لمنع انهيار الدولة.. فصائل سودانية: تركنا الحياد واصطففنا مع الجيش    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الناشط صلاح سندالة يسخر من المطربة المصرية "جواهر" بعد ترديدها الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله) خلال حفل بالقاهرة    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    نائب وزير الخارجية الروسي من بورتسودان: مجلس السيادة يمثل الشعب السوداني وجمهورية السودان    صحة الخرطوم توفر أجهزة جديدة للمستشفيات والمراكز الصحية واحتياجات القومسيون الطبي    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضية جبال النوبة ليست ساحة لتصفية الخصومات أيها الأشاوس


‏السبت‏، 30‏ نيسان‏، 2011
قضية جبال النوبة ليست ساحة لتصفية الخصومات أيها الأشاوس
gamain_ [email protected] صلاح الدين سعيد جمين
الدوحة – قطر
قصص صمود وكفاح القوميات النوبية في جبال النوبة ضد المعتدين الغاصبين قديمة قدم وجودها على تلك الأرض. فالذاكرة الجمعية لهذه المجتمعات, ممثلة في آدابها وفنونها المتناقلة جيل عن جيل, تختزن قصصاً بطولية وروايات مأساوية عن معاناة أجدادهم وأسلافهم في سبيل البقاء والاستمرار السلالي على وجه الأرض. ويمكن رصد تلك القصص في التاريخ الحديث ابتداءً بالعهد التركي– المصري, مروراً بفترة حكم المهدية بكل ويلاتها وعذاباتها, والتي اقترنت بحملات صيد الرقيق كما كان الحال في العهد الذي سبقه, ثم فترة الحكم الثنائي (الإنجليزي– المصري) وانتهاءً بحكومات ما بعد الاحتلال الإنجليزي. إن جوهر قضية جبال النوبة اليوم يتمثل في التهميش السياسي والإقتصادي والاضطهاد الاجتماعي والقهر الثقافي الذي ترزح تحت وطأته القوميات النوبية التي تقطن المنطقة منذ خروج المحتل البريطاني وقيام أنظمة حكم ظالمة في حيز جغرافي معلوم سمي, زوراً وبهتاناً, بالدولة بالوطنية في السودان.
ويجدر هنا ونحن في حضرة القضية أن نذكر من باب الوفاء والعرفان بالجميل كل الذين حملوا أرواحهم على أكفهم طوال سنوات النضال وقدموها قرابين للقضية وفداءً لأهلهم في جبال النوبة وفي مقدمة هؤلاء الشهداء منا الذين بذلوا دمائهم رخيصة ليحفظوا لنا الكرامة والجدارة الإنسانية بالعيش الكريم. وأسمحوا لي في هذا المقام أن أحيي الذكرى العاشرة لسلطان الشهداء وزعيم الثوار المناضل يوسف كوة مكي الذي أنار الدرب للسالكين إلى الحرية من بعده. كما أخص بالذكر أيضاً كل الأحياء من أبطالنا الأشاوس الذين قاتلوا ببسالة وشرف في ساحات النضال ومعارك التحرير- العسكرية منها والمدنية - ولازال الكثير منهم ممسك بزناده أو قلمه في انتظار الحل العادل للقضية. إن منطقة جبال النوبة قد وضعت بفضل تضحيات أبناءها العظيمة وجهودهم المخلصة في المسار الصحيح, وأنها قد قطعت أشواطاً مقدرة نحو التحرر والإنعتاق من جبروت المركز وعسفه.
ليس من أدنى شك في أن الانتخابات التكميلية في ولاية جنوب كردفان/ جبال النوبة سواء كانت على مستوى المجلس التشريعي أو لاختيار الوالي تعتبر تاريخية وعلى درجة عالية من الأهمية بالنسبة للمنطقة والسودان لأنها تشكل علامة فارقة من حيث المنظور الدستوري والسياسي والإداري والاقتصادي ذي الصلة بعلاقات السلطة الجديدة التي ستنشأ بين الولاية - وربما ولايات أخرى لاحقاً – والمركز, وذلك فيما يخص هيكل ونوع ومستوى الحكم اللامركزي والمؤسسات والصلاحيات التنفيذية والتشريعية وقسمة الولاية من الثروة والسلطة القومية الموصوفة في اتفاقية السلام الشامل.
