الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحزب والوطن (بهاء جميل )
نشر في سودانيزاونلاين يوم 23 - 06 - 2013

بُذرت البذرة الاولى لجماعة الاخوان المسلمين في السودان في نهاية الاربعينيات وبدات النبتة تنمو شيئا فشيئا من خلال انضمام الشباب الواعي المتعلم المستنير والمتسلح بالمعرفة وبالرغبة في تقديم شيء للعقيدة التي غيبت كثيرا عن مناحي الحياة ، وعين المفكر الاسلامي الشهير الدكتور حسن الترابي امينا عاما للجماعة في العام 1969 فبدات النبتة تتحول الى شجرة باسقة سامقة ، واشتد عودها ، وطالت اغصانها وازدادت اوراقهاه اخضراراً ونضارةً ، واتت بعض اكلها في السبعينات عندما نجحت نجاحاً كبيراً في تنزيل قنوانين الشريعة الاسلامية في ما سمي جوراً وتدليساً بقوانين سبتمبر .
ومنذ نشاتها ومروراً بجميع الحقب التاريخية حتى تاريخ وصولها الى سدة الحكم في السودان في العام 1989 كان الناس ينضمون الى حركة الاخوان المسلمين من اجل شعارها و ايدولوجيتها وافكارها واهدافها ففي كل تلك الحقب لم تكن الحركة تملك شيئا تقدمه لاتباعها – المنضمين اصلا اليها اليها من اجل العطاء وليس من اجل الاخذ - الا برنامجها الاسلامي الطموح الذي ينادي بالاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي من منظوراسلامي وبتفعيل الدين الحنيف وبتمكينه في مختلف نواحي الحياة وبارساء قواعده في مؤسسات الحكم والدولة حتى تكون الحاكمية لله ، وعندما وصلت الحركة منفردة الى سدة الحكم في العام 1989 من خلال انقلابها الذي اطاح بحكومة الصادق المهدي ، وجدت نفسها مُواجَهة بالاختبار الكبير والامتحان الصعب في المحك الحقيقي ، فتنزيل الافكار الى ارض الواقع يختلف عن كتابتها وتبنيها والترويج لها ، والبعيد عن الفتنة ليس كالقريب منها ، والمنادي بالجهاد في المنابر لليس كالمحارب في ميدان القتال ، والذي لم يجرب ان يكون مسؤلا عن المال من السهل عليه ان يدّعي الصلاح ويتهم الاخرين بالفساد ، وفارغ الجيب يستطيع ان يلبس ثوب الزهد ويرمى الاغنياء بالتعلق بالدنيا حتى اذا سنحت الفرصة ، وامتلا جيبه ، وانتفخ بطنه ، وعدت تذكره بما مضى تلا عليك الاية الكريمة ( يا ايها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) صدق الله العظيم ..
فحركة الإخوان المسلمين رغم انها جاءت الى السلطة في ظروف اقتصادية وامنية وعسكرية بالغة الصعوبة إلا أنها كشفت عن هويتها الاسلامية واعلنت - باكرا - عن نياتها في اسلمة المنطقة من خلال مشروعها الحضاري وفي دعم وتبنى قضايا المسلمين في فلسطين وفي غيرها من بقاع العالم ، ورفعت صوتها التعبوي والجهادي عاليا ، و بدات في انتهاج سياسة خارجية ( صوتيه ) عدائية - اذ ان السودان وقتها لم يكن له دور اقليمي او دولي فعال حتى يؤثر في الآخرين سلبا أو إيجابا - فوضعت نفسها في عزلة إقليمية ودولية كبيرة زادت من سوء الوضع الداخلي الذي كان سيئا أصلا الى ابعد حد يمكن تصوره فاتضح ضيق افق القيادة السياسية ، وافتقارها للحنكة الكافية في إدارة الملفات المختلفة في تلك المرحلة ، ولم تمر سنوات معدودة في ميدان الاختبار حتى اتضح جلياً خطا السياسات الخارجية والداخلية التي تم تبنيها ، مثلما اتضح ان عذاب امريكا لم يدنو بعد ، وانها لن تذل ولن تهان قريباً ، وانّ قوات الدفاع الشعبي مهما تدربت فلن تستطيع ان تلحق ادنى اذى بها وبمصالحها ، كما اتضح ايضا ان امريكا قادرة - بالعقوبات فقط - ودون ان تطلق طلقة واحدة ودون ان تتدرب لانها ليست في حاجة لأي تدريب على أن تكون سببا في الحاق الاذى بالسودان وانها قادرة - ان ارادت - على الدخول الى الخرطوم ، وضرب اي موقع تريده من غير ان يشعر بها الذين تدربوا لقتالها طويلا وتوعدوها بالويل والثبور ليل نهار ، هذا بالاضافة لمقدرتها الكبيرة على تحريك اللاعبين المحليين والاقليمين والدولين في خفة وسرعة ومهارة ليؤججوا ويزيدوا من تاجيج الصراعات المفتوحة حتى تعجز الحكومة عن ايجاد اي مخرج .
