مهندس/ سليمان حسن كوكو في معرض ما يدور هذه الأيام عن الفساد والمفسدين في أرض السودان المسكين، أعجبتني النكتة المعبرة التي ساقها الكاتب محمد موسى جبارة في مقاله بعنوان (الحكومة الملطشة) بسودانيز أونلاين بتاريخ 16 إبريل 2011م، عن أن ((أحد وجهاء أم درمان تمت إحالته للتقاعد عقب ثورة أكتوبر 1964م، ففتح له محلاً علق عليه يافطة "أعمال فلان"، فمر عليه أحد خاصته وسأله متهكماً، يا عم فلان أعمالك دايرة ليها يافطة؟!!!)). ومضى الكاتب يقول: ((أن فساد الإنقاذ لا يحتاج لمفوضية، فهو ظاهر في مسكن وملبس وجضوم أهل الإنقاذ وأزواجهم وأبنائهم وأقربائهم، فما الحوجة إذن لمفوضية إن لم يكن الأمر معقود به المزيد من الفساد بتوظيف آخرين ورشوة بعض آخر، ...)) لقد أذهلنا المشير الرئيس ببعض إعترافات، ليس فقط من قبيل شهد شاهد من أهلها وإن شهد رئيسهم وكبيرهم، فقال أن موظفي حكومته يتقاضون حوافز تصل إلى 40 ضعفاً لراتبهم الشهري، وإعترف "بعضمة لسانه"، أن ذلك "نهب مصلح". ثم عرج إلى الوضع الصحي المتردي بالأقاليم وعدم وجود أخصائيين وإختصاصيين، حيث قال: "الغريبة أن هناك ولايات لو رفدت (4) من الدستوريين الماعندهم شغل يمكن أن يتم تعيين (20) إختصاصياً بمخصصات هؤلاء الدستوريين". وواصل، "يمكن أن يتم إستيعاب أطباء في أماكنهم لأن الإختصايين يعالجون المواطن بينما أولئك عبء على المواطن كما أن مخصصاتهم يدفعها المواطن"!! .... كنا نتوقع أن نرى عقب هذا الكلام قرارات فورية بإقالة عدد من مستشاري القصر ال(12) أم أزيد...؟؟؟!! أمثال مسار، وكسار، وحفار، وجعار، و... الذين تحت أنف وشنب ودقن الرئيس، لا أقول تحت جزمته!!! لا أن ينظر بعيداً إلي الأقاليم التعبانة الكحيانة. فإن كانت مخصصات مستشار إقليمي واحد تكفي لتعيين 20 إختصاصي كما يقول الرئيس، فلا شك أن مخصصات مستشار واحد بالقصر تكفي لبناء مستشفي كامل في الأقاليم والأطراف المهمشة والمنسية. على كلٍ، فالمعلوم أن نظام الإنقاذ كان قد أصدر في بداية حكمه مرسوم دستوري بما عرف ب"قانون الثراء الحرام"، الذي من المفترض أن يرينا بالبيان الواضح "الفاضح" كم كان لدي مسئولي الدولة عند توليهم مناصبهم وكم أصبح لديهم الآن. وأنشأ بالمجلس الوطني "لجنة الحسبة" (1992م)، لمحاربة الفساد، ذات اختصاص الرقابة على الاجهزة التنفيذية، برئاسة مولانا/ أمين بناني. ثم اصدر سيادة الرئيس قانون (هيئة المظالم والحسبة العامة لسنة 1998م) ، وعهد برئاستها لمولانا محمد ابوزيد، لرد المظالم لاهلها من ضمن أعباء أخرى – مثل دفع المظالم الناشئة عن قرارات أجهزة الدولة، ودفع الاضرار الناجمة عن سوء استخدام السلطة. والأهم من ذلك كله، هناك القضاء السوداني "النزيه"، ومعه جيش جرار من النيابة العامة والمراجع العام وجنوده، الذي من المفترض أن يكون مستقلاً ومناط به النظر في كل التجاوزات والفساد، ومن إختصاصاته إقامة العدل ومحاسبة المفسدين وحماية المال العام. إذاً، فالأمر لا يحتاج لتكوين لجان أو مفوضيات جديدة للفساد، التي ربما ستضيف تشويشاً للأمور