الربيع العربي الذي فاجأ الكل كان نتيجة حتمية للاستبداد والقمع الذي صبغ حياتنا السياسية في العالم المسمي بالعالم الثالث منذ قرن تقريبا ، فبلادنا العربية لم تنعم بالديمقراطية والحكم الرشيد الا قليلا ، فمنذ الاستقلال وثب إلي الحكم اناس ورثوا الاستعمار الذي رحل بشكله الظاهر ولكن ترك كل ثقافته ونظمه وألاعيبه دون تغيير أو تبديل وتولي أنباءه غير الشرعيين رعاية تركته فحكمونا بالحديد والنار باسم الاشتراكية تارة وباسم القومية تارة أخري ثم أعقبهم الجنرالات الذين استبدوا بالحكم وانفردوا به حتى أوحي لهم شياطينهم ان يورثوه لأبنائهم ولكن حين بلغ السيل الزبي أنتفض الشعب العربي مطيحاً بالعروش وسط دهشة العالم الذي أخذ علي حين غرة ، ولكن وبطبيعة الحال لم يستسلم الذين عاشوا فساداً في ظل الأنظمة البائدة فبعدما افاقوا من الصدمة لأول الوهلة عاودوا ترتيب أمورهم في ثورة مضادة لإعادة الأمور إلي سابق عهدها ساعدهم في ذلك وسهل لهم التقاطعات بين القوي السياسية الثورية التي قادت الربيع العربي. وكما ذهب إلي ذلك الأمام الصادق المهدي أفتقر الثوار إلي ميثاق الحد الأدنى للمرحلة الجديدة فأصبح كل يغني علي ليلاه بطريقته وفهمه ....فدب الخلاف والشقاق بين القوي الثورية ,صاحبه استعجال الانتخابات ووضع الدستور ومن خلال هذه الثغرات تغلغل الفلول واستغلت الإعلام الضال الذي يملكه رجال المال الذي اثروا حراما من النظام البائد في بث الإشاعات وتخذيل الجماهير التي ألقت بكلكلها وراء الثورة أملا في حياة جديدة تحقق العدالة الاجتماعية والمساواة ولما كان تحقيق كل ذلك لا يمكن أن يتم بين عشية أو ضحاها أو في شهور معدودات أو حتى سنة ولكن الثورة المضادة ذات الخبرات المتراكمة في استغلال الظروف المتعلقة بمعاش الناس ذهبت تضرب في وتر فشل الحكومة في الإيفاء بمتطلبات الثورة ،وكنا نظن أن الثورة المضادة سوف تستمر في هذا المنحي لافشال الحكومة المنتخبة حتى لا يعاد انتخابها بعد أربع سنوات ولكنها ضاقت صدرها وهي تري الحكومة الجديدة التي ورثت تركة مثقلة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تتصدي لتلك المشاكل بقوة وبرؤية نافذة ، فأرتعدت فرائص الثورة المضادة فلجاءت إلي المؤسسة العسكرية تحرضها وتزين لها العودة إلي السلطة وبريقها وكعادة العسكر في العالم الثالث انطلت عليهم الحيلة فضربوا أخماسا في أسداس ووسوس لهم الشيطان (الأنس والجن) وبعد مشاورة مع أوليائهم أمريكا وإسرائيل ، حصلوا علي المباركة والضوء الأخضر، فأقدموا علي الانقلاب الذي أطاح بالنظام الديمقراطي المنتخب اختطفوا الرئيس والغوا الدستور وحلوا مجلس الشوري وهلمجرا...... لم يكن ما حصل في مصر مجرد شأن داخلي لا يجوز التدخل فيه بل يتأثر به كل العالم العربي والأفريقي والدولي ، ما حصل ببساطة انتكاسة للديمقراطية الوليدة ووأد للثورات العربية، الأعجب من هذا كله فان القوي الليبرالية والعلمانية والقومية والتي فشلت في زراعة الديمقراطية في العالم العربي إبان حكمها لمعظم البلاد العربية منذ ما بعد الاستقلال ، ورغما عن ذلك أبدت في الفترة الأخيرة انحيازها للديمقراطية والحريات فظننا انها تؤمن بها فإذا بهذه القوي تنقلب علي الديمقراطية بصورة أدهشت حتى بعض حلفائها ، أصبحت هذه القوي عسكرية أكثر من الانقلابيين أنفسهم ، يحرضون علي القتل والإقصاء بصورة لامثيل لها حتى في ظل الأنظمة القمعية السابقة . والذي دفعنا إلي الكتابة بعد توقف أمتد لفترة ليست قصيرة هو اندفاع بعض القوي السياسية (الليبرالية والقومية واليسارية السودانية) لمباركة ما حصل في مصر مؤيدة للانقلاب الدموي الذي انهي الديمقراطية الوليدة ما كدت أصدق ان صديقنا المحامي الضليع والسياسي المحنك الأستاذ/ساطع الحاج والذي عرفته عن قرب مناضلا من أجل الديمقراطية والحرية وكل المبادئ والقيم النبيلة بجانب التسامح الذي يتسم به وتجاوزه لكثير من المرارات والمعاناة من الإسلاميين في ظل الإنقاذ ، هذا الرجل بكل قامته ونضاله وتضحياته وسعيه الدؤوب والحثيث لإعادة الديمقراطية وإتاحة الحريات كاملة في السودان هذا الرجل وكأنه أصابته لعنة الفراعنة انبري يدافع عن الانقلاب