وفي ظل هذه الظروف التاريخيه بدا فريق من الذين لمسوا مكامن الخلل ، وتمكنوا من رؤية المستقبل بشكل اوضح في مراجعة السياسات ، ورغبوا في تغيير حقيقي ، وفي تبنى مواقف جديدة مختلفة تمكن من اختراق اجواء الحصار ، و تخفف من سوء الوضع الموجود ، وتقلل من حدة الاحتقان الداخلي الذي فرضته الظروف المعيشية الصعبة ، والعزلة السياسية ، والضيق الاقتصادي الكامل ، فحرب الجنوب كانت في أوج اشتعالها ، والتجمع المعارض كان يشن هجماته من الشرق ، وفاتورة الحرب المادية والبشرية تزيد ضخامة يوما بعد اخر ، ومقدرة المواطن على الحصول على ابسط ضروريات الحياة أصبحت ضربا من المستحيل و الناس يتملمون ويتذمرون وبدات الصدور تغلي .
الا ان مجموعة اخرى عارضت التوجه الجديد الذي يقضي بتغيير المسار وبتنزيل ديمقراطية حقيقية في مؤسسات الدولة فانقسم الحزب الحاكم إلى فريقين ، و نشا صراع خفي بين الدكتور الترابي وفريقه ، وبين الرئيس البشير وفريقه ، أدى ذلك الخلاف الذي كان مستترا في البداية الى تعارض في اتخاذ القرارات والى تضارب في الاختصاصات من ابسط القضايا الى اكبرها واكثرها حساسية ، وخلق ازمة حادة بعد ان تحول البرلمان لمركز قوي لمواجهة الحكومة حتى وقع الانشقاق الكبير وتم حل البرلمان .
كان نتيجة ذلك ان ذهب اكثر المخلصين مع الدكتور الترابي الاب الروحي لثورة الانقاذ ولحركة الاخوان المسلمين فيما سمي في ما بعد المؤتر الشعبي بينما اثر الشطر الباقي جناح الفريق البشير لان بعضهم كان يرغب اصلا في ابعاد الترابي فابعاده سيزيد من بروزهم في الساحة السياسية وسيجعلهم في الواجهة ولان البعض الاخر كان يتوقع ان تردم هوة الخلاف وان تنتهي الخصومة سريعاً فتعود المياه الى مجاريها ويجتمع الصف من جديد ولكن باءت كل محاولات هذه الفئة بالفشل الذريع بعد ان تحول الخلاف بين الطرفين الى عداء شخصي بين الدكتور الترابي والرئيس البشير مما أدى إلى تمسك كل منهما بمواقفه وعدم تنازله عن شروطه ..
فما هي الأسباب التي مكنت حزب المؤتر الوطني من البقاء في السلطة رغم كل تلك الظروف السيئة ؟؟ كيف استطاع الاستمرار ؟؟ هل كان للحنكة السسياسية والخبرة دور في ذلك ؟؟
إن قراءة بسيطة للوقائع تقول ان هناك عوامل عديدة أدت إلى بقاء المؤتر الوطني في سدة الحكم اولها كان هو تعاطف الكثيرين مع المؤتمر الوطني عقب المفاصلة المذكورة كرد فعل طبيعي لذهاب الدكتور الترابي الذي نجح اليساريون ونجح خصومه في تحويله الى كبش فداء بعد أن جعلوا منه سببا مباشرا ورئيسا للصعوبات التي واجهها السودان والمواطن السوداني في السنوات العجاف البالغة القسوة التي رافقت وصول الحزب الإسلامي إلى سدة الحكم مثلما جعلوا منه سببا للحصار السياسي والاقتصادي ولتحويل حرب الجنوب من حرب سياسية إلى حرب دينية فقد صدق الكثيرين تلك المزاعم و ظنوا أن بذهابه سينصلح الحال ، وسيعم الرخاء ، وسيعود السلام ، فولوا وجوههم شطر المؤتمر الوطني وروا في الفريق البشير بطلا أنقذهم من المجرم .
