بقلم د. امين شرف الدين بانقا في شهر مارس المنصرم ابدت وزارة الصحة الاتحادية قلقها من هجرة الاطباء الى خارج السودان فقد جاء على لسان وزيرها ان ثلاثة آلاف من الأطباء يهاجرون سنوياً. وقد زاد عدد المهاجرين من الأطباء خلال الفترة الأخيرة حتى وصل الى خمسة الاف طبيب غادر معظمهم الى دول الخليج العربي. و لا يستغرب صناع القرار في السودان هذه الهجرة خاصة في الآونة الاخيرة . فان اوضاع الاطباء السودانيين وخاصة صغار الاطباء والنواب و الاختصاصيين الجدد تعتبر اوضاعا سيئة للغاية . فبالنسبة لصغار الاطباء من قبيل اطباء الامتياز . فان معظمهم لا تتوفر لهم فرص التدريب الجيدة اثناء فترة الامتياز و ذلك لكثرة عددهم في الوحدة الواحدة او قيام ادرات التدريب بتوزيعهم الى مستشفيات لا تتوفر فيها صفات المستشفيات التعليمية فاصبحت ادارت التدريب بدلا من ان تخلق موازنة بين عملية تقديم الخدمة و تدريب الاطباء نجد انها قامت باعلاء عملية تقديم الخدمة دون التركيز على مستوى عملية التدريب الخاصة باطباء الامتياز مما خلق ضعفا في عملية التدريب اصبح واقعا مشاهدا اليوم . لن يتحسن هذا الوضع الا اذا تدخلت الدولة وقامت بانشاء مراكز تدريب عالية المستوى ووتوسيع مراكز التدريب الحالية وهذا يعني انشاء عددا اكبر من المستشفيات التعليمية المؤهلة بالمعينات و الكوادر الطبية القادرة على التدريب . و الناظر اليوم الى وضع البلاد يجد ان الدولة لاتضع هذه القضية في مقدمة اولوياتها مما سينعكس ذلك بطريقة مباشرة على صحة المرضى . نفس الازمة التي يعانيها اطباء الامتياز يعاني منها النواب في المستشفيات . و لكن المشكلة هنا تكون مضاعفة و متفاقمة اذ انه يجب علينا ان نتذكر ان نائب الاختصاصي يحتاج الى جرعات تدريبية مكثفة و متطورة لان بنهاية فترته التدريبية سيتخرج بدرجة اختصاصي مما يلقي على كاهله اعباء كبيرة و قرارات خطيرة تحتاج الى ان تكون فترة التدريب كافية و متقدمة ليستطيع ممارسة تقديم الخدمة بصورة مميزة ومتقدمة ولكن الازمة الحقيقية التي يعاني منها جميع الاطباء و خاصة الاختصاصيين الجدد هي ضعف مرتباتهم و استحقاقاتهم المالية في المستشفيات الحكومية . ان الذين يعتقدون ان الاطباء من اصحاب الدخول المالية العالية هم واهمون و لا يعرفون الحقيقة و ذلك لرؤيتهم لمئات العيادات الخاصة و المستشفيات الخاصة . الا ان هذه العيادات و المستشفيات لا تستقطب الا نسبة ضئيلة للغاية من الاطباء الكبار . اما البقية فانهم لا يعملون بها او حتى الذين يعملون بها من اختصاصيين جدد او اطباء عموميين فان اجورهم فيها زهيدة للغاية ! يجب ان تنتبه الدولة التي لايبدوا عليها انها ترغب في الصرف على الصحة و الدليل على ذلك تلك النسب المتدنية في الصرف على الصحة في الميزانيات العامة السنوية . يجب عليها ان تنتبه ان ضعف مرتبات الاطباء و تاخر استحقاقاتهم المالية المتكررة . لن تؤدي الا الى توجههم الى الخارج و هاهو الان كل يوم نستمع الى خروج عدد مقدر من الاطباء الى الخارج لان الطبيب السوداني غير قادر على تكوين اسرة او توفير احتياجات العيش الكريم لاسرته بل ان منهم من لا يستطيع حتى توفير العلاج لاسرته ان اصابها مرض ناهيك عن احلام مشروعة لكل طبيب من قبيل امتلاك بيت او شراء عربة . ان الملاحظ لدول اخرى مشابهة لنا في الوضع الاقتصادي نجد ان اطباءها يتلقون مرتبات عالية . لكن هنا تجد بكل بساطة ان مرتبات الاطباء هي الاضعف بالمقارنة بمرتبات قطاعات اخرى في مرافق الدولة . علما ان الاطباء يشغلون وظائف حيوية ويبيتون في المستشفيات و يحتاجون الى فترة و سنوات طويلة لاكمال تدريبهم التعليمي و المهني الذي يرتبط بطريقة لا فكاك لها مع مرافق الدولة مثل المستشفيات التعليمية. وجه اخر للمشكلة في العمل الطبي في السودان هو تشابهه مع بقية ازمات البلاد السياسية و الاجتماعية و هي تغول بعض ( الديناصورات) دون زحزحة على الادارات الطبية و المراكز التدريبية و الوحدات الطبية و التعليمية . مما اصبح من العسير او المستحيل تقدم القادمون الجدد في مجال المهنة . هذا الامر جعل عددا مقدرا من الاختصاصيين الى مغادرة البلاد ، لانه وبكل بساطة غير قادر على الترقي الوظيفي في داخل البلاد؟ وعلى الرغم انه لا نستطيع باي قدر ان ننكر اهمية سنين الخبرة في العمل الطبي و التعليمي . الا ان هذا لا يعني ان يكون هناك ( احتكار) شبه تام في الادارة و الممارسة يجعل من الصعب على القادمين الجدد ان يبدعوا او ان يقدموا جهودهم الحديثة و طاقاتهم الشابة من اجل تحسين مستوى الخدمة ولا يجب على القارئ ان يعتقد ان هؤلاء ( الديناصورات) هم فقط من الذين يمارسون الطب من فترة طويلة جدا بل ان هذا المصطلح يشمل ايضا الى بعض الادرات في الوزارات التي لم تتغير و لم تتبدل وذلك لارتباطها بالمعادلات السياسية. هذه الازمة و التي اسميتها ( ازمة الدينار و الديناصور) هي السبب الرئيسي لازمة الاطباء فلا تتوقع من طبيب ان يبدع او ان يقوم بعمله على اكمل وجه و هو غير قادر حتى على الزواج او معالجة فرد مريض من اسرته و عالمه الصغير كله ينظر اليه ان ( دكتور ومفروض يعمل العجائب)!! ولا تتوقعوا تحسينات في مستوى تقديم الخدمة و ( الديناصورات) مازالوا يتعاملون بافكار قديمة غير مواكبة في مجالات الادارة و الطب و البحث العلمي ! لحل مشكلة هجرة الاطباء و المشكلة الاكبر وهي عملية تحسين الخدمة الطبية في السودان يجب الالتفات الى ماذكرته آنفا . وان يتم التدخل للاصلاح عاجلا في زيادة مستويات الصرف على الصحة في الميزانية العامة و التغيير الجذري لاوضاع الاطباء المهنية و الادارية لتصبح عملية تقديمة الخدمة الطبية للمرضى في مستوى مقبول والا فان الاوضاع ستزداد سوءا و الاطباء سيزدادون هجرة و المرضى سيزدادون الما. د. امين شرف الدين بانقا