في مصر وما كنت أصدق ما سمعته ، حتى اطلعت علي إفاداته في جريدة المجهر فقرأت ما بين السطور مرة ومثني فلم أجد ساطع الذي اعرفه كان منطقه لجاجة وتكييفه القانوني لما حصل في مصر يناقض بعضه بعضا ، فسبحان الله مغير الأحوال ... الم يدرك ساطع أن الانقلاب الغي الدستور المستفتي عليه !! كما حل مجلس الشورى المنتخب !! أما الرئيس المنتخب فقد أختطف إلي جهة غير معلومة ولم يسمح له حتى اللحظة بمقابلة محاميه أو أسرته أين يضع ساطع هذا التصرف قانونا ودستورا أليس في هذا الإجراء انتهاك لحقوق أساسية ضمنها الأديان كلها والمواثيق الدولية والمعاهدات لأي شخص !! أبعد هذا كله يقول ساطع (لا يمكن أن نقول أن ما حدث في مصر انقلاب) أذن ماذا نقول , بل يغالط بما لم يغالط به حتى النظام الانقلابي..... يقول ساطع (أن رابعة لم تفض بالسلاح بل بالغاز المسيل للدموع) ربما يكون غازاً ساماً!! بأي منطق يتحدث ساطع يتحدث عن أن الانقلاب لم يقفل الكباري ولا الإذاعات والتلفزيونات ولم تستعمل الدبابات ولا القوة العسكرية ، ماذا فعل الانقلاب في يوم 3/يوليو 2013م بعد إذاعة بيان قائد الانقلاب الم يقدم علي قفل أكثر من (17) قناة فضائية ... الم يقدم علي قفل دور حزب الحرية والعدالة...الخ أليس هذا كله من مستلزمات الانقلاب ... هب ان هنالك انتفاضة شعبية ضد النظام المنتخب وهذه الانتفاضة كانت تطالب بانتخابات مبكرة للرئاسة وهذا حق مشروع وقد أبدت رئاسة الجمهورية مرونة في إمكانية تعجيل الانتخابات ولكن الانقلابين تجاوزوا ذلك إلي إلغاء النظام الديمقراطي كله وتوالت الأحداث بعد ذلك عاصفة لتبين لكل ذي بصر و بصيرة أن ما وقع في مصر منذ الثالث من يوليو هو انقلاب عسكري كامل الدسم ،الم يدرك ساطع ان الانقلاب الغي جزء من الشعب المصري (المؤيدين للنظام الديمقراطي ) ففي الوقت الذي كان الإنقلابيون يحتفلون بانتفاضة الشعب في ميدان التحرير كانت هنالك انتفاضة اخري مؤيدة للشرعية في ميدان رابعة العدوية اليس من حق هذه المجموعة أن تكون لها حقوق المواطنة .... تعامل الانقلاب مع هؤلاء باعتبارهم ارهابين خارجين علي الدولة ......ماذا يقول ساطع عن الدكتور البرادعي عراب هذا الانقلاب لماذا استقال وغادر مصر ، وكذلك المتحدث باسم جبهة الانقاذ خالد داود .... أبعد هذا يماري ساطع بلسان لجلج ومنطق معوج بان ما حصل في مصر ليس انقلاب ، لا مجال للمقارنة بين النظام الديمقراطي الذي يمثله الاخوان المسلمون وبين هذا الانقلاب حتى الصحافة العالمية وصفت ما حصل في مصر بالانقلاب ، لا احسب أن ساطع يكره الإسلاميين إلي هذا الحد واصفا أياهم بأنهم غير مؤهلين للدفاع عن الديمقراطية أذن من الديمقراطي حمدين صباحي لأم محمد البلتاجي؟..... نسى ساطع أو تناسي انه يتحالف في السودان مع إسلاميين تحت مظلة التحالف الوطني لاسترداد الديمقراطية ماذا يعني هذا ؟ أينقلب ساطع علي الديمقراطية لو أتت بإسلامي السودان إلي سدة الحكم ما لكم كيف تحكمون !! أن مواقف القوي السياسية مما حصل في مصر يجب أن يكون معيارا للتحالفات القادمة فمن غير المعقول التحالف مع من لا يؤمن بالديمقراطية والحريات مبدأ ....... سئمنا التشدق بالديمقراطية من مدعي الليبرالية فقد انكشف الغطاء ، فهذه القوي التي لا تملك بعدا جماهيراً كفرت بالديمقراطية التي لا يمكن ان تحملها ألي الحكم ، فأثرت ركوب أحصنة الانقلابات فليعلم هؤلاء أن عهد الانقلابات قد ولي وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. يحزنني أن يتقاطع موقف ساطع مع موقف الإمام الصادق المهدي فالأخير قد تطبع علي الديمقراطية وقيمها ففي مقاله الأخير بجريد المجهر شخص ما حصل في مصر برؤية ثاقبة واصفا إياه بالانقلاب وان نصائحه لكل القوي هي الأقرب في المساعدة في حلحلة الأزمة المصرية فالرجل يستحق الاحترام والتقدير ، فمنذ مدة كتبت واصفا الإمام الصادق بالمفكر الإسلامي الديمقراطي المواكب لتطورات العصر بفكر ثاقب يستوعب كل المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية ولم يخذلنا الرجل لله درك يا أمام , إما صديقنا ساطع فقد سقط في الامتحان وإمامه فرصة للنهوض من كبوته ، ولنا عودة. بارود صندل رجب