وتضارباً في المسئوليات والإختصاصات، ومعها تضيع الحقوق ويزيد الفساد، الأمر الذي ربما يستدعي إنشاء لجان ومفوضيات أخرى، وهلموجرا، ... إلى ما لا نهاية!!!. كما ولا يحتاج الأمر للنقاش أو الحديث والتندر به في المجالس ..... المطلوب "عمل"، وإتخاذ قرارات حاسمة وتنفيذها. سمى البعض ما قاله سعادة المشير، "صحوة ضمير" ، وآخرون قالوا عنه "مناجاة النفس"، وأخرون وصفوه ب "إنقلاب الذات الرئاسية على أسباب الظلم والفساد"، .... وأنا أقول بكل صراحة لا هذه ولا تلك، إنه: "إستغفال وإستعباط، وونسة قعدات"، وضحك على الدقون، فالإعتراف الذي لا يتبعه فعل إيجابي، ولا حتى مجرد إبداء الندم، يصبح مجرد كلام والسلام!!. القذافي يتحكم في كل شيء ويحاول إقناع العالم أنه لا يحكم ولا يتحكم في شيء، ورئيسنا الهمام المقدام يحاول أن يثبت أنه يتحكم في كل شيء ولكنه في الحقيقة لا يحكم ولا يقرر في شيء !!! ركز معي يا سعادة المشير، ويا سيادة الرئيس: الأمر لا يحتاج لكلام ولا نكات ولا تشبيهات، الأمر محزن ومبكي و يحتاج لقرارات شجاعة و"فورمونات" فورية لتضع الأمور في نصابها، الآن وفوراً وليس غداً !! الأمر يا سيادة الرئيس، كما قال أحد الكتاب: "الجماهير تحتاج إلى قرار سياسي شجاع بإرجاع الديمقراطية المسلوبة، إلغاء القوانين المقيدة للحريات، إشراك الشعب في السلطة، إرجاع المفصولين تعسفياً للعمل و محاكمة المفسدين و كل من أرتكب جرما تجاه الشعب السوداني"!! فركز يا سعادة المشير، وإستغل شرعيتك الثورية، والدستورية، والديمقراطية،... وما عارف إيه، وإستخدمها بالكامل وبدون مجاملة وإئتنا بأفعال وقرارات وأتركنا من الأقوال والأمثال، و"الكلام الساكت" !! فقد شبعنا منعه !!! ماذا تنتظر لتستخدم سلطاتك؟ إن كنت تنتظر "اليوم الأسود" فقد جاء و"فات"، وقربنا من "اليوم الأحمر". أصدر أوامرك ، أصدر توجيهاتك، أصدر تعليماتك ، ... "إلى الأمام"، "لا رجوع أو تراجع". إن كانت كل هذه المؤسسات لا تعمل أو أن القائمين عليها مقصرون وفاشلون فحلها جميعها وأفصلهم جميعاً، وأطردهم جميعاً وأأتي بغيرها وغيرهم، وإن كانوا جبناء وكذابين وغشاشين وحرامية، فأأتي بوجوه جديدة وبشخصيات مقدامة، وجسورة، وصادقة وأمينة تستطيع أن تعمل (أين سيء الصيت الصالح العام؟؟!!!). أما أن تعين هذا وتنشأ هذا فوق ذاك، وتأتي بثالث ورابع لأداء نفس المهمة والحال في حاله منذ أكثر من 20 سنة، فأمر يحير وغير معقول وغير مقبول، بل ويقدح في مصداقية وأهلية الرئيس شخصياً قبل نظامه الذي إدعى أنه جاء لإنقاذ السودان، و.. و..، كما سمعتم!! أم أن الرئيس محتار وخايف مثل شعبه المسكين المغلوب على أمره؟؟!!، فالكل هذه الأيام خايف من "قوش"!!، الكل خايف من "نافع"!!، الكل خايف من "كرتي" والدفاع الشعبي والدبابين!!، الكل خايف من "العصبة ذوي البأس"، ....الكل خايف من إيه؟ وإيه؟، ومن منو؟