية، منذ تخرجي والتحاقي بالعمل الحكومي في العام 1980، وحتي بداية الحكم الانقاذوي، اذ عملت مع مجلس وزراء حكومة العصبة المنقذة، عقب انقلابها في 1989. بل أنني توليت لبعض الوقت مهمة السكرتارية الصحفية لرئيسنا المفدي المشير البشير شخصياً. وعندي طرفة مزلزلة عن موقف عاصرته أثناء لقاء جلست فيه الى جانب السيد الرئيس وصحافي عراقي كان يحاوره خلال الاسبوع الاول، وربما الثاني، بعد الانقلاب. وأعلم انك - أعزك الله – على أتم استعداد لتدفع نصف ما تبقي من عمرك لتسمع مني عن ذلك الموقف وتلك الطرفة. ولكنني اؤثر أن أحدث بها أولاً خالي، في الرضاعة، الفريق اول بكري حسن صالح، وزير رئاسة الجمهورية، فإن أذن لي حكيتها لك. والا فإنها في حرزٍ حريز، فأنا لا أفشى أسرار الدولة التي اؤتمنت عليها إلا مأذوناً.
عرفت في زمن مضى وزيراً كان اذا أراد ان يقوم بزيارة الى وحدة حكومية تابعة لوزارته قضي نصف يومه يتقصى ويتابع بنفسه اجراءات التغطية الاعلامية. فلا بد للمسئولين في مكتبه ان يوافوه بأدق التفاصيل والتأكيدات عن كاميرات التلفاز التي سترافقه، ومندوبي الاذاعة، والصحافيون الذين سيغطون زيارته. وذات يوم تأخر طاقم التصوير التلفزيوني عن الحضور فغضب الوزير غضبة مضرية وكاد يأمر بفصل موظفي مكتبه اجمعين، ثم أمر بإلغاء الزيارة التفقدية، اذ ما فائدتها وليست هناك كاميرات تغطيها؟
وقد حدث أن رافقت وزيراً قام بزيارة الى مؤسسة صناعية بمنطقة الخرطوم بحري. وعندما وصلنا الى الموقع وجدنا المدير العام لتلك المؤسسة وكبار معاونيه وقد اصطفوا لتحية الوزير والترحيب به. ولكن الوزير رفض أن ينزل من سيارته بعد ان علم ان مصوري التلفزيون ليسوا هناك، فانتظر ما يقرب من ربع الساعة، والقوم صابرين محتسبين تحت صهد الشمس. فلما يئس الوزير ترجل، ثم صافح المسئولين واحداً واحدا، على مضض ووجهه مكفهر. فلما انتهت مراسم الاستقبال وهموا جميعا بدخول المرفق، ظهر المصورون والكاميرات على اكتافهم. وهنا أمر الوزير مدير المؤسسة ومعاونيه ان يعودوا فيصطفوا، مرة اخري، ليحيوه ويصافحوه من جديد، حتي تتمكن كاميرات التلفاز من تصوير الوقائع!
ذلك صنف من الوزراء يؤمن بتفسير خاص للآية الكريمة (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). وفي ظن هؤلاء أن رؤية المؤمنين ل(عمل) الوزير، مقدمة على رؤية الله ورسوله. وأنها ينبغي أن تتم حصرياً من خلال نشرة التلفزيون المسائية وصفحات الصحف، والا كانت الرؤية باطلة!
ويا ويل وسواد ليل الوزير الذي تسوء علاقته بوزير الاعلام. فقد عايشت وخبرت كيف عانى وزير التربية والتعليم في عهد الديمقراطية الثالثة، الاستاذ بكري عديل، عندما أمر وزير الاعلام الاستاذ عبدالله محمد احمد ادارة التلفزيون بعدم تغطية أي نشاط لزميله (وغريمه) وزير التربية. فقضى بكرى عديل أيام وزارته محروماً من الصورة والصوت.. والصيت الاعلامي!
وما زال ليلنا مع سلسلة سبدرات طفلا يحبو!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.