زين العابدين صالح عبد الرحمن قبل الدخول في المبحث, يجب طرح أسئلة ضرورية تشكل جوهر المقال, و تبين كيف تفكر النخب الحاكمة حول قضية الحوار الوطني كخيار للوصول لحل, و أيضا كيف تفكر بعض قوي المعارضة متمثلة في حزب الأمة و غيره, حول حل المشكل السوداني, حيث تتباين الرؤى, و إن كان حزب الأمة يعاني درجة من الخلاف, أدت إلي تشققه بسبب المشاركة في حكم الإنقاذ, و ما تزال الصراعات داخل الحزب مستمرة بسبب قبول البعض للمشاركة. 1 - لماذا أراد البشير في حديثه عقب لقاء السيد الصادق أن يؤكد إن اللقاء تم بدعوة من حزب الأمة؟ 2 - ماذا كان يريد البشير من اللقاء و ماذا كان يريد السيد الصادق من اللقاء؟ 3 - ما هو دور الصراعات و تباين الرؤى داخل كل حزب علي حدي " حزب الأمة و المؤتمر الوطني" في عملية الحوار و نتائجه؟ 4 - لماذا تصر نخبة الحاكمة جر المعارضة للحوار حول القضية المصرية, و في أن تكون وسيط بين أطراف الصراع في مصر؟ في عدد من الحوارات التي أجريتها مع بعض من القيادات السياسية, في كل من حزب الأمة و المؤتمر الوطني, و بعض المراقبين السياسيين, تأكد إن اللقاء بين السيد الصادق و الرئيس البشير, ذهب في اتجاه العلاقات العامة, و تكوين لجان من الحزبين للحوار باعتبار تباين و اختلافات في الرؤى, و إن كان الرئيس البشير متسق مع نفسه في طرح القضايا, و يحتار السيد الصادق في اتخاذ موقف محدد في أن يشارك في الحكومة القادمة, من خلال صفقة تميزه عن بقية المشاركين, و بالتالي يخسر قاعدة كبيرة من حزبه, أم يرفض المشاركة و يتمسك بمقولته تفكيك دولة الحزب لمصلحة التعددية. قبل اللقاء, جاء في وسائل الإعلام المقروءة و المسموعة, إن هناك لقاءا بين الرئيس البشير و السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة, في إطار لقاءات الرئيس التي سوف تجري مع القوي السياسية, بهدف البحث عن حل للأزمة السياسية التي تعيشها البلاد. و لكن عقب اللقاء أشار الرئيس البشير, إن اجتماعه مع السيد الصادق كان إيجابيا, و كان اللقاء بدعوة من حزب الأمة, عكس ما ذكرت وسائل الإعلام, و التأكيد هنا كان ضروريا, باعتبار إذا كان اللقاء تم بدعوة من الرئيس, يعني ذلك إن الرئيس قد استشعر أن هناك مشكلة سياسية في البلاد, و هذه المشكلة تستدعي اللقاء مع القوي السياسية, و هذه في حد ذاتها تعد خطوة إيجابية, و إن هناك تغييرا بدأ يظهر في العقلية الحاكمة, أو إن الصراع داخل النخبة الحاكمة أدي للمفاصلة, يستدعي تحالفات من خارج أسوار الحزب الحاكم و مؤسساته, و لكن إشارة الرئيس في إن اللقاء تم بدعوة من حزب الأمة, لكي ينفي مثل هذا الاتجاه, و يريد أن يقول أنهم في السلطة الحاكمة متماسكين و سائرين في ذات المنهج, دون أية تغيير, كما يريد أن يطمئن المجموعات داخل السلطة الحاكمة, إن أية حل لا يمكن أن يكون خارج إطار السلطة, و بالتالي أية رهان إن الرئيس يريد أن يحاور القوي السياسية لحل الأزمة, هو رهان خاسر, لأن العقلية الحاكمة هي عقلية لا تتغير و لا تؤمن بالديمقراطية, و بالتالي يجب علي المعارضة أن تتبع الوسائل التي تلاءم ذلك. هناك معلومات