د. ابومحمد ابوآمنة توتر خطير يطل برأسه بين الهدندوة الاسمرأر والرشايدة علي ساحل البحر الاحمر ويحمل معه نذرات مواجهات لا تحمد عقباها بين القبيلتين. السبب المباشر هو ما قامت به وزارة التخطيط بالبحر الاحمر من منح اراضي تتبع لقبيلة السمرأر منذ القدم لجماعات تنتمي لقبائل الرشايدة التي وفدت من اراضي الحجاز في منتصف القرن التاسع عشر اثر صراع دار بينها وبين الجماعات الوهابية هناك.
ومنذ قدومها تعيش قبائل الرشايدة في وئام تام مع القبائل البجاوية, صاحبة الارض, وتراعي حيازتها لاراضي المرعي, وتلتزم بالتقاليد والعرف, وما ان تحصل مشكلة والا سارع العمد والزعامات القبلية من الجانبين لحلها بطريقة ترضي الطرفين.
الا ان تمنح لهم ارض قبيلة السمرأر بالقوة بقرارات من وزارة التخطيط فهذا مستجد خطير لا تعرفه القبائل, ومن الاكيد انه سيؤدي الي مواجهات لا تحمد عقباها, وخاصة وان جماعة نافذة في التخطيط والاراضي بالبحر الاحمر اشتهرت ببلع ما تمده لهم بعض الايادي, وتنفذ الطلبلت عند اللزوم.
اراضي السمرأر ليست للسمسرة .. وليست للبيع .. وليست للمتاجرة .. وليست سهلة المنال .. تقع الاراضي غرب سواكن الي العقبة وشرق محطة سلوم وجنوب هوشيري. وتحتوي علي مزارع ومراعي وشجر ومساكن. يستفيد منها السمرأر للزراعة ولرعاية الاغنام والابل وكانوا يمدون مدينة سواكن عبر القرون الماضية باللبن والسمن والفحم وخشب الوقود. هم اصحاب الارض الاصليون, وكان يلزم اخذ رأيهم قبل الاعتداء عليها من قبل وزارة التخطيط كما جري العرف منذ العهد الاستعماري وحتي الانقاذي. الا ان وزارة التخطيط ضربت عرض الحائط بهذا التقليد وآثرت وضع الدولارات في الجيب. هذا استهتار بقبائل الهدندوة, بل بكل قبائل الشرق, التي لم تلق من الانقاذ غير الاهمال والازدراء ومص الدماء. من المُفارقات عندما مرَّ خط الأنابيب بالشمالية, شهدنا التعويض يتم بالمليارات من الجنيهات, بينما لم تنل قبائل الشرق ولا مليما, رغم امتداد الخط داخل اراضيها بمئات الكيلومترات. ان زعامات قبيلة السمرأر لجأت الي الوسائل السلمية بداية الامر لحل المشكلة. فكتبت للسيد الوالي تستنكر الاعتداء علي اراضيها وتطالب بالغاء كل الاجراءات التي تمنح اراضيهم للرشايدة, كما خاطبت السيد ناظر قبيلة الهدندوة باتخاذ موقف لايقاف التعدي علي اراضي الهدندوة الواقعة غرب مدينة سواكن. ان قبيلة السمرأر لن ترضي ان تنزع اراضيها, التي ظلت تستثمرها منذ آلاف السنين وتوارثتها عن الاباء والاجداد عبر الاجيال. وان لجأت اليوم للحل السلمي, الا نها تري ان حل المشكلة هو مرتبط بالاستقرار والامن في المنطقة, مما يعكس اصرار القبيلة لمواجهات لا تحمد عقباها.
ان قضية حيازة الارض في السودان قضية معقدة للغاية, ولكن من المعروف ان العرف يلعب فيها دورا كبيرا, والعرف هو سيد الادلة ولا يمكن تجاهله, وهو يأتي قبل القانون, ولا يمكن لجماعة التخطيط في البحر الاحمر ان تتجاهله بهذه السهولة. ان النزاعات حول ملكية الارض قادت بعض مناطق في الوطن الي حروب دامية, والي تشريد وتهجير وابادات عنصرية ومعاناة وخاصة حين تتتمسك السلطة في الخرطوم بقوانين وضعتها هي لتحمي جماعات اثنية عربية لتستولي علي اراضي السكان الاصليين كما كان في دارفور. فهل يتكرر الموقف في الشرق؟؟! لا يستبعد!
علي الزعامات القبلية من الرشايدة, التي عرفت بالحنكة والحكمة وتقدير العرف والسالف بين القبائل, ان تسعي هي الاخري من جانبها لنزع فتيل الازمة التي جاءت بها الانقاذ حتي تعود العلاقات الطيبة بين القبائل علي ما كانت عليه في السابق, ويتم التعايش في ود واخاء ووئام.