معتصم بابكر/بيرمنغهام من المعلوم لدينا كسودانيين انه عندما يطل علينا الثنائي الراحل ميرغني المامون واحمد حسن جمعة في التلفزيون السوداني باغنيتهما الشهيرة وصية الاجداد ((جدودنا زمان وصونا على الوطن على التراب الغالى )) فنعلم عندئذ أن التمرد قد أنتصر في مكان ما وأن النظام في عنق زجاجة و يحتاج الى فزع, هكذا عودتنا حكومة الأنقاذ منذ أن جاءت الى السلطة, وما نشهده هذه الأيام من حملات تعبوية وأناشيد وطنية ليذكرونا بالوطن وهم لا يعروف الوطن الا عند المحن ذلك يشير الى أن الأمر قد وصل بهم الى حد - زنقة القذافي - ففي الصحافة حُجبت كل الأقلام الحُرة وباتت الموضوعات ذات الطابع التعبوي تتصدر عناوين الصحف كما توقف التلفاز عن بث أي خبر أو برامج لا يمت للتعبية بصلة ولكن من الملاحظ أن الرئيس لم يخاطب جماهير شعبه على الهواء الطلق كما عودنا في الأحداث السابقة وذلك خوفآ من أن لاينكشف المستور حجم جماهيره المؤيدة والمطبلة ووزنهم الشعبي الذي أصبح في محك وهو يتناقص يومآ بعد يوم وبصورة ملحوظة حيث بدأت كفة الاصوات المنادية للتغير ترجح كفة المؤيدة للحكومة ولعل السيد الرئيس قد قطع وعدآ قبل أكثر من عام ولم يفي به حتى اليوم عندما خرج ليخاطب جماهيره على الهواء الطلق وعدهم بأنه سيصلي الجمعة القادمة في كاودا ولم يتمكن حتى اليوم فضلآ عن الهزائم التي توالت ذلك ما سبب له حرجآ والآن لا يريد أن يثقل نفسه بمزيد من الوعود والاعباء الصعبة, فأحداث مدينة أم روابا الأخير قد القت بظلالها كثيرآ من الأسئلة لذا دعونا نجرى مقارنات لبعض الأحداث التي جرت في غضون الاسابيع الماضية لأن هنالك أسئلة قد ترواد كل مهتم بأمر القضايا السودانية. - لماذا كل هذا الضجيج حول هجوم الجبهة الثورية لمدينة أم روابا؟ هل هي أول غارة تقوم بها الجبهة الثورية داخل الأراضي السودانية؟ هل سمعتم أن مسؤل ما قد صرح بأن لجنوب السودان ضلع في هذه الغارة علمآ بأن جنوب السودان كان العدو اللدود للانقاذ فكثيرآ ما كانت تستعملها الحكومة كشماعة للكسب الأعلامي حتى تحقق أكبر دعم سياسي حول القضايا الخلافية التي كانت بينهما ؟ هل كانت الخسائر البشرية والمادية كبيرة مقارنة بسابقاتها من المناطق التي استولت عليها الحركات المسلحة في دار فور وجنوب كرفان وجنوب النيل الأزرق؟ هل أم روابا منطقة استراتيجية عسكرية؟ بالأجابة على كل هذه الاسئلة يمكننا معرفة بعض الحقائق. - في قضون الأسابيع الماضية قامت حركة التحرير بإجتياح شاسع أستولت إثرها على عدة مناطق بجنوبنيالا منها منطقة مهاجرية ولبدو وغيرها من المناطق بل وذهبت أبعد من ذلك عندما قصفت مطار مدينة نيالا في نفس اليوم الذي توعد فيه الوالي المكلف اللواء معاش د/ جار النبي بحسم التمرد في ولايته وسائر ولايات دار فور , وقبلها أيضآ قامت حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد بتحرير عدة مناطق بولاية وسط دار فور في جبل مرة وشطاية وغيرها من المناطق قد لا يسعنا المجال لذكر كل تلك المناطق كما وأن الحركة الشعبية بجنوب كردفان والتي باتت تحاصر مدينة كادقلي مند أكثر من شهر وتحرير الجبهة الثورية لمناطق واسعة في الولاية ضمنها أبوكرشولا بالتزامن مع الهجوم على أم روابا. - صرح قطبي المهدي بأن هنالك دول تدعم الجبهة الثورية منها أوغندا ولكنه لم يذكر جنوب السودان مما يظهر براءة الجنوب هنا كبراءة الذئب من دم يعقوب أما الحديث عن دعم اسرائيل فهو حديث قديم متجدد لأنهم اتهموا اسرائيل حتى عندما جاء الجراد الى السودان دون أن يفطنوا أن الجراد قد زار اسرائيل بعد عودته من السودان عبر مصر وايضآ اتهموا دولة اسرائيل بانها هي التي سلطت الزلزال الذي ضرب مناطق واسعة من ايران الشهر الماضي مستغفليين عقلول الشعب السودان لان اذا كانت لاسرائيل كل هذه القوة لما صدعت نفسها بقضية فلسطيين طيلة هذه السنوات. - الخسائر المادية والبشرية في الهجوم على ام روابا مقارنة بالخسائر في منطقة مهاجرية ولبدوا التي استولت عليها حركة تحرير السودان جناح مني لا تقارن بتلك التي وقعت بأم روابا مع التاكيد بأن أي روح يسحق هو غالي وعزيز وأن الموت هو موت سواء أن كان في دار فور أو أم روابا لكن من حيث العدد هنالك المئات قتلوا اثناء الاشتباكات ومن جراء القذف العشوائي لطائرات الانتانوف ولم يعلم بها الشعب