خريجي الطبلية من الأوائل    لم يعد سراً أن مليشيا التمرد السريع قد استشعرت الهزيمة النكراء علي المدي الطويل    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    عائشة الماجدي: (الحساب ولد)    تحرير الجزيرة (فك شفرة المليشيا!!)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني وأحد مناصري قوات الدعم السريع نادر الهلباوي يخطف الأضواء بمقطع مثير مع حسناء "هندية" فائقة الجمال    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني الشهير "الشكري": (كنت بحب واحدة قريبتنا تشبه لوشي لمن كانت سمحة لكن شميتها وكرهتها بسبب هذا الموقف)    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    "الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في تجربة حكم الإسلامويين في دول الربيع العربي

محاضرة أُلقيت في الملتقى الثقافي العربي في لندن بتاريخ 12 أبريل 2013
المتحدث: معتصم الحارث الضوّي

المحور الأول: كيف صعد الإسلاميون إلى الحكم؟
المحور الثاني: ديناميكية العلاقة بين الإسلاميين والجماهير، ولماذا اتسمت بالتوتر في عهد حكمهم.
المحور الثالث: آفاق تحقيق الحكم الرشيد.

قبل أن نبدأ اسمحوا لي بتوضيح بعض النقاط المهمة:
أولا: رغم اختلافي البالغ مع الأطروحات الفكرية والأساليب الحركية للحركات الإسلاموية، إلا أنني أؤمن بحقها في الوجود وممارسة أعمالها التنظيمية، ولكن شريطة أن يكون ذلك في إطار القواعد المُنظّمة للعبة الديمقراطية، والتي تواضعت الشعوب على قبولها .
ثانيا: سبق لي أيضا طرح مسألة الصراع/الحوار بين القوميين والإسلاميين في محاضرة سابقة، وأعلنتُ إيماني القاطع بضرورة إيجاد حل للقطيعة الكبرى بينهما، وذلك لأهميتها القصوى، وخاصة في هذه الفترة.
ثالثا: لا يعني وصول الحركات المتأسلمة إلى سُدّة الحكم لي مشكلة، بل أنني أرى أن دور الجميع بلا استثناء، يتطلب تقديم النقد البنّاء وليس الهدّام، وذلك لأن مصلحة الوطن تقتضي ذلك، وهي التي تعلو على التنظيمات والأحزاب والإيديولوجيات أيا كانت، وعليه فإنني أختلف تماما مع بعض الدعاوى التي تبغي السقوط للحركات المتأسلمة، لأنه قد يعني سقوط الوطن في هذه المرحلة الحرجة.


