إذا أعطيت نفسك حقا يجب أن تعطيه للآخر بقلم / نوري حمدون – الأبيض – السودان = (حرية الإعتقاد) تعني أن يعتقد المرء ما يشاء .. و كذلك تعني أن يكون المرء حرا في أن يعيش وفق ما يعتقد . لكنها أبدا لا تعني أن يجبر المرء الآخرين أن يعيشوا وفق ما يعتقد هو . فللمرء مثلا أن يعتقد في دين من الأديان .. و أن يعيش وفق معتقدات ذلك الدين . لكنه لا يجب أن يجبر الآخرين أن يعيشوا وفق تعاليم ما يدين به . فما معنى حرية المعتقد و حق العيش وفق المعتقد إذا كانت ستفضي في النهاية للوصاية على الناس و إجبارهم على العيش وفق ما لا يعتقدون . إن حرية الإعتقاد تعني أن لا يجد المرء ما يعترضه و هو يطبق معتقداته على نفسه .. كما إنها تعني إلتزام الشخص نفسه فقط بتعاليم و توجيهات و أفكار معتقده . و تعني أن لا يقوم ذلك الشخص بإلزام الآخرين بمعتقداته بحجة انه يجدها الأصح و الأفضل . لأنه بذلك يكون قد تعدى على حق الآخر أن يعيش مثله وفق معتقداته و التي أيضا في نظره هي الأصح و الأفضل . فالمسألة بسيطة .. و تقوم على العدالة في توزيع الحقوق .. إذا أعطيت نفسك حقا يجب أن تعطيه للآخر . فإذا أعطيت نفسك حق أن تعتقد فيما تشاء و تعيش وفق ذلك المعتقد .. يجب أن تعطي للآخر نفس الحق أن يعتقد فيما يشاء و أيضا أن يعيش وفق معتقده . أما المحاججة بأن معتقدي أصح من معتقد الآخرين و أن أسلوب الحياة وفقا لمعتقداتي هو الأسلوب الأصح .. و بالتالي يجب أن يهيمن معتقدي و أسلوب عيشي على الآخرين .. أقول أن تلك المحاججة (قسمة ضيزى) . فكل إنسان بمعتقده معجب . و كل إنسان لو أعطي الفرصة لنصب نفسه وصيا على الناس بحيث لا يعتقدون الا ما يعتقد و لا يعيشون الا وفقا لما يرضاه لهم ذلك المعتقد المصطفى . و الديمقراطية ليس معناها أن يفسح المجال للأغلبية لتفعل ما تشاء دون إعتبار للأقلية أو لأي ضوابط لسلوكيات الأغلبية . الديمقراطية ترتكز قبل الإنتخابات الحرة النزيهة و قبل فرز الأصوات و تحديد الاغلبية .. ترتكز تلك الديمقراطية على مبادئ حقوق الإنسان التي تصبح هي المكون للدستور والمنظم لأعمال الديمقراطية و لسلوك الأغلبية و لإجراءات صياغة القوانين . و أول ما تحرص الديمقراطية على صيانته هو حق الإعتقاد بحيث لا يكون هناك إعتداء من الأغلبية على الأقلية أو العكس . هذا ما كنا نظن أنه المفهوم من كلمة الديمقراطية حتى مساء الأمس القريب عندما أطل من شاشة تلفزيون (دريم) الداعية الإسلامي المصري / محمد حسان ليتحدث عن رفضه ولاية غير المسلم و رفضه للولاية العامة للمرأة و الإختلاط و السفور و الربا و الفنون المحرمة و تحدث عن رفضه أن يعيش الآخرون وفق معتقداتهم لأن ذلك يؤذي مشاعر المسلمين .. إلا أنه تحدث عن رفضه للديمقراطية نفسها التي أسماها (الغربية) . و نحن نعتقد أن الديمقراطية أساسها واحد (و إن إختلفت تطبيقاتها).. و هذا الأساس هو أنها قائمة على كافة مبادئ حقوق الإنسان و التي في طليعتها صيانة حق