مؤكدة, إن اللقاء تم بترتيب بين عبد الرحمن الصادق المهدي مساعد رئيس الجمهورية و أبيه, و إن الدعوة لم تمر من الأجهزة الرسمية للحزب, و لكي لا يدخل السيد الصادق في حرج مع المجموعة الرافضة في حزبه, في أن يتم أية لقاء مع المؤتمر الوطني, كان التنسيق بين بعض قيادات من المؤتمر الوطني و عبد الرحمن الصادق, في أن يوصل الخبر لأجهزة الإعلام, أن الحوار يجئ في إطار مقابلات الرئيس مع عدد من رموز أحزاب المعارضة, و لكن الرئيس البشير قد فضح هذا التنسيق دون أن يدري, مما يؤكد إن هناك حوارا سريا يجري بين مجموعات داخل حزب الأمة و المؤتمر الوطني, دون علم الأجهزة الرسمية في ألحزب, و معروف إن التنسيق بدأ يأخذ إطاره الواسع داخل حزب الأمة, بين المجموعة التي ترغب في مشاركة حزبها في السلطة و بين المؤتمر الوطني, و هذه المجموعة بدأت تتوسع و تبرز قوتها, بعد رجوع بعض القيادات التي كانت قد خرجت عن الحزب, و شاركت في سلطة الإنقاذ, ثم عادت مرة أخري للحزب, و هي تريد جر الحزب للمشاركة, و تنسق في ذلك مع مساعد رئيس الجمهورية عبد الرحمن الصادق المهدي. في اللقاء بين الرئيس و السيد الصادق, بينما كان السيد الصادق المهدي يتحدث حول أن يكون هناك تغييرا في بنية الدولة, و تحول نحو الديمقراطية حتى و لو بشكل صوري, يستطيع أن يقنع من خلاله المعارضة في المشاركة, كان الرئيس البشير يركز علي كيف أن يلعب السودان بكل فئاته الحكومة و المعارضة, دورا محوريا في المصالحة بين السلطة الحاكمة في مصر و تنظيم الأخوان المسلمين, و ما سماه البشير رجوع الشرعية و الديمقراطية, " التي يرفضها في السودان" و البشير يريد أن يوظف المعارضة في أن تلعب دورا لمصلحة المؤتمر الوطني, الذي يريد عودة الأخوان لكي يؤمن البوابة الشمالية, و في ذات الوقت يصرفها عن قضاياها الأساسية, كما إن قيادات الإنقاذ تدرك تماما, إن إبعاد الأخوان عن السلطة, و استمرار الصراع في مصر, سوف يكون في مصلحة المعارضة, و تبقي مصر الدولة إلي جانب المعارضة السودانية, و أيضا بعض الدول المؤثرة في المنطقة " دول الخليج" و التي أعلنت الحرب ضد الإسلام السياسي, هذا التحول في المنطقة, سوف يهيئ للمعارضة سبل أفضل في العملية الإعلامية, و الوصول إلي أكبر قطاع من الجماهير, خاصة في ظل النزاعات و الصراعات في البلاد, هذا التحول ليس في مصلحة المؤتمر الوطني و لا حزب الأمة, أنما هو في مصلحة الحزب الاتحادي, و القوي الليبرالية الأخرى, و اعتقد إن الأخيرين مدركين لذلك, دلالة علي ذلك النشاط الذي يقوم به بعض من المعارضين السودانيين في مصر, و الزيارة التي قامت بها الحركة الاتحادية للسفارة المصرية في السودان, لنقل تأييدهم لثورة 30 يونيو التصحيحية, و يستطيع السيد الميرغني أن يلعب دورا أكبر في ذلك, إذا استثمر التحول في المنطقة لمصلحة الديمقراطية, و لكن الرجل لا يفكر في الاستفادة من الفرص التاريخية التي تهيأت لحزبه, في أن يلعب دورا لمصلحة الديمقراطية. إن اللقاء لم يخرج بالنتائج التي كان يتوقعها السيد الصادق المهدي, رغم أنه قد أثني علي اللقاء و الرئيس, و اللقاء ليس فيه جديد مثله مثل " اتفاق جيبوتي و التراضي الوطني" و الاتفاقان كان السيد الصادق مدحهما, و لكن ما هي نتائجهما؟ لا شيء...! دائما في اللقاءات التي تجري بين القيادات التي تحدث تحولات تاريخية في دولها, تتفق علي الخطوط العريضة التي تهدف لتلك التحولات, ثم تترك تفاصيلها للجان المشتركة بين الحزبين بعضهما البعض, و بين الحزبين و بقية القوي السياسية الأخرى, و لكن ذلك لم يتم مما جعل الأمر كله للجان المتوقع تشكيلها فيما بعد, مما يدل علي فشل اللقاء. قبل اللقاء أرسل السيد الصادق المهدي رسائل لكي تضمن في أجندة الحوار, منها, أنه قال: يجب علي الحكومة أن تعترف بالجبهة الثورية, و هي رسالة هدف منها السيد الصادق أن يكون هناك جسرا بينه و الجبهة الثورية, إذا خرج اللقاء بنتائج يرضاها, لكي تقبل الجبهة عملية الحوار استجابة لحزب الأمة, الذي يؤمن في أن يكون هناك دورا للجبهة الثورية في العملية السياسية, بقبول من المؤتمر الوطني, و لكن اسقط البند لزحمة الأجندة التي جاء بها الرئيس, و هي أجندة لا تخدم قضية السلام و الديمقراطية في السودان, أنما هي أجندة تمكن الإنقاذ في الاستمرار, و في نفس الوقت أن تقدم المعارضة تنازلات دون تقديم أية تنازلات من قبل السلطة الحاكمة, هذا هو المأزق الذي وقع فيه الصادق, لذلك كان الاقتراح في أن تكون لجان من قبل الحزبين و هي قضية إنصرافية, باعتبار كانت هناك لجان مكون من قبل ماذا فعلت و ما هي نتائجها " صفر". ختاما أقول, إن السيد الصادق المهدي يدرك إن هناك أزمة سياسية في السودان, و لكنه يعتقد إن حل الأزمة ليس في حوار القوي السياسية للوصول لاتفاق سياسي يلتزم به الجميع, أنما في الاستجابة للمبادرات التي يقدمها و ما أكثرها, و هذا الفهم عند الإمام, هي النرجسية, التي تعد السمة الأساسية في شخصية الصادق المهدي, و هي التي أفقدت الحزب دوره الذي كان من المفترض أن يلعبه, و هي أيضا التي أدت إلي التشققات التي حدثت في الحزب, و بالتالي لا يستطيع السيد الصادق في ظل الظروف التي ليست في صالحه, حيث كثير من مناطق نفوذه خرجت من سلطته, و خلقت قياداتها بعيدا عن دائرة الحزب. في الجانب الأخر إن الرئيس البشير لا يعتقد إن هناك أزمة تستدعيه أن يقدم أية تنازلات, مادام القوي السياسية المعارضة مختلفة و مشتته, و أنه فقط يريد أن يجر حزب الأمة للدخول في حظيرة المؤتمر الوطني, كما دخل غريمه الاتحادي الديمقراطي الأصل, الذي أصبح مستأنسا, و زعيمه كما يقال " لا بهش و لا بنش" و لكن خوف النخبة الحاكمة من الجبهة الثورية, و التي يريدون من خلال حوارهم مع القيادات الجنوبية, و الرئيس سلفاكير, في أن تخنق من قبل دولة جنوب السودان, و يأملون في إن التحولات التي تجري هناك تكون مضادة للجبهة الثورية, لكن فاجأتهم التحولات في مصر و المنطقة التي جاءت في مصلحة القوي الليبرالية الجديدة, لكي تستفيد من هذه التحولات المضادة للإسلام السياسي في المنطقة, و هذه التحولات و استمرار الأزمة في السودان جعلت السيد الصادق و الرئيس البشير و من لف حولها يمارسون الرقص علي حافة. و نسال الله أن يوفق دعاة الديمقراطية.