المحور الأول: كيف صعد الإسلامويون إلى الحكم؟
لقد اضطلعت عوامل عديدة في تيسير وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم في دول الربيع العربي، ويمكن إجمال تلك العوامل فيما يلي:
1. استطاعت التنظيمات المتأسلمة كسب جزء لا بأس من حراك الشارع، وذلك للجوئها إلى إدعاء الحرص على الدين والعمل على تطبيق شرع الله، وأن مَن يختلف معها يختلف مع الدين! عليه فإنها استطاعت التلاعب بالشعور الديني الفطري لدى المواطن العربي، وخلقت حالة مصطنعة من الاستقطاب، مما حرّك الشعور الشعبي باتجاه اتخاذ تلك الحركات بوصلة لتقويم الشعور الديني، وعنوانا لصحة النيات.
2. لقد أدت المصالحة بين ما يسميه الغرب "الحركات الإسلاموية المعتدلة"، وعلى رأسها الإخوان المسلمين إلى تغيير في السياسة الخارجية الأمريكية المتصلة بالمنطقة العربية، ويمكن إرجاع بدأ تلك السياسة إلى سنة 2005، ونذكر هنا مقولة لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كندوليزا رايس قبيل تكليفها بحقيبة الخارجية الأمريكية في ذات السنة، حيث مثلت أمام لجنة الاستماع في الكونجرس الأمريكي، الذين سألوها عما ستفعله إذا استلمت حقيبة الخارجية، فقالت:” إن لدينا قائمة من الحلفاء في الشرق الأوسط انتهت صلاحيتهم، واستهلكوا تماماً، ويجب التخلص منهم، واستبدالهم بحلفاء جدد للولايات المتحدة).
توالت الاجتماعات السرّية والمعلنة عقب تلك الفترة بين حفنة من كبار المسئولين الأمريكيين وجماعات إسلامية، تشمل الإخوان المسلمين في مصر، والنهضة في تونس، وغيرهما.
3. فشل الأنظمة القومية واليسارية، بل وحتى التقليدية في تحقيق الأجندات الوطنية المتمثلة في تفعيل دور الديمقراطية، وتجذير دولة المؤسسات، والمحافظة على الحريات الأساسية للمواطن، وتحقيق الرفاهية الاجتماعية، والارتقاء بالخدمات الأساسية من تعليم وصحة وغيرهما.
4. ما زالت أصداء نجاح الثورة الإيرانية تشع على المنطقة العربية، وذلك أن رغم الكثير من الشعارات الزائفة التي طرحتها قد تبين للمواطن العربي ختلها في فترة لاحقة.
كما نذكر أن نجاح تجربة أربكان وبعده أردوغان في الوصول إلى سدة الحكم، والتأسيس لسياسة تتسم بكثير من البراغماتية والحصافة، قد جعل الكثير من العرب ينظرون إليها باعتبارها تجربة تثبت بالدليل القاطع إمكانية إنشاء حكم إسلامي مستنير يحقق تطلعات الجماهير، ويربط بشكل واع بين الأصالة والمعاصرة.
5. تقديم بديل يستجيب لتطلعات الجماهير الفطرية، فالمواطن العربي، مسلما كان أم مسيحيا، متدين بطبعه، ولذا فإن الشعارات البراقة التي تطلقها التنظيمات الإسلاموية قد أفلحت في صياغة تفكير قطاعات معتبرة من الجماهير.
6. لقد أدى التحالف بين بعض الأنظمة الخليجية والتنظيمات الإسلاموية إلى توفير أرضية سياسية ومعنوية، ومادية أيضا، مما أدى إلى تقوية شوكة التنظيمات الإسلاموية، ونجاحها في تحقيق انتصارات سياسية، ونجاحات انتخابية.
7. استطاعت بعض التنظيمات الإسلاموية الكبرى مثال الإخوان المسلمين في مصر الاستفادة من فترة الغنى الفاحش التي شهدتها منطقة الخليج العربي في مطلع السبعينيات من القرن المنصرم، فأنشأت الشركات والمؤسسات في عدة دول وبأسماء أفراد، وتراكمت تلك الثروات خلال العقود الماضية، وقد قدّرت بعض الجهات المالية ثروة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين بما يتجاوز أربعين مليار دولار.
8. نتيجة لتراكم الخبرات التنظيمية والإمكانيات الدعائية والإعلامية الهائلة، ونذكر هنا وجود العديد من الوسائل الإعلامية المختلفة من صحف وقنوات هاتفية تتبع لتنظيمات إسلامية، وتعمل بالتالي على الترويج والاستقطاب واكتساب الجماهير المتعاطفة.
9. عمل أعضاء الجماعات الإسلاموية ونشاطهم في كافة مناحي الحياة: النقابات، والجمعيات الخيرية، والمساجد، ودور الأيتام والعجزة.. إلخ.
10. المؤهلات التعليمية العليا لكثير من أعضاء الجماعات الإسلاموية، مما وفرّ الأرضية اللازمة لمخاطبة الجماهير وإقناعها بالإيديولوجيات التي تطرحها الجماعات الإسلاموية.
11. سطوة التنظيم، ووجود نظام البيعة، وما يؤدي إليه من طاعة عمياء للأوامر التنظيمية.
12. المظلمة التاريخية، حيث حرصت بعض الجماعات الإسلاموية، وعلى رأسها الإخوان المسلمين في مصر على استدرار عطف الجماهير بالتذكير المتواصل بالمظلمة التاريخية، وما تعرض أعضاؤها له من تعذيب وإذلال عبر ثمانية عقود تقريبا، وبذلك تلاعبت على وتر عاطفي حساس لدى الجماهير، والتي تقف بشكل فطري إلى جانب الطرف الذي ترى أن تعرض لمظلومية.