وثانيها نجاح المؤتمر الوطني في السيطرة التامة على الأجهزة الأمنية مثلما نجح في دعمها وتطويرها نسبيا بالأجهزة الحديثة التي ساعدت في إفشال محاولات الانقلاب العديدة التي تم إفشالها ووأدها في مهدها .
اما ثالثها فقد كان هو الاستمرار في تولية العديد من المناصب الدستورية لاعضاء جماعة انصار السنة المحمدية المتحالفة مع النظام فذلك ادى الى تحسين صورة المؤتمر الوطني من خلال العمل المتفاني الذي قام به اعضاء الجماعة وضمنت له اتباعا شديدي الولاء .
رابع تلك الاسباب كان هو لجؤ المعارضة في الخارج إلى العمل العسكري وشنها لهجمات على بعض أطراف السودان فذلك مكن المؤتمر الوطني من وصم تلك الأحزاب بالعمالة والارتزاق فادى ذلك إلى سخط الكثيرين عليها ونفورهم منها وتعاطفهم مع المؤتمر الوطني .
اما خامسها فهو عدم إدراك أحزاب المعارضة عقب عودتها للعمل من الداخل للتغيرات التي حدثت في تركيبة المجتمع السوداني وفي نفسيه المواطن البسيط وسيرها على نفس النهج القديم في العمل السياسي فاتضح للناس ضعفها وضيق أفق قادتها وحرصهم على الوصول إلى كراسي السلطة أيا كان الثمن الذي سيدفعه السودان فلم تفلح في حشد المؤيدين حولها أو في تحريك الشارع السياسي .
كذلك كان لاستخراج البترول في نهاية التسعينات دوراً كبيرا في تهدئة الاوضاع وفي خلق نوع من الاستقرار الاقتصادي فقد ادى ذلك الى عودة الامل للمواطن السوداني الذي اسرف في الامل وظن ان الحياة ستتبدل بين عشية وضحاها دون ان يضع في حساباته قلة الكميات المنتجة والميزانية الضخمة للدولة والتي تزيدها تلكفة الحرب ضخامة ودون ان يحسب حساب النفقات الهائلة لاعضاء التنظيم الحاكم ولهيئاته ومؤسساته المختلفة ولاجهزته التنفيذية .
ايضا ساهمت الهجمات العسكرية التي كانت تشنها ما يسمى بحركة تحرير السودان ثم حركات دارفور المتمردة فيما بعد في التفاف المواطن حول المؤتمر الوطني لعدم قبوله بالمساس بارض الوطن او المواطن البسيط .
سبب اخر بالغ الاهمية هو تمكن المؤتمر الوطني من استقطاب شخصيات ذات اهمية سياسية من مختلف الاحزاب بل وحتى من قيادات تلك الاحزاب .
مما سبق يتضح ان بقاء المؤتمر الوطني كان مروهونا في الاساس للنجاح في تسخير القدرات الامنية ولتزامن معطيات ايجابية كثيرة كان حدوثها في صالحه .
فما هي اكبر اخطاء المؤتمر الوطني بعد الانشاقاق ؟ وهل تغيرت ولاءات الناس تجاه المؤتمر ما هي اسباب تغير ولاءات الناس وتبدل تعاطفهم مع المؤمتر الوطني ؟
ان اكبر خطا وقع فيه المؤتمر الوطني عند محاولته لضم اخرين لدعم قاعدته الشعبية ولتعويض الفاقد الذي احدثه الانشاق انه لجا الى سياسة نشاز تشبه سياسة التمكين الاولى ولكنها مسخ مشوه منها وهي سياسة الاغراءات المادية والسياسية فبعد ان كان الناس في الماضي ينضمون الى الحركة الاسلامية من اجل مبادئها انضم الكثيرون للمؤتمر الوطني من اجل المصالح والمنافع الشخصية ومن اجل المناصب الدستورية فوُلِد للساحة السودانية مولود هجين تكون من فريق من الأوائل ( هذا الفريق نفسه انقسم الى قسمين قسم بقوا كما هم مخلصيين للحركة الاسلامية والى اهدافها وان تبدلت مناهجهم من خلال الخبرات التي تراكمت لديهم وقسم اخر أثرت بهم سطوة السلطة ونعومة الكراسي ) وفريق جاء طامعا من خلال الاغرءات التي قدمت إليهم وهؤلاء أصبحوا مع الايام هم الاكثر عددا في جسم المؤتمر الوطني .
لقد تغيرت نظرة الكثيرين الى المؤتمر الوطني مع مرور الايام والسنين خلا المستفيدين استفادة مباشرة من بقاءه في سدة الحكم ومن اهم اسباب تغير ولاءات الناس وتبدل تعاطفهم معه هو الواقع الجديد الذي خلقه انضمام الطامعين فقد زاد ذلك من استشراء الفساد يوما بعد اخر مثلما زاد من انتشار المحسوبية واحتكارالوظائف وغياب العدالة والمساواة .