من ناحية ثانية, فإن مشكلة القائد تلفون كوكو مع إخوته رفقاء الدرب والسلاح من قيادات الحركة الشعبية في جبال النوبة تمثل تحدياً يواجه القضية إن لم تحل في المستقبل المنظور, نظراً إلى الاستقطابات والتصدعات التي قد تنشأ عنها وسط أبناء النوبة. هذا بالاضافة إلى إمكانية استغلالها وتوظيفها بخبث من قبل الأعداء والخصوم السياسيين في المركز والمنطقة. وقد تبدى ذلك بالفعل جلياً في السلوك التخريبي للمؤتمر الوطني لضرب وحدة أبناء جبال النوبة في هذا المنعطف الحرج من تاريخ المنطقة, وذلك من خلال دعم ترشيح القائد تلفون كوكو وتوفير بعض المعينات اللازمة لذلك أخطرها تلك الحملة التي أطلقها عبر أقلامه الضالة المسعوره لدس السم في العسل. فهاهما المدعوان زوراً "بالطيب" مصطفى, وما هو كذلك, و"الصادق" الرزيقي, وما هو بصادق, يكتبان بخبث والحاح للي عنق الحقيقة وتعميق الخلاف بين أبناء النوبة في الحركة الشعبية وخارجها وفك لحمتهم. وللزيف الذي يعتور اسميهما بالنظر إلى واقع حاليهما أهديهما بيتين من الشعر علهما يهمدا ويكفا عن بث الفتن وقول الزور ويتماهيا شيئاً قليلاً مع جوهراسميهما:
مما يزهدني في أرض أندلس أسماء معتمد فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
إذن فكتابات الرجلين ليست بريئة ومناصرتهما لتلفون كوكو ليست خالصة لوجه الله وإنصاف الحقيقة أو حباً فيه, وإنما هي كتابات تصور كرهاً دفيناً في دواخلهما للحركة الشعبية ولرؤيتها الداعية للعدالة والمساواة والتحرر والانعتاق من جبروت المركز وظلمه الذي استمر لأكثر من خمسين عاماً, والذي يمثل "الخبيث" مصطفى أحد وجوهه الكالحة القميئة التي خبرناها وخبرها أهل الهامش جميعاً. ولن يقنعنا هذا الموتور بأن قلبه على جبال النوبة وأهلها, فهو وأمثاله من الحمقى في دست الحكم هم الذين أعادوا السودان القهقرى إلى حيث العنصريات المنتنة والعصبيات المقيتة, وهم الذين دفعوا بتلفون كوكو وأهله إلى أتون حرب ضروس لاتبقي ولاتذر. وكل مانطلبه منه الآن هو أن يكف أذاه عنا ويتركنا في حالنا, فنحن في جبال النوبة أقدر على تدبير أمورنا وتصريف شؤوننا.
وبالعودة إلى موضوع ترشيح الأخ تلفون كوكو لمنصب الوالي في الانتخابات الجارية في الولاية, فإنه وكما يعلم الجميع رهن الاعتقال أو بالأحرى يقضي حكماً بالسجن في سجون الجيش الشعبي لتحرير السودان بالجنوب. وبصرف النظر عن رأينا في هذا الأمر فإن تطورات- ربما نختلف في تقدير درجاتها- قد حدثت جراءه. أخطر هذه التطورات الانقسام الذي وقع, وإن بدى صغيراً الآن, داخل أبناء النوبة. ولقد تجلى ذلك في تبني فئة قليلة من أبناء النوبة المفصولين من الحركة الشعبية موضوع ترشيح الأخ تلفون كوكو بمساندة واضحة من حزب المؤتمر الوطني المنافس الأول للحركة الشعبية في انتخابات الولاية, فضلاً عن مساندة فئة قليلة من أبناء النوبة في الداخل والمملكة العربية السعودية.