السوداني لأن الحكومة غضت النظر عن ذلك حتى في الهجوم الذي تزامن مع الهجوم على أم روابا في أبوكرشولا وغيرها من المناطق التي تم تحريرها هناك عدد القتلى والجرحى يفوق بكثير عدد القتلى في أم روابا التي قتل فيها عدد 8 افراد منهم 5 أفراد شرطة وثلاثة مواطنيين أما حالات النزوح الى مدينة الرهد والذي ركز عليها اعلام النظام كمادة اعلامية طازجة لتضخيم الحدث نجد أن عددهم 27 ألف حسب ما جاء في اعلام النظام بالمقابل نجد أن عدد النازحيين والاجئيين في دا ر فور لوحده تفوق ال2 مليون ونصف وهم في حالة نزوح ولجؤ دائمين على مدى العشرة اعوام وفوق العشرة الاف في جنوب كردفان ناهيك عن النيل الأزرق ومن الملاحظ أيضآ أن النظام لم يقذف أم روابا بالانتانوف كما تفعل دائمآ في دار فور وجنوب كردفان والنيل الأزرق حتى بعد خروج الحركات منها حيث كانت تواصل قذفها بلانتانوف لاجبار ما تبقوا من المواطنين الى النزوح في سياسة الارض المحروق. لم أقصد بهذه المقارنة بأن يصل بالضرورة حجم المعاناه في أم روابا بقريناتها في دار فور وجنوب كردفان وانما قصدت به التعرف الى سر هيجان الحكومة إثر الهجوم على أم روابا , فمن الملاحظ هنا أن الحكومة تتعامل مع الأحداث في السودان بسياسة الكيل بمكياليين وفق مصالحها الاستراتيجية الرامية الى الفصل العنصري وعندما أقول الحكومة هنا اعني بها الأنقاذ وازياله من الأحزاب السياسية والجماعات المشاركة معها في السلطة, ففي كل حدث يتضح لنا جليآ حدود ما يسمى بمناطق الهامش وأن ما يعنيه النظام بالهامش ليس كما يعنيه الثوار الذين حملوا السلاح من أجل رفع الظلم عن كاهل مناطق الهامش وتقصد به كل المناطق الطرفية وهو مصطلح سياسي سوداني وأن نقيد الهامش هو المركز فالنظام بغبائه وربما التمس له العزر في غبائه هذا لأنه كشف الستار عن مخططاته الذي أراد بها أن يبقى الحرب في دار فور وكردفان حيث وضع لكل منهما حدود وبات يستخدم المنطقة الجغرافية التي تفضل بين حدود النظام الأستراتيجية وحدود التمرد كدروع بشرية, لذلك جعلت من شمال كردفان دروع بشرية لتكون منطقة عازلة بينها والتمرد في دار فور وجنوب كردفان للحفاظ على مثلث حمدي آمنآ وأن أخصى تقدم لتتمرد يجب أن لا يتجاوز الابيض لذا كانت القاعد العسكرية والمطار الحربي الذي ينطلق منه هجماته الجوية في الأبيض وأيضآ هي القاعدة التي يستند اليها النظام للحد من التقدم اتجاه كوستي , وأن وصول الجبهة الثورية حتى مدينة أم روابا هو تجاوز للخط الأحمر وهذا يعني أن الخطر قد اقترب ولعل حديث الوالى معتصم ذاكي الدين والي ولاية شمال كردفان خير دليل على ذلك عندما قال بأن كانت لديهم معلومات تفيد بأن الجبهة الثورية ستهاجم الأبيض لكنهم حرصوا على تأمين مدينة الرهد. كثيرآ ما يقوله النظام بأن هناك مخطط لتقسيم السودان وهنا قد ينطبق اليهم المثل السوداني الشهير (( الفي بطنو هرقص براه برقص)) هذا ما يجوش بدواخلهم لأن كل الدلائل تشير الى أن هنالك مخطط من قبل النظام وليس الغرب كما يدعيه النظام الذي كثيرآ ما يجعل من الغرب شماعة ليبرر به فشله ووتارة تنفيذ أجندته كما حدث في انفصال الجنوب الذي صوت بشبه اجماع على الانفصال وباعتراف من النظام دون اي تأثير اجنبىي وهذا يعني ان الجنوبيين لم يجدوا ما يجعلهم يختاروا الوحدة لذا فضلوا الأنفصال وقد كان للنظام القدح المعلى في دفع الجنوبيين للانفصال وذلك بعدم تنفيذ بنود الاتفاقية كما ينبغي وجعل الوحدة طارضة بدلآ من أن تكون جاذبة هذه كانت الخطوة الاولى من تنفيذ مخطط النظام الرامي الى تقسيم السودان والآن قد تفرغ تمامآ لتنفيذ الخطوة الثانية بفصل اجزاء أخرى ولا يخفى لكل مراقب عندما يتحدث النظام عن تفاوض مع أي حركة أنه يتمسك بأن تفاوض تلك الحركة في اطار محيطها الجغرافي فهي الآن لا تمانع أن تفاوض الحركة الشعبية في المحيط الجغرافي حتى أم روابا ولكن قد ترفض بعد الشي كخطوة تاكتيكية الا أنها ستقبل في النهاية شريطة أن تكون من أم روابا وغرب دون الوصول الى كوستي لأنها حدود الفصل العنصري لديهم والمسماه بمثلث حمدي والذي اعترف به نائب أول رئيس الجمهورية الأستاذ/ علي عثمان محمد طه في لقائه مع الدكتور/علي الحاج بألمانيا رغم انكارالأول بأنهم لم يعملوا بذلك المخطط الذي رسمه لهم عبد الرحيم حمدي وزير المالية السابق. [email protected]