، ومن شنو؟... ما معروف!!!! يا سيادة "الريس" إن كانت مشكلة الفساد صعبة، فهناك ملفات كثيرة أخرى عالقة ربما تكون أخف في إنتظار قرارات سيادتكم وأوامر سعادتكم الكريمة وبصورة عاجلة، مثل:- = مشكلة الجنوب: وقعت إتفاقية السلام، وهنأتهم وباركت لهم قرارهم بالإنفصال، وبقيت بعض القضايا العالقة التي تتطلب النظر فيها والإقرار بها قبل 9 يوليو لإنهاء الموضوع، وكل "قرد يطلع شجرته" ونبقى جيران حبايب جنب بعض. = منطقة أبيي: لها بروتوكول موقع من قبل سعادتكم، رفضت قرار الخبراء وإرتضيت بالتحكيم، وقبلت نتيجة التحكيم وإحتفلت بيها مع المسيرية حتى أنك أعلنت في ذلك الإحتفال بأنك "مسيري وتفتخر بأنك مسيري"، تاني شنو اللولوة، وحشد الجيوش وتحريش المسيرية لإثارة القلاقل؟؟!! = المشورة الشعبية لمنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان: لهما بروتوكول ضمن إتفاقية السلام التي وقعتها، لهما إستحقاقات مشروعة، سهلها عليهم الله يسهل عليك!!!!. = دارفور: وما أدراك ما دارفور، جرح السودان الديمة نازف، والحمد لله إعترفت "بعضمة لسانك" أنها مسئوليتك الشخصية. ولدارفور كما تعلم يا سيادة الرئيس حقوق مشروعة، ولقد طالت معاناتهم وعذاباتهم وظلمهم، وفاتت الحد. لن يهنأ السودان، ولن يرتاح له بال، ولن يعم الأمن والإستقرار ربوعه ما لم تحل مشكلة دارفور، بل مشاكل جميع البقاع المتظلمة!! بعد دة، نوصيك بشنو يا سعادتك فكلك نظر!!!! كل الملفات المذكورة سبق أن كونت لها مئات اللجان وعقدت لها ألاف الإجتماعات واللقاءات، وأصبحت دراساتها جاهزة، وتوصياتها جاهزة وحلولها جاهزة، وإتفاقياتها جاهزة، ولم يتبقى سوى إصدار القرارات للتنفيذ والتي لا تتطلب الكثير وإنما إرادة قوية وصادقة وجرأة، فما معقول نفضل نلف وندور، وندور ونلف، في دوامة "شبر موية" ونفسنا قايم وحارقين دمنا ورافعين ضغطنا في الفاضي. فيا سعادة المشير، إنت وعدت، ووافقت، وإتفقت، بل ووقعت، وإعترفت وحلفت بالطلاق "مليون مرة"، فإيه لزوم التأخير، والتلكؤ، والتباطؤ، والتشاطر، والتخوزق (من الخازوق)، والكل يتابع سكناتك، وإبتساماتك، وضحكاتك، ومنتظر بأمل أن يرى طحناً وحلاً ونهاية لمعاناته وشقائه وعذابه، مع العلم أن العالم كله يتفرج ويراقب ويعاين ويسجل كل حركاتك إلى حين....!! فطالما إعترفت بشجاعة و"بعظمة لسانك"، فكن شجاعاً وكمل "رجالتك"، وتحمل مسئوليتك الكاملة ووصل الأمور إلى نهاياتها وغاياتها المنطقية بالقرارات اللازمة والضرورية والمرجوة والمتوقعة، في نطاق مسئولياتك، لا أحد له عليك حجة أو سلطان، وتأكد من تنفيذها وتطبيقها على أرض الواقع، وريح نفسك وبالك، وريح العالمين!!!. إذاً، فالمطلوب يا سعادتك، هو التركيز على العمل! العمل! ثم العمل!! .......... لا! للحديث، لا للكلام، لا! "للجغمسة"، ولا! "للدغمسة". لا! للجلسات ورفقاء السوء، ولا! للمطبلاتية وحكامات السوء، ولا! لفقهاء وعلماء السوء، وألف لا، ثم لا! لمستشاري السوء "الما عندهم شغل ولا مشغلة ولا فائدة"، بل ماكلين حق علاج الأقاليم، وحرموهم من القضاء على الملاريا والتايفويد، والحمى النزفية، والكلازار. ومليون لا! لضياع وتضييع الوقت، ......... فركز يا "ريس"!!، ركز!!!!. الرياض – 25 إبريل 2011م