وهنا تنهض جملة من الأسئلة التي تتطلب إجابات وافية وشافية. أولاً: ما الهدف ومن المستفيد من ترشيح الأخ تلفون كوكو؟؛ ثانياً: ما هو الموقف الحقيقي للأخ تلفون كوكو من أمر ترشيحه بالوكالة من قبل فئة من أبناء النوبة في هذه المرحلة الخطيرة من عمر المنطقة والقضية؟؛ ثالثاً: ما هي التداعيات المستقبلية للخلافات وبوادر الانقسام في أوساط قادة وكوادر الحركة الشعبية في جبال النوبة؟؛ رابعاً: هل للأخ تلفون كوكو "كمرشرح مستقل" أي فرصة حقيقية للفوز بمنصب الوالي؟
وسوف أجتهد هنا في الإجابة عن الأسئلة عاليها بنفس تراتبية ورودها. بالنسبة للسؤال الأول فالإجابة عنه من شقين, الشق الأول متعلق بالمؤتمر الوطني الذي يهدف إلى ضرب وحدة أبناء النوبة في مقتل عند منعطف حرج في مسيرتهم القاصدة إلى تحقيق ذاتيتهم واستقلاليتهم. ولا يقولن لنا قائل بأن النوبة أصحاب مصلحة في موضوع ترشيح تلفون كوكو, بل هم الخاسر الأكبر والأوحد في هذه المعركة والمؤتمر الوطني هو من سيفوز بالرهان في آخر المطاف إذا استوفت المؤامرة, التي يقوم فيها بعض أبناء النوبة بدور المغفل النافع, أركانها وبلغت غايتها. وهنا يبرز تسأؤل: هل فات على بعض إخوتنا من أبناء النوبة الذين يوالون المؤتمر الوطني ويعينونه على تنفيذ مآربه في المنطقة الوقوف على حقيقة دوافعه ونواياه والتي هي أوضح من أن تخفى, أم أن النفس الأمارة بالسوء والعزة بالإثم قد أخذتهم كل مأخذ؟.
أما الشق الثاني من الإجابة فيتعلق بأبناء النوبة المفصولين من الحركة الشعبية والذين تبنوا أمر ترشيح الأخ تلفون كوكو, كما يتعلق بأبناء النوبة الذين ساندوا ودعموا أمر الترشيح معنوياً ومادياً وإعلامياً. فلهؤلاء دوافع وأهداف تختلف عن تلك التي للمؤتمر الوطني. فالمجموعة المفصولة من الحركة الشعبية هدفها تصفية حسابات وخصومات لديها مع الحركة الشعبية ورئيسها في جبال النوبة الأخ عبد العزيز آدم الحلو. وهذا الأمر واضح وجلي في كتاباتهم التي تتميز باسلوب ولغة تنضح بمرارات وغبائن لم يفلحوا في تجاوزها أبداً حتى الآن. وأنا هنا لا أتحدث عن صحة مواقفهم أو عدم صحتها في المفاصلة التي وقعت بينهم والحركة الشعبية في الجبال, وذلك لأنني لا أعلم الكثير عن هذا الأمر وبالتالي لست مؤهلاً للخوض أو الحكم فيه, غير أني أملك الحد الأدنى من المعرفة والقدرة التي تمكنني من استقراء المعطيات المتاحة في هذا الشأن وربطها وتحليلها ومن ثم الخلوص إلى نتائج يمكن أن تقارب الواقع إن لم تطابقه. وفي ما يخص أبناء النوبة الذين دعموا أمر الترشيح معنوياً ومادياً وإعلامياً فلا أستطيع أن أجزم بشيء بعينه كسبب أو دافع حملهم على هذه المناصرة. فربما كان إحساس بعضهم بأن الأخ تلفون كوكو قد ظلم من قبل الحركة الشعبية هو الشيء الذي حركهم للتعاطف معه, وربما العصبية القبلية كانت هي الدافع لدى البعض الآخر. كما أن التضليل الإعلامي الذي وقع فريسته الكثير من أبناء النوبة ربما كان له أثره على فئة ثالثة منهم. وفي اعتقادي أن بعض ذلك قد تم بفعل آلة الكذب الضخمة التي يديرها المؤتمر الوطني, والتي حرصت على رسم صورة سلبية منفرة للحركة الشعبية تأسست في أحد أوجهها على أنها – الحركة - قد استغلت أبناء النوبة في الحرب وتنكرت لهم في السلم. وهذا موضوع مهم وسنفرد له مقالاً لوحده نتطرق فيه بالتحليل والنقد الموضوعي إلى ظروف نضال أبناء النوبة المشترك مع أهل الجنوب والنيل الأزرق من أجل قضيتهم حرباً وتفاوضاً وسلماً. قناعتي أنه ومهما كانت دوافع هذه الفئة من أبناء النوبة فإن موقفها بتبني ومساندة ترشيح الأخ تلفون كوكو قد جانبه الصواب لعدة إعتبارات سنوردها في الآتي:
1. إبتداءً, نقول بأن الانتخابات التكميلية في الولاية ليست انتخابات عادية بل هي مصيرية تحدد مستقبل المنطقة والأجيال القادمة ولاتحتمل التشاكس أو التطاحن الداخلي, لذلك فإن مصلحة أهل المنطقة والقضية ودقة المرحلة كانت تقتضي من الجميع قدراً من الحكمة في التعامل مع الخلافات والسمو فوق الصغائر والجراح؛
2. هذا الموقف سيفاقم الخلاف ويوسع دوائره ويولد مشاعر سلبية إن لم نقل ضغائن في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى إفشاء روح الإخاء والمحبة وقيم التكاتف والتضامن وأن نجعل من الوحدة بيننا جميعاً عرباً ونوبة وفلاتة وبرقو وإثنيات أخرى جسراً لبلوغ الغاية التي ناضلنا من أجلها سنين عددا؛
3. وهذا الموقف سمح لأعدائنا بالتدخل في شؤوننا ودس أنوفهم في ما لايعنيهم لتعميق شقة الخلافات بيننا, فهم كالسوس يعملون نخراً في عظم قضيتنا.
4. كما أن هذا الموقف لن يفضي بنا وبهؤلاء الإخوة إلى أي شيء إيجابي يخدم القضية, بل على العكس سيضر بها لأنه سيفتح الباب واسعاً لصراعات مريرة في المستقبل, أو على أقل تقدير سيعمل على بعثرة الأصوات وتشتيتها في الانتخابات التي تجري الآن في الولاية. وهذا وضع سيفيد منه المتربصين بالمنطقة بقصد الهيمنة والسيطرة عليها. من ناحية أخرى, فإن هذا الموقف سيكون خصماً على هؤلاء الإخوة في مسيرتهم السياسية إن كان خيارهم هو الإستمرار في العمل السياسي.
ويتمحور السؤال الثاني حول حقيقة موقف الأخ تلفون كوكو من مسألة ترشيحه بالوكالة من قبل بعض أبناء النوبة في هذه المرحلة الحرجة من عمر المنطقة وما تنطوي عليه هذه الخطوة من مخاطر على القضية. وفي هذا الشأن فإننا لا ندري إن كان الترشيح قد جرى برغبة خالصة من الأخ تلفون نفسه, ومن ثم أوكل لبعض الإخوة مهمة استكمال إجراءات الترشيح والقيام بالحملة الدعائية وبقية مطلوبات العملية الانتخابية, أم أن الترشيح قد تم بمبادرة من بعض الإخوة ووافق عليها الأخ تلفون ومن ثم باركها وساندها المؤتمر الوطني. أياً كان الأمر, ومع تسليمنا التام بأن الترشيح أو الترشح للمواقع العامة حق ديمغراطي أصيل ومستحق كفله القانون والدستور لكل مواطن, فإن موضوع ترشح الأخ تلفون كوكو أو ترشيحه من قبل آخرين وموافقته على ذلك أمر يخدش سيرته وتاريخه النضالي ويقدح في صدقية مواقفه ومساعيه لنصرة قضية النوبة وخدمة المنطقة وأهلها. خاصة وأن ذلك يأتي في ظرف دقيق يواجه فيه النوبة والشرفاء من أبناء المنطقة من الإثنيات الأخرى تحدي أن يكونوا أو لايكونوا. وهنا يؤسفني جداً أن أقول لك أخي الثائر العنيد والمناضل الجسور تلفون كوكو أن سهمك قد أخطأ هدفه دون قصد منك وهو يوشك أن يصيب القضية في مقاتلها. فأنت بخطوتك هذه تحاول تصفية خصومات ومواقف قديمة مع إخوتك رفقاء الدرب والكفاح, ولا غضاضة في ذلك, غير أنك اخترت القضية ساحةً لتلك المعركة وهو اختيار في رأي لم يحالفك فيه التوفيق أبداً.
