هاشم كرار الأم هى الأم، سواء كانت من الغرب أو من الشرق، من الشمال الغني أو من الجنوب الفقير.. حليبها هو الحليب، والعاطفة هى العاطفة، وقلبها دائما على جناها، وإن كان قلب جناها- أحيانا- من.. من حجر! حيث كانت الأم- أي أم- كانت الرحمة، وكانت الدعوات التي تنقرُ بلطف على أبواب السموات السبع، وتتنزل استجابة.. لتجعل ماهو فسيح في الأرض، من الرزق، والطمأنينة، والإرتياح، فسيح وفسيح! فقدتُ أمي. الموت كان قد قال فيها كلمته التي تُغيّب- عادة- الأجساد، في البرزخ، لكن الموت، ما استطاع برغم جبروته- أن يُغيّب عني روحها.. إنها لا تزال ترفرف، تظللني مثل غيمة، حيثما مشيت، يجئيني صوتها، متى ماتعثرتُ: " اسم الله عليك يا إبني"! فقدتُ امي.. لا جفت دموع الروح، لا تلاشت غصة، لا تزال تطعن في القلب، ولا.. ولاغابت رعشة بكاء، ولا.. ولا انقطعت مني- في كل عيد للأم- الاماني، ولا الحسرة: آه، لو كانت، في هذا العيد، لكنت قد أهديتها كذا، هذه المرة، وأنا أقبّلُ مثلما في كل مرة، جبينها، وأخفض لها جناح الذل من الإمتنان! العيد.. عيد الأم، مناسبة لأجمل قبلة، في أطيب جبين.. أطيب تاج للرأس. مناسبة، لأن نقول لمن تستحق كل الحب، يا.. ياحبيبة. مناسبة لأن نعبّر عن حبنا لها بهدية.. هدية- مهما كانت قيمتها المادية- فإن قيمتها المعنوية لا تضاهيها الأم- أي أم- بثمن.. لا تضاهيها بالدنيا ومافيها! آه، ما أكثر الهدايا، التي كنتُ سأقدمها، عيدا من وراء عيد، لو.. لو... لولا الموت، وما.. ما أبأس هذا الفم، الذي لم يعد ينادي يا أمي، وما أشقى هاتين الشفتين اللتين تتحرقان- الآن الآن- لرسم قبلة على الجبين الطيب الصالح، وجناح الذل من الإمتنان، خفيض! ما الذي ذكرني بالأمهات، وأنا الذي مانسيتُ أمي، ولن؟ ما الذي ذكرني، غير هذا العيد، الذي عاشته امريكا، من أوباما إلى آخر امريكي، في الدنيا الجديدة، لا يلتفت إليه أحد.. العيد الذي أنفق فيه الأمريكيون- برغم التقشف- أكثر من 7/20 مليار دولار، لشراء هدايا لأمهاتهم، في عيد الأم، في نسخته التاسعة والتسعين؟ الخبر، أقرحني، ذلك لأنه كشف ان عواطف الامريكيين إزاء امهاتهم، هى عواطف أصيلة، وحارة.. وعواطف شريفة، وأنهم- بعكس غيرهم من الغربيين الذين يشاع عنهم كثيرا أنهم من ذوي العواطف الباردة- يعبرون عن عواطفهم تجاه أمهاتهم، تماما، مثلما نعبرُ نحن الشرقيين، بل بصورة أكثر حميمية، في كل عيد للأم! " للأمهات، مكانة خاصة، في قلوبنا.." هذا ماقاله أوباما، في عيد الأم الأمريكية- الأحد الماضي- وروح أمه- أتخيلها- مثلها مثل روح أي أم أخرى، ترفرف، تظلله كغيمة، وفي روحه لا تزال الدموع تترقرق، على فراقها.. وفي قلبه رعشة من بكاء! أوباما، ابتسم يقول لأبنتيه، وهما معا- واحدة بعد الأخرى- تطبعان قبلتين على جبين ميشيل: "ماليا وناتاشا لكم أنتما محظوظتان"! التقطت البنتان الفكرة، فراحتا معا تقبلان رأس الام ميشيل، من أول جديد.. وفي تلك اللحظة، كانت عينا أوباما، تترقرقان بالدموع. آآآه يا أوباما، حين يتذكرُ الواحد منا أمه، في يوم عيدها، وهى في الجانب الآخر.. الجانب من الآخرة، الذي يلي الدنيا! آه حين يتعثر صوته- إذ هو يتذكرها- بعبرة.. بغصة، ويجيئه صوتها" اسم الله عليك، يا ابني"!