كثيرا ما ينطق القاضي بالحكم على جاني بالسجن لمدة مائة عام وهي مدة في الغالب لايكملها لا القاضي ولا المحكوم عليه وهم على قيد الحياة .. لكنه سهم إصلاحي يرمي به القاضي في بورصة الزمان وصندوق تأمين الحياة ليستمتع بريعه الناس في المستقبل فليس كل الاشياء التي نفعلها بإمكاننا أن نجني بايدينا ثمارها او نتذوق طعمها بالضرورة .. وهذه كانت مشكلتنا مع دعاة الانفصال في السودان قبل ان يقع الفأس في الرأس كنا نقول لهم لستم مبعوثين من لدن السماء لجرد تاريخ السودان وإصدار النتيجة النهائية في اقرب وقت ممكن.. وقد سألت مرة الطيب مصطفى في ندوة بجامعة النيلين كنت من المعقبين فيها على حديثه .. كم ستعيش (يازول) ولماذا تريد ان يتم تقرير نتائج التاريخ أثناء حياتك اليست تلك أنانية ..! كنت أعني سؤاله من الذي كلفك بمهمة تصحيح أوراق إمتحانات هوية هذا البلد ومن قال لك ان تلك التي تجري هي الإمتحانات النهائية ..؟! في تقديري لا أحد منا يمتلك القدرة أو التفويض المنطقي لإصدار حكم في عملية لاتزال في صيرورتها تتفاعل مع الزمن فتتيبس مرة وتلين مرة اخرى .. تغلي وتهدأ ..حسب إسهامات الجميع خيرها وشرها يتراكم ويحتاج لوقت طويل جدا .. كم أتمنى ان تحكموا على الهوية السودانية بالأعمال الشاقة لمدة مائة عام وتتركوها سجينة في حالها .. لكنكم تريدون أن تحكموا عليها بالإعدام شنقا حتى الموت ..ياحاكمين ويامعارضين مسلحين او مسرحين مغبونين او مدفونين ويامن شجعوا منابر الانفصال حين اخذتهم العزة بالغبينة ..تمهلوا ..قليل من الوعي والتريث يعني كثير من الصواب.. تعال يا أي أحد كائنا من كان وقل ماتشاء فلا انا ولا انت نصلح في لجنة التصحيح لاننا متاثرين بثقافاتنا الموروثة ونمثل جزءا من الواقع المازوم نفسه ولكن لايجب ان نزعم إمتلاك الحقيقة ولايتهيأ لأحدنا إطلاقا ان تصوراته المحددة لمستقبل هذا البلد وهويته ومستقبله هي التصورات النهائية والصحيحة بالقسم المغلظ والزبد المكدس.. مشكلة بلادنا الان في تقديري هي الإحساس العام عند النخب الحاكمة والمعارضة معا بأن هذا البلد خلقه الله مع ميلادهم ويجب ان تتزامن مراحل عمره مع أعمارهم القصيرة كادميين لايعيش أحدهم الان حتى على النادر 150 عاما.. يريدون أن ينشئوا الوطن و(يتاتوهو) ثم يلحقونه بالمراحل التعليمية حسب تصوراتهم ويزوجونه حسب مزاجهم ويحررون شهادة وفاته قبل مماتهم .. يريدون ان يعاصروا عمر الوطن من الميلاد وحتى الموت .. هذه أكبر مشكلة في النخب الحاكمة والناغمة والمحكومة على حد سواء .. لذلك يظل الوطن متأزما وتعيش بلادنا حالة تاكل بمد الالف ومد اللسان ومد ماعون اليأس والاحباط وتسول الإستقرار.. ولاتكاد بلادنا تتمهل ساعة من الهرولة الموتورة .. وفي تقديري ان احكام التغيير النهائية وثقافة تحديد الهوية والمصير وانتظار نهايات كل الاشياء في وقت وجيز ..ثقافة انتظار النتائج النهائية لكل شئ وبالطريقة المحددة والظن الجازم بامتلاك الحقيقة كانت قد دخلت على بلادنا متزامنة مع مجئ الانقاذ التي ربما بدأت عهدها بصافرات مزعجة وطبول وضجيج في كل مكان في البلد المتمهل الذي كان أهله يقدسون الامثال والحكم التي تلعن العجلة وترفض الوصاية السياسية ..