ايضا من اسباب انصراف الناس عن المؤتمر هو عدم وجود اثر مباشر لاستخراج البترول في حياة المواطن البسيط فقد تركز الثروات في يد فئة قليلة وانقسم المجتمع السوداني الى طبقتين طبقة مترفة مرفهة تنفق المال بلا حساب وطبقة مسحوقة فقيرة تناضل من اجل البقاء .
اما اقوى الاسباب التي ادت الى تقليل شعبية المؤتمر الوطني فهو انفصال الجنوب فلقد حمل الكثيرين مسئولية ذلك الانفصال كاملة الى المؤتمر الوطني و راوا فيه السكين التي بترت العضو الذي لم يكن يكن ليبتر لولا وجودها .
اذا اضفنا لما سبق شعور الكثيرين بالظلم والغبن و معايشتهم للازمات المتلاحقة والمستمرة منذ وصول الانقاذ الى سدة الحكم وحتى اليوم ، تلك الازمات التي حولت حياتهم الى معاناة مستمرة ومتواصلة بسبب افتقارهم لابسط مقومات الحياة لعرفنا ببساطة لم اصبحت الغالبية العظمى من ابناء الشعب السوداني اليوم تنظر للمؤتمر الوطني بعين السخط ، وتتمنى زواله من سدة الحكم في اسرع وقت ممكن ، ولادركنا لم يرغب البعض في ذلك الرحيل حتى وان كان البديل هو امريكا او الجبهة الثورية التي تظهر غير ما تبطن ، والتي تنفذ سياسات دول معادية او الشيطان نفسه وجولة صغيرة في اية مدينة او في اية قرية صغيرة واختيار عينة عشوائية وسؤالها ستوضح تلك الرغبات بجلاء .
قد يسال سائل ان كان الامر كذلك فلم لم يتحرك هذا الشعب ولم لم يحدث ربيع عربي في السودان ؟؟
الاجابة وهي سبب اضافي للاسباب السالفة الذكر لبقاء المؤتمر الوطني في السلطة بل ربما هي اهم الاسباب جميعا وهي ان المؤاطن السوادني كان مصابا باحباط كبير ولم يكن يرى بديلاً مقنعاً موجوداً في الساحة السودانية حتى يلتف حوله ، فحزب المؤتمر الشعبي ذو التوجه الاسلامي تم تشويه صورته لدى كثيرين كما ذكرنا آنفا بعد ان الصقت بزعيمه تبعات السنوات العجاف التي عاشها ولا زال يعيشها البسطاء من ابناء الشعب السوداني وبعد ان نسبت له جوراً وبهتاناً الظروف التي مر بها السودان خلال السنوات السابقة فمعظم الذين يرغبون في ذهاب المؤتمر الوطني اليوم يلقون باللائمة في وصوله للسلطلة على المفكر الدكتور الترابي الذي ظلمه الكثيرين من ابناء الشعب السوداني كثيرا ولا زالوا يظلمونه .
.والاحزاب اليسارية ليس لها من حظ كبير في نفسية المواطن السوداني السني التوجه الصوفي التربية المالكي المنهج ..
اما حزب الامة والحزب الاتحادي فقد كان معظم افراد الشعب السوداني ينظرون اليهما على انهما حزبان قد تخطاهما الزمن خاصة اذا نظرنا للمواقف المتباينة لزعيمي الحزبين والتي ادت الى اربكاك اقرب المقربين مثلما ادت الى حدوث انشاقاقات في صفوفيهما فانضم بعض قياديها الى المؤتمر الوطني .