الإعتقاد . و هو ما بينا كيفيته فيما سبق من سطور . و فيما يلي من سطور نحاول أن نضرب الأمثال التوضيحية لحرية الإعتقاد و العيش وفق المعتقد . فالمرء مثلا له أن يرتدي من (الثياب) الثوب الذي يرى أنه يحقق الإحتشام المطلوب وفق معتقده مثل الحجاب أو النقاب للنساء أو الثوب القصير للرجال . و له أن يمتنع عن لبس أو صناعة أو بيع أي ملابس أخرى تعتبر حراما في معتقده . لكن ليس له الحق في أن يجبر أي فرد آخر أن يلبس مثلما يلبس و يمتنع عن لبس ما يمتنع هو عن لبسه . لأنه بذلك يكون قد تعدى على حق الآخر أن يعيش مثله وفق معتقداته . و للمرء الحق أن يمتنع في مجال (الفنون) عن إنتاج أي أعمال فنية (كالغناء و التصوير والنحت) مما يعتبر حراما في معتقده .. و له أن يمتنع عن التعامل بالمشاركة مع أو المشاهدة أو الإستماع لأعمال الآخرين المخالفة لمعتقده . و لكن ليس من حقه أن يجبر الآخرين على عدم إنتاج الأعمال الفنية التي لا يريدها أن تنتج و لا أن يحجب عنهم مشاهدة أو إستماع مثل تلك الأعمال بحجة أنها محرمة عنده أو أنها تؤذي مشاعره . لأنه بذلك يكون قد تعدى على حق الآخر أن يعيش مثله وفق معتقداته . وللمرء أن يتعامل ماليا في التجارة و الإستثمار فلا يقرب (الفائدة المحرمة). و له أن يمتنع عن أي تعامل مالي يدخل فيه ما هو حرام وفق معتقده . لكنه ليس من حقه أن يجبر الآخرين على عدم التعامل بالفائدة المحرمة مثله .. ثم يجبرهم على عدم التعامل مع المعاملات المالية المتضمنة لما يرى أنه فائدة محرمة وفق معتقده . لأنه بذلك يكون قد تعدى على حق الآخر أن يعيش مثله وفق معتقداته . كما للمرء الحق في أن لا يمارس (الإختلاط) بالنساء و لا يجلس اليهن في مجلس واحد لأن ذلك محرم وفق معتقداته .. و له أن لا يمارس مصافحة النساء أو يتحدث اليهن حيث أن المصافحة حرام وفق معتقده . و لكن لا يحق له أن يجبر الآخرين أن يكفوا عن الجلوس في المجالس التي يختلط فيها الرجال بالنساء و لا يحق له أن يجبر الرجال الآخرين أو النساء الأخريات على عدم مصافحة أحدهما للآخر . لأنه بذلك يكون قد تعدى على حق الآخر أن يعيش مثله وفق معتقداته . إن العالم مقبل على مرحلة جديدة كل الجدة فيما يتعلق بطريقة التعامل مع الأديان . فلأول مرة ستجد الأديان الفرصة السانحة و الطيبة لتنمو نموا طبيعيا فتنبت فروعا باسقة و أوراقا وارفة و ثمارا طيبة . ذلك أن الدين سيجد البيئة التي خلق ليترعرع و ينمو فيها .. إنها بيئة الحرية الفردية و الديمقراطية و حقوق الإنسان حيث يجد كل إنسان نفسه أمام دينه يرعاه و ينميه دون خوف من مصادرة من هنا أو خشية من وصاية من هناك .. دون تزلف لفرد هنا أو تملق لدولة هناك . و حينئذ يتحقق الأمل الموعود من أن جميع من آمن و عمل بما آمن من أصحاب الأديان المختلفة فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون . إذا أعطيت نفسك حقا يجب أن تعطيه للآخر بقلم / نوري حمدون – الأبيض – السودان