المحور الثاني: ديناميكية العلاقة بين الإسلاميين والجماهير، ولماذا اتسمت بالتوتر في عهد حكمهم
كان ملحوظا أن الحركات الإسلاموية التي وصلت إلى الحكم في دول الربيع العربي قد تخلت عن الكثير من مواقفها المعلنة رسميا خلال فترات سابقة، فنرى على سبيل المثال حركة النهضة التونسية تتراجع عن موقفها الصلب ضد الكيان الصهيوني، وحركة الإخوان المسلمين المصرية تتودد بشكل مبتذل للكيان الصهيوني، وتشدد الخناق على قطاع غزة بشكل فاق ما فعله نظام الطاغية المخلوع حسني مبارك، والأمثلة على ذلك متعددة.
كما أن الغزل الفاضح المتبادل بين الحركات الإسلاموية والغرب، وبصفة خاصة أمريكا، خلال سنوات سابقة، والذي كان سرّيا في ذلك الوقت، ثم انكشف النقاب عنه مؤخرا، قد أدى إلى صدمة لدى الكثيرين ممن كانوا ينظرون لتلك الحركات الإسلاموية باعتبارها مُخلّصة.
جنت حركة الإخوان المسلمين عداء الكثيرين من الوطنيين المستقلين إثر مواقفها المعلنة من قضية حقوق المواطنة، وتغليب الأمة على الوطن، ونجد الأستاذ/ ثروت الخرباوي يتحدث عن هذه القضية في محاضرة بأبي ظبي عُقدت في 24 فبراير 2013 قائلا: " الجماعة بالقطع تأتي قبل الوطن، ومن تجد عداء الإخوان للشعوبية، أي الوطنية".
وعندما سُئل الخرباوي في ذات المحاضرة عن التنظيم العالمي، قال "فيما يختص بالتنظيم العالمي فهو ما زال موجوداً، ورئاسته بنيويورك، غير أن المنطقة العربية تقع كذلك تحت إمرة المرشد المصري الموجود بالقاهرة (حالياً محمد بديع)، وكل تنظيمات الإخوان بالدول العربية تدين له بالولاء وتبايعه على المكره والمنشط، بيعة مباشرة أو بالوكالة، مما يخلق تناقضاً بين ولاء كل منهم لوطنه من جانب وللجماعة من الجانب الآخر".
كما كشف الخرباوي عن واقعة حدثت في الفترة الماضية عندما جاء وزير المالية، وعرض على مرسي مشروع فرض ضرائب على الخمور ورفض مرسي، وقال للوزير: كيف تفرضون مشروعاً كهذا على الخمور التي حرمها الله تعالى، ورد عليه الوزير بأن المشروع سينعش الخزانة العامة للدولة، فما كان من مرسي إلا أن قال له "على بركة الله"، ووقّع على القانون!

عملت قضية عدم إيمان الحركات الإسلاموية بالديمقراطية، واتخاذها العملية الانتخابية والسياسية وسيلة وذريعة فقط بغية تحقيق الهيمنة، وما ترتّب على ذلك من ممارسات أثرا بالغا في تنفير الكثيرين من تلك الحركات.
رأينا أمثلة صارخة على ذلك في محاولاتهم لاستخلاص أكبر قدر ممكن من الهيمنة الممكنة، وتجربة مدى صبر الشعب على افتئاتهم المتكرر على التجربة الديمقراطية، وليس ببعيد عنّا محاولات الرئيس المصري محمد مرسي المتعددة للي عنق القانون لتحقيق أهداف تنظيمية، وتراجعاته المتكررة عندما واجهته معارضة قانونية وسياسية وشعبية ضخمة.