اذن ما هي احتمالية حدوث تغيير وكيف سيحدث ان كان هناك احتمالا لحدوثه ؟؟ وما هي الجهة المرشحة لذلك وما هي اخطار التغيير ان حدث ؟؟
لقد كان ان المواطن السوداني محبطاً في الماضي فلم يسلك أي سبيل من سبل التغيير المعروفة ولكن بدا الحال في التغيير في السنتين الاخيرتين بعد ان تعددت المنابر التي يمكن لقيادات الاحزاب ان تخاطب منها جماهيرها وبعد ان اوجد هامش من الحرية للمارسة العمل السياسي وبعد ان غيرت معظم الاحزاب من خططها ومن طرحها وبدلت من برامجها السياسية والفكرية لتتماشى مع الواقع السياسي المحلي والاقليمي والدولي فذلك خلق نوعا جديدا من الحراك السياسي بدا اثره يظهر في عقد المؤتمرات الحزبية وفي عودة الناس للالتفاف حول احزابها فالكثير من المؤشرات تقول ان حالة الاحباط التي ذكرناها انفا في تناقص مستمر وتقول ان دماء الحياة بدات تجري في عروق الشارع السياسي وذلك سيغير من الواقع وسيكون ذا اثر في المستقبل مما يجعل احتمالية التغيير متاحة وممكنة من خلال العمل السياسي السلمي وان كان ذلك الاحتمال سيحتاج الى شيء من الوقت يقدر بمواقف وسياسات المؤتمر الوطني نفسه والذي تقع الان على عاتقه مسؤلية من اكبر المسؤليات التي وقعت على أي حزب من الاحزاب في تاريخ السودان كله وربما في تاريخ القارة الافريقية باسرها اذ ان خروج المؤتمر الوطني فجاة قد يكون وبالاً عظيماً وخطراً جسيما .
اما الاحتمالية الثانية لحدوث تغيير ما هو ان يحدث ذلك التغيير من داخل صفوف المؤتمر الوطني نفسه اذ لا يخفى على احد ان هناك الكثير من الصراعات داخل المؤتمر الوطني لعدم تجانس المكونات الثلاثة التي تكونه فغني عن الذكر ان هناك تكتلات شخصية وجهوية قد نشات داخل صفوفه وان هناك تقاتلا خفيا على الاستئثار بالمواقع وان هناك اطماعا كبيرة وحربا صامتة تدور رحاها بين اروقته من اجل الفوز المناصب الدستورية والوزارات السيادية وذلك اوجد الكثير من النيات المبيتة فعاد الحزب منذ سنوات مضت الى المربع الاول ، مربع تضارب السلطات وتعارض الاختصاصات وتقاطع التصريحات والقرارات وذلك قد يدفع البعض للقيام بحركة او عملية مفاجئة تاتي بثلة من داخل الصفوف ولكنها ثلة تخلف في الافكار والتوجهات .

ما هي مخاطر حدوث تغير في ظل ما يحدث الان في السودان ؟؟ وهل التغيير الشامل في مصلحة السودان ؟ وما هي مسؤولية المؤتمر الوطني التاريخيه وماذا يفعل حتى لا يحدث تغيير مفاجيء في ظل الاخطار المحدقة ؟؟
ان حدوث تغيير كبير يلغي الحكومة القائمة في ظل الظروف التي يمر بها السودان الان وفي ظل وجود الجبهة الثورية المدعومة من اسرائيل والمتبنية للعمل المسلح وعودتها الى حرب العصابات وفي ظل وجود اطراف كثيرة وكبيرة ومؤثرة ترغب في تمزيق السودان وفي تفتيت وحدته يجعل من التغيير المفاجئ الشامل امرا بالغ الخطورة على السودان وعلى المواطن السوداني لذا فان حزب المؤتمر الوطني تقع على عاتقه الان مسؤولية تاريخيه جسيمة ذات شقين يتمثل شقها الاول في ان يفعل كل ما يستطيع للحيلولة دون حدوث تغيير بالصورة المتوقعة حتى لا يعود السودان مائة عام للوراء.
اما الشق الثاني فهو أن يجعل الحزب الولاء الاول للوطن وليس للتنظيم وان يقدم كل التنازلات المطلوبة لتوحيد الصف الداخلي ولجمع الاحزاب الاخرى على كملة سواء حتى تقبل كل الاطراف بالعمل السياسي في اطار الدستور المرتقب وحتى يكون هناك شيء يجمع عليه الناس ويرتضونه ويجعلونه حكما بينهم في المستقبل اذ ان التغيير سنة من سنن الكون الازلية وليس هناك شيء يبقى على حاله الى الابد ولقد حكم المؤتمر الوطني السودان لاكثر من 25 عاما وقد ان الاون لان يشرك الاخرين اشراكا فعليا في السلطة ، ان الاون لتقيدم كل التنازلات المطلوبة حتى لو ادى ذلك الى تخليه عن السلطة بكاملها في سبيل وحدة وسلامة ومستقبل الوطن ، عليه ان يتيح المجال للاخرين لتقديم ما عندهم لانه ان لم يفعل هذا اليوم راضياً مختاراً ليجنب السودان المخاطر والانشقاقات والحروب - وتلك لعمري هي الوطنية الحقيقية - فسيفعله غدا مكرهاً مجبراً ولكن وقتها سيكون الثمن كبيرا وسيكون المؤتمر الوطني نفسه هو او الدافعين .
هذا والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل ،،،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.