قناعتي أن أدب الخلاف وشرف الخصومة قيم عليا يجب أن نتحلى بها جميعاً وصفة ينبغي أن يتوشح بها كل الشرفاء شركاء القضية والنضال في جبال النوبة وبدونها ستذهب ريحنا ونتبدد في الآفاق غير مأسوف علينا. فمن الطبيعي أن نختلف ونتدافع فهذا مقبول ومطلوب لأن الحياة نفسها تطوي مسيرتها عبر هذا التدافع والصراع الكفاحي الخصيب المفضي إلى خير البشرية جمعاء. ولكن أن نجعل من قضية جبال النوبة بكل ما أنضمت عليها ضلوعنا وحنايانا من تطلعات وأشواق نبيلة ساحة لتصفية خصوماتنا فهذا ما لا نقبله ولا نرضاه لأنفسنا ولقضيتنا العادلة, بل نزيد ونقول بعبارة واضحة وجلية... القضية خط أحمر لايسمح بتجاوزه ومحراب أقدس يحرم ويمنع تدنيسه مهما كانت مكانة المتجاوز والمدنس فينا.
جوهر السؤال الثالث هو التداعيات المستقبلية للخلافات وبوادر الانقسام التي ظهرت بين قيادات وكوادر الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان في جبال النوبة. في تقديري أن التداعيات في الوقت الراهن ليست خطيرة كما أنها ليست بسيطة, إلا أنها تنذر بصراعات يمكن أن تكون كارثية في المستقبل المنظور حال لم يبادر إلى محاصرتها ولجمها بتدابير وإجراءات عاجلة من قبيل طرح مبادرات مصالحة تقوم على المكاشفة والحوار بقلوب وعقول مفتوحة. ولا أعتقد أن أحداً منا يرغب في إعادة إنتاج تجارب الإخوة في الجنوب ودارفور في الانشقاقات والاقتتال والتطاحن الداخلي.
أما السؤال الرابع والأخير فيتعلق بوجود فرص حقيقية للأخ تلفون كوكو "كمرشح مستقل" للفوز بمنصب الوالي. وفي هذا الجانب نقول أن لا حظوظ للفوز تذكر للأخ تلفون كوكو في هذه الانتخابات التكميلية في الولاية. أقول ذلك واضعاً في الاعتبار عدة عوامل أولها أنه غير مسنود بتنظيم سياسي أو مؤسسة حزبية لها ثقل جماهيري ورؤية سياسية واضحة لكافة مشاكل وقضايا المنطقة ومستويات ونوع الحكم والإدارة فيها وعلاقة كل ذلك بالمركز. هذا بالاضافة إلى عدم توفر الإمكانات المادية والتسهيلات اللوجستية له والتي تعمل على تيسير صعوبات العمل السياسي اليومي في ولاية تفتقر إلى الكثير في كل شيء. وما انسحاب مرشح حزب العدالة الأخ مكي على بلايل من مضمار سباق انتخابات منصب الوالي على خلفية ضعف الموارد المالية لحزبه إلا دليل على صحة ما نقول في هذا الخصوص. ثانياً إن الأخ تلفون ليس له وجود فعلي في الولاية يتيح له سبل التواصل المباشر مع الجماهير نسبةً لظروفه المعروفة للجميع. والمفارقة هنا تكمن في أن هذا العامل الذي يعتبر نقطة ضعف الأخ تلفون في معركته الانتخابية غير المتكافئة هو نفسه عنصر القوة الذي أكسبه تعاطف بعض الناس تأسيساً على فرضية أنه مظلوم ومحجوب قسراً عن الساحة السياسية الولائية. إلا أن هذا التعاطف ليس كافياً لتشكيل رأي عام وتكوين قناعات كبيرة لدى قطاعات جماهيرية واسعة بأنه الأصلح للمنصب وبالتالي الأوفر حظاً.
في الختام أود أن أنتهز هذه السانحة لأوجه دعوة صادقة وخالصة للأخ تلفون كوكو وبقية الأخوة الذين يناصرونه أن يقفوا برهة للتملي في عواقب الخطوة التي اتخذوها على وحدة النوبة والقضية في المستقبل. كما اناشدهم واناشد كل الإخوة الفرقاء في الحركة الشعبية وفي المقدمة منهم الأخ عبد العزيز الحلو أن يتجاوزوا خلافاتهم ويسموا فوق جراحاتهم من أجل أن يرسموا البسمة على شفاه المعذبين من أهلهم ويحققوا الأمن والاستقرار والرفاه لشعبهم الذي ناضلوا من أجله وقاتلوا باسمه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.