لقد فشلت الحركات الإسلاموية في إقناع الجماهير بوجود فصل واضح بين المناصب التنفيذية والقيادة التنظيمية، ونرى أن الشيخ الغنوشي بحسب الكثيرين من أبناء الشعب التونسي هو المُحرّك الحقيقي للأحداث، وكذلك الحال في مصر حيث تغيب الفواصل بين موقع الرئيس محمد مرسي وموقع المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين محمد بديع في اللعبة السياسية. أما في مرحلة سابقة، وفي تجربة تُعدّ رائدة لحكم الحركات الإسلاموية في الوطن العربي، نجد أن الرئيس السوداني عمر البشير، وباعترافه المباشر، قد كان يخضع في بدء حكمه بالكامل لقرارات، بل إملاءات، الشيخ حسن التُرابي الزعيم التنظيمي والروحي لما كان يُسمى في حينه بالجبهة الإسلاموية القومية في السودان.
من القضايا التي أثارت حنق الجماهير على الحركات الإسلاموية مسألة غياب الرؤية الاستراتجية، والاكتفاء بترديد شعارات متكررة. توقع الجمهور حلولا عملية ومستدامة للمشاكل الملحة من تلك الجماعات التي ينضوي تحت لوائها العديد من الكفاءات العلمية والمهنية وفي شتى المجالات ، فوجدها لم تقدم أي دراسات أو بحوث متعمقة تعالج القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تؤرق المواطن.
لقد كشف بعض المنشقون من الزعامات السابقة للإخوان المسلمين، مثال الأستاذ ثروت الخرباوي عن طقوس مريبة تلجأ إليها حركة الإخوان المسلمين في البيعة، وتعالت الأصوات هنا وهناك بتشبيهها بالطقوس الماسونية، وقد أثّر ذلك كثيرا على شعبية الحركة واحتضان الجماهير لها.
اضطلع التخبط وتعاطي السياسة بطريقة رزق اليوم باليوم بدور مهم في جعل الكثيرين من المؤيدين والمحايدين أيضا من الجماهير يغيّرون نظرتهم للحركات الإسلاموية، بل انتقل الكثيرون منهم إلى خانة العداء المستحكم إزائها.
كان لما أسمته بعض الدول مثال الإمارات والسعودية مؤخرا من محاولات تخريبية أو إنقلابية أثر بالغ في إثارة حالة من العداء الشديد، وتبع ذلك حملات إعلامية ضخمة ضد تنظيم الإخوان المسلمين، شاركت فيها الأجهزة الإعلامية في تلك الدول بعنفوان ضخم.
"إن هناك أكثر من 600 بلاغ قُدموا للنائب العام ضد صحفيين وإعلاميين، ولو تعامل النائب العام مع هذه البلاغات بسياسة الإخوان المعهودة فسيتم حبس ال600 صحفي". هذا ما قاله جمال فهمي وكيل نقابة الصحفيين؛ وهو مؤشر خطير في انخفاض سقف الحريات الصحفية بشكل غير مسبوق في تاريخ الإعلام المصري. وعلينا أن نعرف نظرة الإخوان المسلمين للإعلام المعارض لهم؛ فقد وصف المرشد العام لجماعة الإخوان الدكتور محمد بديع الإعلاميين بأنهم (سحرة فرعون).
انتهت عملية ترتيب البيت الإخواني بانتخاب محمد بديع مرشداً ثامناً للجماعة الإخوانية في يناير 2010 وهو أيضاً ينتمي إلى التيار القطبي التنظيمي (نسبة إلى المفكر سيد قطب)، وهذا يخلق مخاوف متعددة، فعلو كعب التيار القطبي في قيادة الإخوان المسلمين سيؤدي إلى اختفاء المنهج المتسامح نسبيا الذي اتسم به التيار الآخر، وهو التيار الذي يُنسب إلى أفكار الإمام المؤسس، الشيخ حسن البنا. ينحو البعض في هذا الصدد إلى اتخاذ موقف يرى بأن تسنم التيار القُطبي القيادة داخل حركة الإخوان المسلمين سيؤدي إلى نخر داخلي لأركانها، وخاصة في ظل الصراع المحتدم مع التيار المنسوب للإمام حسن البنا، والذي ترجع بداياته إلى عقود خلت.
أما ما تواتر عن لجوء بعض التنظيمات الإسلاموية الحاكمة إلى خلق الميليشيات لترويع المواطنين، وما استحضرته الجماهير من تجربة إنقلاب الإنقاذ المشؤوم في السودان من إنشاء المعتقلات (تُسمى محليا ببيوت الأشباح)، فقد جعل الكثيرين يتخوفون على مستقبل الديمقراطية، ويطرحون أسئلة مشروعة ما إذا كان البناء المدني والقانوني للدولة قد يتعرض إلى هزات قوية بسبب هذه المخالفات لروح ونصوص القوانين.
خلاصة، يمكن إجمالا القول إن الحركات الإسلاموية قد قلبت لشعاراتها ظهر المجن فور وصولها إلى الحكم في دول الربيع العربي، ولذا فإن المد الشعبي الكبير الذي كان يدعمها قد بدأ يتضاءل بشكل ملحوظ، ويرى الكثيرون بأن حظوظ تلك الحركات في الدورات الانتخابية القادمة ستكون أضعف بكثير نتيجة الإخفاقات العديدة التي وقعت فيها.


المحور الثالث: آفاق تحقيق الحكم الرشيد
إن سعي الحركات الإسلاموية في تونس ومصر وليبيا إلى استنساخ تجربة أردوغان التركية يصطدم باختلاف الظروف والأوضاع وغيرها من العوامل ذات الصلة، ولكن يبقى التساؤل مشروعا ما إذا كانت تلك الحركات ستستطيع ذلك؟ أرى أن التماهي مع تجربة أردوغان لن يفيد الحركات الإسلاموية، بل أنها عليها الاجتهاد للإتيان بحلول محلية تعالج المعطيات المحلية، وبأفكار نيّرة، علاوة على معالجة الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها حتى الآن، وأقولُ تحريّا للإنصاف، إن بعض تلك الأخطاء يرجع إلى قلة التجربة في إدارة شؤون الحكم.
لا شك أن ما ذكرناه سابقا من عوامل تتصل بأساليب إدارة الحركات الإسلاموية لشؤون الحكم يتطلب معالجات سريعة، وهنا أختلف مع الرأي السائد والذي يقول بترك الحركات الإسلاموية ترتكب ما يعنُّ لها من أخطاء لكي يعرفها الناس على حقيقتها، وبالتالي تختفي إلى الأبد من ساحة المنافسة في اللعبة السياسية.
أرى أن هذا الرأي خاطئ، وأناني، ولا يأخذ بعين الاعتبار أن مصلحة الدول التي وصلت فيها الحركات الإسلاموية إلى الحكم أعلى من التنظيمات والأحزاب، والمماحكات بينها، وأرى أيضا أن دور المثقفين الحريصين على مصلحة الأوطان يتمثل في تقديم النصح الصادق والمخلص أيا كانت الجهات الحاكمة.

عليه، أرى أن القضايا التالية تتطلب معالجات متعمقة من قبل الحركات الإسلاموية التي وصلت إلى سدة الحكم في دول الربيع العربي:
1. ضرورة صياغة علاقة واضحة بين الدولة والمجتمع.
2. النظر في كيفية تحقيق الفصل التام بين السلطة التنفيذية عن الزعامة التنظيمية والروحية لقيادة التنظيم.
3. تصحيح الأخطاء التي ارتكبتها الحركات الإسلاموية منذ وصولها إلى سدة الحكم، واتخاذ أسلوب المكاشفة والشفافية والمصارحة مع الجماهير، بعيدا عن الاكتفاء بكنس الأخطاء تحت السجادة.
4. تقديم أطروحات فكرية واضحة المعالم وتتسم بالمنهجية والثبات عن منظور الحركات الإسلاموية لقضايا مثل: الديمقراطية، العلاقة بين الأمة والوطن، حقوق المواطنة، التعددية الحزبية، الانتخابات وتأسيس ممارستها، حقوق الإنسان ومن ضمنها المرأة..إلخ، إذ فقدت الجماهير الثقة في الأطروحات الحالية عندما بدا للعيان تخلّي الحركات عنها فور وصولها إلى الحكم، بل اتخاذ مواقف مخالفة بالكامل عندما أضحت المصالح الآنية الخاصة للحركات الإسلاموية تتطلب تحركات من هذا القبيل.
5. الابتعاد عن إنشاء الميليشيات التي تحاول قهر الشعب وترهيب أصحاب الآراء المخالفة.
6. التوقف عن استخدام الشعارات الدينية ذات المعاني الخطيرة في وصف المخالفين، مثال: التكفير والمروق من الدين والضلال، وغيرها من الأساليب الديماغوغية التي تهدف إلى قهر الآخر وتأثيمه من منطلق عقدي لا يليق بممارسة اللعبة السياسية في أوضاع ديمقراطية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.